الثورة الجزائرية والقانون (1960-1961) لمؤلفه محمد بجـوي:

التطورات القانونية ابان حرب التحرير

تقديم: محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة

يذهب يير كوتب؛ رئيس الجمعية الدولية للحقوقيين الديمقراطيين ومدير الدراسات في المدرسة العملية للدراسات العليا في جامعة باريس سابقاً إلى أن كتاب «الثورة الجزائرية والقانون1960-1961م»، للدكتور محمد بجاوي لا يتوجه إلى الحقوقيين وعلماء الاجتماع والسياسيين، وإنما  يهم جميع أولئك الذين يودون أن يفهموا فهماً واضحاً عصراً متميزاً بزوال الاستعمار.


وفي منظوره، أنه كتاب كُتب في العمل ومن أجل العمل، ويشير في تحليله لهذا الكتاب الهام الذي لا يمكن أن يستغني عنه كل من يتابع التطورات القانونية، التي عرفتها الثورة الجزائرية المظفرة ضد الاستدمار الفرنسي، إلى أن الدكتور بجاوي يعيننا بتجربته كي نفهم، كيف أن النظام الحقوقي الاستعماري في الجزائر قد تفكّك، وانتشل، وتفسخ بتأثير ضغط الوقائع، وفي نطاق المضمون الدولي لزوال الاستعمار. ويذكر أن الثورة الجزائرية أفرزت قانونها، وتكوّنت على التوالي - واستجابت لحاجات النضال - بمؤسسات عسكرية، وإدارية وحكومية ومفاهيم حقوقية ضمنت لهذه الثورة الجهاز المكين...».
ويرى أنه ما من إنسان يوجد في مركز أفضل من مركز الدكتور بجاوي لكي يقدم إلينا ما نستطيع تسميته (النص شبه الرسمي) للنظام الحقوقي الجديد، إبان زاول الاستعمار. ولكي يشرح ما ذا فعلت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وما هي الأسباب الاجتماعية والسياسية التي حددت بها للقيام بما فعلت.
 إن كتاب محمد بجاوي يقدم دراسة مستفيضة ومعمقة عن العلاقة بين الثورة الجزائرية، والقانون والتطورات التي عرفتها في المرحلة مابين سنتي:1960 - 1961م، وقد تولى ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذ علي الخش، وراجعه الدكتور محمد الفاضل.
 في مدخل الكتاب أشار المؤلف إلى أن، الحركة الثورية لتحرير الجزائر هي بمثابة رافعة دامية لتأييد قضية تصفية الاستعمار في إفريقيا كلها، وأكد على أن الثورة الجزائرية بانتمائها إلى الحركة الواسعة الهادفة إلى تقويض الاستعمار،وبعد أن تأيدت شرعيتها بقانون تصفية الاستعمار استطاعت أن تجد مبرراتها النظرية في هذا القانون.
   ويذهب إلى أنه، من المفيد أن تُدرس الثورة الجزائرية على ضوء هذا القانون، وأن يتجلى في الوقت ذاته دور هذه الثورة ومدى إسهامها في خلقه وإنشائه بصورة مطردة.

حقـــــــوق الدولــــــــــة الجزائـــــــرية
 لا يســـــــــري عليهـــــــــا التقــــــــادم

