دعوة إلى تسجيل شهادات من حرروا الجزائر
أحيت معسكر امس الذكرى 59 لمعركة جبل المناور، في طقس شديد الحرارة، تُذًكر الخلف ببطولات وأمجاد السلف، وحصيلة ثقيلة من الخسائر في صفوف المستعمر الغاشم، هذه الملحمة التاريخية التي شكلت منعطفا حاسما زاد من شعلة العزيمة والنزعة التحررية اتقادا، جاءت بعد سلسلة من المعارك الضارية بين جيش التحرير والقوات الاستعمارية المستبدة، التي حاولت كبح جماح الثورة بشتى السبل والوسائل الحربية، دون أن تكلل محاولاتها بنتائج تحفظ على الأقل ماء الوجه.«الشعب» وقفت عند هذه الذكرى وتعرض أدق التفاصيل.
تتلخص أهمية الحدث الذي أحيت السلطات المحلية بمعسكر ذكراه، في أن يكون محطة لاستخلاص العبر والدروس التي تنير معالم مستقبل الأجيال المتعاقبة، لتحصينها من انعكاسات التشويه والتحريف المنبعث من أبواق فرنسا الرسمية وأدواتها المحلية من خلال دعوة المجاهدين وشهود العيان عن المعركة إلى تسجيل شهادتهم الحية،لاسيما هؤلاء القلة الذين ما يزالون على قيد الحياة يواجهون انعكاسات صحية مؤلمة أثرت على ذاكرتهم، على غرار مجاهدين ومجاهدات يلازمون فراش المرض.
شكلت معركة جبل مناور منعطفا حاسما،أخلط أوراق المستعمر الفرنسي وجعل السلطة الاستعمارية تعد العدة لمواجهة فصائل من مجاهدي المنطقة المنظمين في صفوف جيش التحرير الوطني تحت قيادة سي رضوان وسي محمود، وكان جبل مناور إحدى قلاع الدفاع الصامدة في المنطقة السادسة من الولاية التاريخية الخامسة . شهد ملحمة أرخ لها 200 جندي من فصيلتي سي محمود وسي رضوان .
وجاءت الملحمة التاريخية كرد فعل متوقع من طرف جنود جيش التحرير، على سلسلة الهجمات المتتالية التي نفذتها كتيبتي سي محمود وسي رضوان طيلة شهر أوت من سنة 1957 بعد سنة من انعقاد مؤتمر الصومام وسنتين من هجومات الشمال القسنطيني، منها الهجومات المنفذة ضد المراكز العسكرية الاستعمارية ومعركة دير السلوقي وهجومات عدة كبدت المستعمر خسائر باهضة الثمن.
من اجل تقويض مسار الفصيلتين،عمدت القوات الاستعمارية الفرنسية إلى اقتفاء أثر المجاهدين البواسل،ومحاصرتهم في منطقة المناور بين الحدود الإقليمية لولاية غليزان ومعسكر.
وحشدت من اجل ذلك عدتها الحربية وأزيد من 20 ألف عسكري مدعمين بالطائرات الحربية
« 60 T» التي أمطرت قنابلها على القرى المجاورة لجبل المناور، في حين تقدمت صفوف جيش التحرير الوطني لترابط وتتحصن بجبل المناور الذي بدوره لم يخذلهم ومكنهم بعد ساعتين من المسير على الأقدام في الشعاب القاحلة والمسالك الصعبة من القضاء على ما يزيد عن 650 عسكري وإصابة 17 طائرة منها 6 طائرات سقطت لتبقى شاهدا على المعركة في قمة جبل المناور الصامد صمود الوطن.
أما بين صفوف جيش التحرير الوطني سقط 69 شهيدا في ساحة الفدى و10 مدنيين وأصيب 23 آخرون بقنابل النابالم المحرمة دوليا من بينهم القائد سي رضوان الذي استشهد بعد 15 يوما من إلقاء القبض عليه جريحا .
وتمكن أبطال المعركة ممن حالفهم القدر على الحياة والاستمرار في حمل لواء الثورة التحريرية المبجلة من الإفلات من حصار القوات الاستعمارية،متوجهين إلى دوار العناترة بغليزان، حيث ألقي القبض على القائد سي رضوان من طرف الفرقة الإدارية المتخصصة بعد أن أوكل قيادة كتيبته إلى القائد سي محمود، حسب ما جمع من شهادات حية ووثائق أرخت للحدث، واتفقت على الشهادة أن معركة جبل المناور كان لها الأثر البليغ في رفع معنويات مجاهدي المنطقة ودفع القوات الاستعمارية إلى التراجع، وإعادة النظر في خطاها وخططها الحربية بالمنطقة السادسة التابعة للولاية التاريخية الخامسة.