الدكتور عبد الستار: أوجه نداء للمصالحة التاريخية
تحصل كل من الطالبين حمزة أمزال وحسينة عمي، على درجة ممتاز في مذكرة لنيل شهادة الماستر في تخصّص تاريخ المغرب العربي المعاصر، حول موضوع مجزرة ملوزة في 28 ماي 1957، تحت إشراف الأستاذ الدكتور مصطفى نويصر، وتكوّنت لجنة المناقشة من الأستاذين الدكتور علال بيتور رئيسا والدكتور حسين عبد الستار مناقشا، بحيث أثنوا على جرأة وعمل الطالبين الجاد خاصة وأنه لأول مرة تتطرّق الجامعة الجزائرية، وبالتحديد قسم التاريخ لموضوع لطالما كان يمثل طابوها من المواضيع المسكوت عنها.
تضاربت الآراء والشهادات حول قضية بني يلمان مجزرة ملوزة، منهم من يحمل المسؤولية لجبهة التحرير الوطني وآخرون للمخابرات الفرنسية، وهناك من نادى بضرورة تسجيل ضحايا المجزرة شهداء، ما دفع الطالبين وبتوجيه من المشرف لتناول هذا الموضوع في إطار البحث العلمي التاريخي البحت بعيدا عن السياسة، بغية كشف الملابسات والجوانب الأخرى للثورة، ولتكون مقدمة للتعمّق أكثر في هذه القضية من طرف الباحثين. إضافة إلى الرغبة الشخصية للطالبين في دراسة هذا الموضوع، وعدم تطرّق الدراسات والأبحاث التاريخية لهذه القضية التي ظلّت بعيدة عن الباحثين، وبالتالي هي بحاجة لإعادة تسليط الضوء ومزيد من البحوث والدراسات التي تمكن من دراسة تصور تاريخي دقيق وما جرى بالضبط يوم 28 ماي 1957، خاصة أن بعض قادة جبهة التحرير اعترفوا أن ما حدث في هذه الليلة يعدّ نقطة سوداء في تاريخ الثورة، وذلك لغموضها، أوضحت الطالبة حسينة عمي.
وأضافت الطالبة، أن طرح الإشكالية تمحورت حول هل هاته القضية تندرج ضمن الصراع بين الحركة الوطنية الجزائرية وجبهة التحرير الوطني؟، أم هي عملية مخابراتية فرنسية بأيادي جزائرية؟ بحيث إعتمدوا على جملة من المصادر والمراجع باللغة العربية والأجنبية، أهمها كتاب محمد حربي: جبهة التحرير الوطني الأسطورة والواقع، كتاب جودي أتومي الذي دون هذه القضية وكتاب جاك سيمون حول مجزرة ملوزة، ومذكرات أرزقي باسطا. بالإضافة إلى إجراء مجموعة من المقابلات الشخصية تمثلت في مقابلة مع ثاني قائد جيش الحركة الوطنية وهو علال ملزي، محمود قطال الذي كان الحارس الشخصي لمحمد بلونيس، ومقابلة مع عبد العزيز واعلي والذي كتب الكثير في مجلة أول نوفمبر بخصوص هذه القضية.
ويقول الطالب حمزة أمزال، أن القضية كانت نقطة سوداء في تاريخ الثورة ومن القضايا الشائكة وجزءا لا يتجزأ من صراع الإخوة ـ الأعداء جبهة التحرير الوطني والمصاليين، مضيفا أنه استنتج من الدراسة وجود اختلاف بين المؤرخين حول كيفية وقوعها وحيثيات الحادثة، بينما وجد توافق بين سكان المنطقة الذين كانت لديهم رواية واحدة متفق عليها على غرار الباحثين.
وفي الفصل الثالث، تطرّقا لردود الأفعال على قضية بني يلمان، بالاعتماد على رد فعل السلطات الفرنسية التي كانت سباقة من ناحية الدعاية الصاخبة في وسائل الإعلام وروجت لهذه القضية باسم ملوزة، وكان رد فعل من طرف جبهة التحرير الوطني التي دافعت عن نفسها في إبعاد هذه التهمة عنها، مشيرين إلى وجود صعوبة الوصول إلى وثائق الأرشيف وهي متواجدة بأرشيف فرنسا، ولم يتمكنا من الإستفادة من الأرشيف الوطني ببئر خادم وكذا صعوبات في الترجمة وضيق الوقت.
