الكثير منا يجهل نظام الزواج في الثورة، ويظن أن الثورة كانت جهادا فقط ولم يكن للمجاهدين حياة أخرى، وفي هذا الصدد تطرق المجاهد بوالطمين جودي الأخضر في كتابه “لمحات من ثورة الجزائر” الصادر سنة 1987، إلى هذا الموضوع، مقدما العوامل التي كانت تعيق زواج المجاهدين والمجاهدات بسبب ظروف الحرب، بحيث كان هدفهم الأسمى وأولوياتهم هو تحرير الوطن من الإحتلال.
يقول بوالطمين أن المجاهدين في السنوات الأولى للثورة لم يهتموا بهذا الجانب الإجتماعي الطبيعي، بل كان همهم الوحيد هو الجهاد وكأنهم لم يخلقوا إلا له وكأن الله جردهم من أية مسؤولية غير مسؤولية تحرير الوطن، وبالفعل كانوا كذلك فحياتهم كانت تتسم بنوع من الزهد والحياة الثورية التقشفية إذ لا يهمهم الحصول على أكل جيد بقدر ما يهمهم الحصول على كمية من البنادق، ولا يهمهم المظهر واللباس الحسن بقدر ما يهمهم الحصول على كمية من الخرطوش ولا يغريهم النظر إلى الجنس اللطيف، ولا يلذ لهم التباهي إلا بعدد الكمائن والإشتباكات والهجومات التي نظموها أو حضروها والغنائم التي حققوها.
وأضاف أنه علاوة على ذلك، كانت أوامر الثورة صارمة وقاسية فيما يتعلق بالأخلاق وليس أشد صرامة وقساوة من تنفيذ حكم الإعدام ذبحا أو رميا بالرصاص في كل زان أو زانية، مشيرا في هذا إلى أن المجاهدات كن أشد معارضة للزواج من المجاهدين والمدنيين، وكن يرددن بأنهن لن يتزوجن إلا بعد الإستقلال أو في الجنة وكثيرات لم يعشن، ولم يتمتعن بلذة الإنتصار ثم الزواج وكثيرون من المجاهدين لم يحققوا سنة الزواج.
في هذا السياق أوضح أن معظم هذه الوقائع كانت قد حدثت في السنوات الأولى للثورة، الممتدة من الفاتح نوفمبر 1954 إلى عام 1958 أما بعدها فإن وضع الثورة والثوار تبدل وحتى المفاهيم تغيرت، ويرجع ذلك لعدة عوامل وهي طول مدة حرب التحرير وكثرة العنصر النسائي من ممرضات ومرشدات إجتماعيات وعاملات في مراكز جيش التحرير الوطني ومناضلات في جبهة التحرير الوطني، وإهتمام القيادات بهذا الجانب الإجتماعي والإيحاء بالزواج وتسهيل تدابيره ثم كثرة الشباب العازب في الثورة وكثرة المناطق المحرمة، وكذا ما جد في صفوف العدو وفي مقدمتها مجئ الجنرال ديغول للحكم، وتصحيحه لمؤسسات الحكم في بلاده وإعادته لبناء جيشه، ومواصلته لحرب إبادة الثوار وإتباعه لسياسة الأرض المحروقة.
بالإضافة إلى إسناده القيادة العسكرية لأعتى القادة العسكريين، وفي مقدمتهم شال الذي إشتهر بعملياته العسكرية الإجرامية التي أطلق عليها العديد من الأسماء مثل عملية الأحجار الكريمة وعملية المنظار، ثم مواصلة سياسة عزل الداخل الجزائري عن نظامه الخارجي بواسطة إتمامه للخطوط السلكية المكهربة على طول الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية المغربية.
لكل هذه العوامل ثبت للثوار أن، الزواج لن يضر الثوار والثائرات ولن يعجل ولن يؤجل النصر على الأعداء وما هو إلا سنة طبيعية تريح الزوجين وتحافظ على النسل وتحفظ الشباب من الزلل الأخلاقي، وتزيد في الثورة البشرية خاصة وأن الثورة تفقد يوميا المئات من أبنائها.
وقال أيضا أنه بهذه الطريقة ، حلت العقدة وبدأت أخبار الزواج بين مجاهد ومجاهدة وبين مجاهد وشعبية تحتل هي الأخرى مكانها بين أخبار الكمائن والإشتباكات والهجومات وأعمال الفداء والغنائم والخسائر ، وبدأت بعدها براعم زيجات الثورة ترى النور فتباركها الطلقات النارية وتتلألأ أسماء سكينة ، ليلى، خالد، أسامة، عقبة، وطارق من جديد.
