أبرز الباحث في تاريخ المقاومة الجزائرية الأستاذ بلقاسم حجايل،السياسة الإستعمارية لفرنسا التي كانت لها أبعاد أخرى لم تقتصر فقط على سلب الأراضي والثروات الطبيعية للجزائر، بل خططت منذ البداية لإلحاقها كمقاطعة فرنسية رغم غياب أي قاسم مشترك بين البلدين.
في هذا الصدد، قال الأستاذ حجايل في مؤلف من جزءين حول جرائم فرنسا في الجزائر منذ 1830-1962 أن فرنسا الاستعمارية عملت على تطبيق مخططها، باستعمال أكثر الطرق وحشية لإبادة الشعب الجزائري و إخضاعه لسلطتها، مشيرا إلى القائمة الطويلة لكل الطرق الوحشية في التقتيل والتنكيل بالجزائريين الأبرياء العزل، حصرها في 62 مثالا و 24 فئة مدرجة وموزعة على 12 طريقة للإبادة الشنيعة، منها ما جاء في شهادات لفرنسيين أنفسهم عن كل جريمة اقترفت في سبيل سلب الأرض.
يسرد الكاتب في هذا الكتاب الحقائق التاريخية لحرب الإبادة الممنهجة ضد شعب أعزل، زادت شناعتها بعد اندلاع الثورة التحريرية، قائلا أنه بعد ثلاث سنوات من إحتلال فرنسا للجزائر عبر سيدي فرج كلفت لجنة مختصة لدراسة الوضع قصد تنفيذ مخطط الإبادة ، غير أن فرنسا الاستعمارية اعترفت باستحالة ذلك نظرا لمواجهة الشعب الجزائري لها بداية من المقاومات الشعبية المستميتة، أضاف.
في هذا الشأن أكد أنه، لا يمكن لأحد تحديد الرقم الدقيق لنتائج الجرائم الفرنسية في الجزائر خلال 13٢ سنة من الإستدمار، بشكل يورط فرنسا الاستعمارية و قادة حربها ضد الجزائر في جرائم ضد الإنسانية، فلت أغلبهم من العقاب ، لكنهم منّوا بفشل ذريع في تحويل الجزائر إلى مستعمرة فرنسية أو امتداد للأراضي الفرنسية ، هذا الفشل الذي قال عنه المؤرخ بلقاسم حجايل «بدأ عند الملك تشارلز العاشر ، راعي العدوان على الجزائر في عام 1830 ، و انتهى عند خليفته شارل ديغول الذي اعترف ضمنيا بفشل فرنسا الاستعمارية، في ترويض الشعب و إذلاله و إخضاعه لسلطتها رغم الجرائم التي ارتكبت ضده طيلة 13٢ سنة.
ذكر بلقاسم حجايل أنواع الجرائم المرتكبة ضد الشعب الجزائري الأعزل بطريقة باردة ومدروسة تتناسب مع غياب أي شعور بشري في مرتكبيها، و هي تتراوح بين أنواع الإعدام بإجراءات موجزة أو عن طريق التعذيب و التنكيل يهد لها ذاك العدد الهائل من السجون و مراكز التعذيب و المحتشدات التي ما تزال قائمة تروي قصصا و أحداثا ذكر التاريخ بعضها، وعلى سبيل رفع الحجاب عن الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي للجزائر من خلال جرائم الحرب التي استمرت حتى بعد قرار وقف إطلاق النار ، منها إعدام الأطفال بهدف القضاء على النسل الجزائري ، فالحرب الفرنسية ضد الشعب الجزائري لم تكن حربا بين جيشين بل كانت حرب إبادة بكل المقاييس بقسوة و بربرية، تراوحت أشكالها و أنواعها بين 10 طرق، أهمها الإبادة بالغارات المنفذة على القبائل و التجمعات السكنية ، القصف ، الحرق ، التعذيب و الإعدام بإجراءات موجزة كالشنق و المقصلة و الألغام المضادة للأفراد ، الاختطاف و التنكيل من طرف الميليشيات المدنية ، الإبادة الجماعية باستعمال الغاز و الدخان ، القذف جوا و القصف الجوي للجبال و كل مكان يشتبه في ان يرابط فيه السكان الموالين لجيش التحرير ، بالإضافة إلى الجبن و البربرية في تشريف المعمرين او العساكر الذين قاموا بأعمال إرهابية و إجرامية ضد العزل ، و لفت بلقاسم حجايل في حديث لـ»الشعب» عن مؤلفه الذي يختصر جزءا منه الأساليب الوحشية والقمعية في إبادة الجزائريين، أن العنف الذي مورس على الجزائريين وصمة عار لا تمحى من على جبين فرنسا الاستعمارية ، مازال الفرنسيون أنفسهم يشهدون له في كتاباتهم و مواثيقهم ، منها تلك التي أشارت إلى طريقة القتل « جمبري بيجار» نسبة لمخترعها العقيد الفرنسي Bigeard و كانت تقنية الأكثر إثارة والأكثر وحشية من عمليات الإعدام التي كانت تتم بعد استدعاء ضحاياها من المقاومين و تنصب أقدامهم في قوالب إسمنتية ، ثم تلقى جوا من الطائرة في البحر الأبيض المتوسط ، على أساس ذلك ، يقول بلقاسم حجايل أن الحرص على التذكير ببطولات المجاهدين و الشهداء و أمجاد الثورة المباركة لا يمكن بأي شكل أن ينسينا في جرائم فرنسا ضد الإنسانية ، مشيرا في حديثه أنه لا بد من التذكير بهذه الجرائم و التعريف بها دون إهمال لذكر نتائجها و أثارها أو تغاضي عن ما خلفته من معاناة بين الجزائريين داخل و خارج الوطن، مردفا أن رسالة نوفمبر الخالدة لا تتوقف عند نيل الاستقلال او مواصلة مسيرة البناء و التشييد الشاقة ، بل هي رسالة عميقة لا بد أن تستكمل بالحفاظ عليها و تحميل عبئها للأجيال القادمة .