تطرق كل من الأستاذ بورمضان عبد القادر والأستاذ الدكتور فركوس صالح، في مقالهما الصادر بمجلة المصادر المحكمة والصادرة عن المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، إلى التنظيم العسكري والسياسي للثورة التحريرية بولاية جيجل خلال الفترة 1954 / 1962، بحكم أن الحديث عن تاريخ المنطقة التي قدمت قوافل من الشهداء وبطولات مجاهدين أشاوس طيلة حرب التحرير الوطني بقيت دائما في الظل ومهمشة، ولهذا وجب إعطاءها حقها من الكتابات التاريخية.
في البداية تطرق الباحثان إلى التنظيمات العسكرية الأولى بالمنطقة قبل الصومام ما بين 1954 / 1956، بحيث أنه بعد عملية بولحمام ليلة الفاتح نوفمبر 1954 بسيدي معروف قرب الميلية عرفت الثورة فتورا وقطيعة بين المفجرين الأوائل للثورة وقائد الناحية لخضر بن طوبال، وهذه القطيعة دامت حتى نهاية ديسمبر 1954 ومطلع جانفي 1955، وبعد عودة بن مسعود بوعلي إلى عنابة برسالة من عمار بن عودة أصبح قائدا لمنطقة الميلية بموافقة لخضر بن طوبال برفقة المفجرين الأوائل للثورة أمثال أوصيف عيسى وسعد زعميش، عمار بلقعوير وزغدود علي، كما عاد المناضلان دخلي مختار وعبد الله بن الصم من عنابة إلى مسقط رأسيهما بناحية الطاهير نهاية ديسمبر 1954.
وأوضح الأستاذان أن لخضر بن طوبال هو من قام بتشكيل الفوج الأول، على مستوى الناحية الغربية للمنطقة الثانية جيجل وميلة والجزء الشمالي الشرقي من سطيف يضم 14 مجاهدا بقيادة العربي برجم توجهوا نحو ميلة لنشر الثورة لمدة سبعة شهور أقاموا خلالها خلايا بالمنطقة، وعادوا إلى الطاهير قبل هجمات 20 أوت 1955، مشيرين إلى أنه بفضل عملية الوعي والتنظيم والتفاهم بين سكان المنطقة والثورة استمرت عمليات التعبئة والتنظيم، وكانت لعملية 17 أكتوبر 1955 التي قام بها فوجان لجيش التحرير بقيادة دخلي مختار وعلاوة بوغزيرة الأثر الكبير في سكان المنطقة الذين يرون لأول مرة المجاهدين يواجهون العدو في ميدان المعركة ويلحقون به خسائر فادحة.
فازداد الملتحقون بالثورة وازدادت عمليات التنظيم وإنشاء الخلايا عبر مدن الساحل جيجل والطاهير، وفي إطار التحضير لهجمات 20 أوت 1955، عقدت قيادة الناحية الغربية بقيادة عبد الله بن طوبال اجتماعا بقرية «تيراو» بضواحي الميلية، وفيه تم هيكلة الناحية حيث أصبحت تتشكل من ثلاث نواحي، وبفضل العمليات الناجحة التي قام بها الثوار بأولاد عسكر جنوب شرق جيجل يوم 23 أوت 1955 وما غنموه من أسلحة وبنادق وغيرها تم تشكيل أول فرقة لجيش التحرير الوطني بالناحية الثالثة وبداية خريف 1955 هيكلت الناحية الثالثة (الطاهير) بقرار من قيادة الثورة على مستوى المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني)، وقسمت إلى ثلاثة أقسام.
وبداية من شهر أكتوبر 1955 قسمت الفرقة الأولى لجيش التحرير الوطني إلى خمسة أفواج لمد نشاط الثورة، وبازدياد الملتحقين بالثورة ازدادت الثورة إنتشارا وشرع المناضلون في إعداد المخابئ وجمع السلاح، ومنذ ربيع 1956 وبعد استشارة قائد المنطقة الثانية زيغود يوسف تم إعادة النظر في تنظيم جيش التحرير فرفع تعداد الفرقة إلى كتيبة، وصار لكل قسم كتيبة لجيش التحرير.
مرحلة 1956 - 1962 تميزت بقوة التنظيم العسكري والسياسي وانتشاره
وأضاف الأستاذان أن الفترة 1954 / 1962 تميزت بظهور تشكيلات مختلفة لجيش التحرير الوطني فظهر الفدائي والمسبل إلى جانب المجاهد، أما التنظيم العسكري بالمنطقة خلال الفترة 1956 / 1962 فقد حظيت جيجل والطاهير خصوصا باستضافة الوفد المتجه لمؤتمر الصومام عن المنطقة الثانية، والذي تشكل من الشهيد زيغود يوسف وعبد الله بن طوبال، بن عودة عمار، رويبح حسين ومزهودي إبراهيم، قال الباحثان، بحيث حدد المؤتمر حدود المناطق التي تحولت إلى ولايات.
وأضاف ذات المصدر، أن منطقة جيجل شهدت أحداثا سياسية عسكرية هامة تجاوزت حدود المنطقة وحتى الوطن، منها إجتماع قادة الولايات الذي دعي إليه العقيد عميروش بين 6 و12 ديسمبر 1958 بأولاد عسكر نواحي الميلية بجيجل وحضره العقيد سي بوقرة عن الولاية الرابعة والعقيد أحمد بن عبد الرزاق عن الولاية السادسة والرائد عبيدي الحاج لخضر عن الولاية الأولى بينما غاب علي كافي.
وخلص الباحثان في مقاليهما إلى أن الثورة التحريرية بمنطقة جيجل التابعة للشمال القسنطيني قبل مؤتمر الصومام والولاية الثانية بعده، قد تميزت من جانب التنظيم العسكري والسياسي بمرحلتين مختلفتين من حيث قوة التنظيم وهما مرحلة 1954 /1956 وفترة التنظيمات بسبب صعوبات مختلفة مثل قلة السلاح والتجنيد وقلة الإطارات، إضافة لحملات العدو ودعايته الإعلامية وسط الشعب، أما مرحلة 1956 - 1962 فتميزت بقوة التنظيم العسكري والسياسي وانتشاره ويعود الفضل لمجهودات الرعيل الأول من الثوار، وما خرج به مؤتمر الصومام التاريخي من قرارات هامة نظمت الثورة بمنطقة جيجل وغيرها، وكان لذلك أثر إيجابي على مسيرة الثورة بالمنطقة التي كانت أحد أقوى معاقل الثورة التحريرية.