زواج المجاهدين والمجاهدات يخضع للتنظيم الثوري
في هذه النقطة تحدث المجاهد عن تدابير الزواج، ونظمه ومراسيمه وصداقه فكانت تتم كالتالي:
يتم الزواج بين مجاهد وشعبية عن طريق الإتصال بعائلة البنت ويحضر في ذلك رئيس لجنة العدالة أو أحد أعضائها لكتابة عقد الزواج، والحرص على رضا الزوجين ودفع الصداق الذي حدد بحدين أدنى وهو 50 دج أي 5000 فرنك في ذلك الوقت، وأقصى وهو 200 دج أي 20000 فرنك، أما الحفل فكان بسيطا جدا وكثيرا ما كان يصادف حدوث هجوم مباغت للعدو فيفترق الحفل وقد يستشهد أحد الزوجين في ذلك الهجوم المفاجئ .
ويتم الزواج بين نظامين مجاهد ومجاهدة بكيفية تخضع للتنظيم الثوري، وهو أنهما لابد أن يقدم كل منهما طلبا بالزواج للقيادة التي ينتمي كل منهما إليها حسب نموذج معهود، يقدم لكل منهما عند عزمهما على الزواج وبعد إفصاحهما على رغبتهما في ذلك النموذج، يهتم بتعريف كل منهما وبسيرة والديهما تجاه النظام الثوري، أما الصداق فكان موحدا مع الفئة السابقة كما أن المراسيم لن تكن تتعدى لقاء بعض المسؤولين وبعض رفاق كل من المجاهد والمجاهدة ، ويتم الزواج في دار أحد المواطنين أو في إحدى مراكز جيش التحرير الوطني، ولم تكد رخصة الزواج تتعدى الأسبوع ويعود بعد ذلك كل واحد إلى عمله الخاص به.
مشكل الولادة هو الذي حرم الكثير من المجاهدات من الزواج
بالمقابل أشار بوالطمين إلى ما اعتبره بالمشكل العويص، وهو مشكل الولادة وتربية الوليد بالنسبة للمجاهدين والمجاهدات، قائلا:» التفكير في هذا الشأن الثنائي هو الذي حرم الكثير والكثيرات من الزواج، طيلة سنوات الثورة خاصة وأن الزواج كان مشروطا بشرط أساسي هو القدرة عليه»، مضيفا أن الحل بالنسبة للزواج الذي يتم بين مجاهد ومجاهدة كان باللجوء إلى الولادة بمساعدة قابلات شعبيات وإدخال البعض منهن للمدن، تحت أسماء مستعارة عندما لا توجد القابلة الشعبية وإرسال الوليد لعائلة الزوجة أو الزوج بالمدينة أو لأية عائلة ترغب في التبني المؤقت، ومعظم نساء الجزائر كن على استعداد لأي عمل يأمر به النظام الثوري.
أما بالنسبة للمجاهد الذي تزوج مع شعبية أي المواطنة غير المهيكلة في النظام الثوري والساكنة في الريف أو المدينة، فإن المشكل أخف وطئا لأن الشعبية أقدر على العيش وأنشط في المناطق الريفية المحرمة منها وغير المحرمة أنها تتحمل مسؤولياتها بجدارة، مواطنة عاملة وطنية مخلصة وزوجة شريفة ومربية ظريفة وصامدة قنوعة، وإليها يعود الفضل الأكبر في إحتضان الثورة في ريفها من ساعة إنطلاقها إلى ساعة إنتصارها، أضاف يقول.
المؤلف في سطور:
من مواليد 1931 ببلدية ببرج الطهر ولاية جيجل، تعلم في مدرسة قرآنية بمشتى الطمامنة، في عام 1946 انتقل إلى قسنطينة مع أخيه وأدخله في مدرسة الجزائريين الحرة، في عام 1947 إنتقل إلى معهد عبد الحميد بن باديس ومكث به حتى تخرج منه عام 1951، في عام 1951-1952 سافر إلى جامع الزيتونة بتونس، حصل على عضوية أول بعثة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين للعراق، ودرس بدار المعلمين العالية خلال الفترة 1952-1956 تخرج بشهادة ليسانس في التاريخ والجغرافية.
في جوان 1956 إنتقل من العراق إلى القاهرة وهناك إلتحق بالثورة الجزائرية وتدرب في مصر، وسافر على رأس بعثة من الطلاب المجندين نحو طرابلس ومنها إلى تونس فالجزائر، في الجزائر عمل بصفوف جيش التحرير الوطني مجاهدا، وتسلم عدة مسؤوليات أخرها عضو المنطقة الخامسة بالولاية الثانية، فور الإستقلال اشتغل في مهنة التعليم، وتسلم فيها عدة مسؤوليات أخرها مدير ثانوية للتعليم العام.
أثناء مرحلة التعليم قام بكتابة مواضيع شتى في الصحافة والإذاعة الوطنية، عضو في المجلس الوطني لمنظمة المجاهدين 1969-1973، انتخب لفترتين في المجلس الشعبي البلدي لمدينة قسنطينة، ولفترة بالمجلس الشعبي الوطني خلال الفترة 1977-1982 .