وخلص بحث الطالبين إلى أن، مجزرة بني يلمان التي ارتبط اسمها بملوزة القرية المجاورة لبني يلمان يعود إلى الأجهزة المخابراتية الفرنسية التي كانت تقف وراء هذه المغالطة التاريخية، والهدف هو طمس معالم المنطقة وتقديم مسرح الجريمة فيه، ووجود المنطقة في موقع استراتيجي وكذا تربّعها على مساحة كبيرة وطبيعة جبلية معقّدة جعل منها مقرا للأمير عبد القادر بعد إبرامه معاهدة التافنة وكانت مقرا لقيادة احمد بومرزاق بما يعرف بثورة المقراني.
مجزرة ملوزة حلقة استغلتها أجهزة المخابرات الفرنسية لتحرير خيوط المؤامرة
وأضاف الطالب حمزة أن وقوع مجزرة ملوزة حلقة استغلتها أجهزة المخابرات الفرنسية لتحرير خيوط المؤامرة، قائلا: «كل الروايات والمبررات التي صاغها قادة الولاية الثالثة والمؤرخون التي بسببها، تمّ تنفيذ العملية كلها كانت تصبّ في قالب واحد هو اتهام منطقة بني يلمان بالخيانة لكونهم موالين للحركة الوطنية الجزائرية ومصالي الحاج وكذا العمالة لصالح فرنسا».
وقال أيضا إن، هذه الروايات تبقى متضاربة ومحلّ جدل، كما أن منفذ قرار المجزرة يبقى مبهما، في ظلّ التصريحات المتناقضة لقادة الولاية الثالثة على رأسهم محمدي سعيد الذي مرة ينفي علاقته بالمجزرة ومرة أخرى، يذكر أنه أعطى القرار، لكنه في الحقيقة لا يعرف شيئا عن القضية حتى التسمية، ولا يفرق بين منطقتي بني يلمان وملوزة، وأيضا النقيب أعراب الذي يبقى الحلقة المحيرة في القضية. واتضح من خلال الكتابات أن العقيد عميروش كان بعيدا عن قضية المجزرة سواء في اتخاذ القرار أو تنفيذ العملية بحكم تواجده في تونس، كما قام بمعاقبة منفذي العملية وعزل النقيب أعراب.
بالمقابل، قال الأستاذ عبد الستار أن، موضوع مجزرة ملوزة يحتاج أن يوضع في سياقه العام، وهو جدير بالدراسة، موضحا أنه في الثورة الجزائرية مثل هذه القضايا تمثل الاستثناء وليس الأصل، لأنها ثورة رائدة والكثير من الكتابات الفرنسية قد تستغل هذه القضايا لتقزيم الثورة الجزائرية.
وأضاف أن أخطر ما قامت به فرنسا في الجزائر، هو العمل على تفريغ تاريخ الجزائر من محتوياته الايجابية ومازالوا إلى يومنا هذا يقومون بذلك، متأسفا أنه بعد 50 سنة مازلنا نركز في كتابة تاريخ الجزائر على علاقة المستعمر بالمستعمر، أما التاريخ الداخلي أي علاقة الجزائريين ببعضهم البعض سواء كانوا تنظيمات أو قيادات أو قواعد شعبية تبقى الدراسات فيها قليلة جدا، وما كتب فيها في إطار التاريخ الرسمي ولم نتحرّر منه بعد نصف قرن من الزمن.
واعتبر الأستاذ الجامعي المذكرة بالعمل المشجّع بالنسبة لطلبة الماستر، وعمل جاد لأن الطلبين اعتمدا على مجموعة من المراجع والشهادات والوثائق والكتب، كما أن بناء المذكرة جاء سلسا جيدا بنظام الفقرات متحكم فيه، والإيحالات طبعها بصمة الأستاذ المشرف، مشيرا إلى أنه منذ الاستقلال القيادة السياسية لم تكن لها الجرأة فيما يسمى بإقامة المصالحة التاريخية ـ وحسبه ـ فإنه لا يمكن أن نفتح مثل هاته الطابوهات، ولا يمكن أن نعطيها حقها في البناء التاريخي إلا بالمصالحة التاريخية.
وأضاف عبد الستار أن، منطقة بني يلمان تحتاج لإعادة الإعتبار بما في ذلك تاريخ الحركة الوطنية ومصالي الحاج وتصنيف الضحايا كشهداء، قائلا: «مصالي الحاج شخص له حسناته وسيئاته، قدم حياته من أجل النضال ولا يعقل أن يصنّف خائنا، التاريخ الذي كتب منذ 1962 هو تاريخ انتقائي ودائما المنتصر هو الذي يكتب التاريخ».
موجها نداء للمصالحة التاريخية، لكتابة التاريخ كما هو وإعطاء كل ذي حقّ حقّه، وهذا لا يتأتى إلا بتحرير التاريخ من ما يسمى بقضية التوظيف السياسي. أضاف يقول، مشيرا إلى أن الكثير من القضايا مجهولة تحتاج إلى كتابة.