 جاء الفصل الأول من الكتاب بعنوان «الأسس الحقوقية لبعث الدولة الجزائرية»، أكد فيه المؤلف منذ البداية على أن بعث الدولة الجزائرية لا يتفق مع الإرث التاريخي، والتطور الاجتماعي، ومع إرادة الشعب السياسية فحسب،ولكنه يتفق أيضاً والقانون الدولي، فسيادة الشعب لا يمكن أن تعتبر من الوجهة الحقوقية ملغاة بفعل الغزو والاحتلال الفرنسي لأرض الجزائر منذ عام: 1830م، وهذا ما يتّضح من خلال جملة من الحجج، ذكرها الدكتور محمد بجاوي كما يلي:
1- قبل الغزو الفرنسي كانت الجزائر شخصاً من أشخاص القانون الدولي، وعضواً من أعضاء المجتمع الدولي.
2 ـ إن إلحاق الجزائر كان عملاً مستحيلاً من الناحية القانونية.
3 - إن التسليم دون شرط ودون قيد لم يكن تطبيقه ممكناً.
4 - إن الاحتلال كوسيلة من وسائل اكتساب الأرض، قد اعتبر دائماً غير شرعي في القانون الدولي متى كانت هذه الأرض مأهولة وذات حكومة.
5 - إن عيب هذا الاحتلال لا يمكن أن يزول بالتقادم. إن حقوق الدولة الجزائرية لا يسري عليها التقادم.
 وقد شكلت دراسته ومناقشته لهذه النقاط في الفصل الأول من الكتاب، وفي الفصل الثاني أكد على أن التقسيمات الإدارية للجزائر تتلاءم تماماً والتنظيمات العسكرية لجيش التحرير، وتوقف مع جملة من العناصر الهامة من بينها: شهادات الصحفيين الذين حلوا بالجزائر ومن بينهم ذكر: بتر ثروكنورتون، ونبنو بو ليجو، وتوماس هودكنز، وغيرهم واستشهد بما كتبه جوزيف كرافت، في فيفري1958 بصحيفة ساتردي افننغ بوست عن الإدارة الجزائرية الحرة،حيث جاء في مقال له: «لقد أقام المفوضون السياسيون خلايا في كل قرية،ونظموا جهازاً للحكم المحلي عماده: رئيس منطقة، ومفوضون مسؤولون لأعمال الشرطة، والمالية، والقضاء، والصحة. وهم يجمعون ضرائب كما أقاموا نظاماً للضمان الاجتماعي.
أما المدارس فهي بعهدة الجنود الوطنيين الذين يعلمون الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والعاشرة مبادئ القراءة والكتابة، وقد شهدت في قرية أخرى بداية «تجربة زراعية محاولة لزراعة البن».
 إضافة إلى اعترافات الضباط الفرنسيين فالوزير الفرنسي الأول اعترف بوجود مناطق محررة، ولا أمل للجيش الفرنسي باسترجاعها، وتوقف محمد بجاوي مع إدارة المناطق المحررة، واللجان المختصة، ولجان التموين ولجان المعونة،واللجان القضائية، واللجان الزراعية، واللجان المدرسية، ومصالح الأمن.
    في الفصل الثالث الذي وسمه ب»جيش التحرير الوطني جيش نظامي - جيش ثوري» أشار إلى أنه، من دواعي خصائص الجيش الجزائري المدهشة أنه تكون في بداية عهده بمنتهى التواضع من بضع مئات من الرجال، ولم يلبث أن تطور بسرعة تكاد تكون خيالية، ولقد وطن نفسه على مستلزمات النضال التحريري،وأخصها حرب العصابات، فكان بذلك جيشاً ثورياً من الأنصار، وجيشاً نظامياً في آن واحد، وهذا ما تجلى من خلال تنظيمه وكيانه الحقوقي.
وعن تنظيم جيش التحرير الوطني، ذكر أن التطوع في جيش التحرير الوطني وتشكيله، وتسلسله، ورتبه، ونظامه ومصالحه الخاصة تنم عن خصائصه النوعية وتبين مدى تطوره، وتعرض المؤلف في هذا الفصل للعديد من العناصر من أبرزها: التكوين العضوي لجيش التحرير الوطني، وتأليف جيش التحرير الوطني، والانضباط والقضاء العسكري، والمصالح المتخصصة في جيش التحرير الوطني، والوضع الحقوقي لجيش التحرير الوطني.
 وأما في الفصل الرابع الموسوم ب»البيعة الشعبية» فقد أكد على التلاحم الوثيق بين الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني، ورأى أنه يكفي التذكير بالطابع الأساسي لمعركة الجزائريين فهي حرب ضد الاستعمار، وبمجرد ذلك تكتسب الحركة التي توجهها شرعيتها، وبالتالي تكتسب صفة التمثيل الصحيح، وتحت عنوان: «الشعب يبايع جبهة التحرير الوطني في جانفي1957» أورد المؤلف مجموعة من الشهادات الفرنسية، التي أكدت الترابط القوي بين جبهة التحرير الوطني والشعب الجزائري، كما أورد شهادات متنوعة حينما تطرق إلى تجديد الشعب بيعته للحكومة الجزائرية المؤقتة.
وفي الفصلين الخامس والسادس سلط الضوء على دستور الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية،والمؤسسات الجزائرية فأكد على أن جبهة التحرير الوطني حزب أمة،وأوسع مما يسمى الاتحاد المقدس للأحزاب،وهي أشمل من الحزب الواحد.
   وخصص الفصل السابع والثامن للحديث عن الاعتراف بالدولة الجزائرية وبالحكومة المؤقتة وبحالة الحرب،أما الفصل التاسع فقد تناول فيه أهلية حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة، لعقد المعاهدات ودعم هذا الفصل بملاحق تبين المعاهدات التي أبرمتها أو نقضتها الجمهورية الجزائرية.
  وتوقف في الفصول الثلاثة الأخيرة مع حرب الجزائر واتفاقيات جنيف،والجزائر الصحراوية مؤكداً وحدة الأرض الجزائرية، وتقرير المصير.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024