أعد جــــيـشــــا مـــسـلــــحا وأكــثر تـــطورا في ظــرف قـــيـاســــي
يعد زيان عاشور من بين الأبطال الأوائل الذين وسعوا رقعة الثورة بالصحراء، من خلال دعوة الناس وجمع المال والسلاح وتجنيد الشباب، حتى تضاعف عدد المجاهدين الذين خاضوا أشرس المعارك وجعلوا من الصحراء ميدانا هاما للثورة.
ولد الشهيد بقرية لبيض بلدية أولاد حركات القريبة من أولاد جلال عام 1919، وقضى بها مرحلة طفولته متنقلا بين زوايا أولاد جلال من أجل حفظ القرآن الكريم وتعلم علوم اللغة العربية، انخرط في صفوف حزب الشعب الذي كان ملاذا لكثير من الشبان الجزائريين الحائرين مثله، لاسيما بعد مجازر الثامن ماي 1945.
ليمارس نضاله السياسي ضمن خلية من خلايا حزب الشعب بمسقط رأسه، ولما ظهرت حركة الانتصار للحريات الديمقراطية انضم مناضلو حزب الشعب إليها ومن بينهم عاشور زيان، الذي جعل من المقهى التي فتحها بأولاد جلال منتدى لأبناء الحركة الوطنية، الأمر الذي أزعج السلطات الفرنسية فظلت تراقبه على الدوام.
تعرض المقهى للغلق عدة مرات بتهمة أنه أصبح مركز الوطنيين الذين كانت تعتبرهم الإدارة الفرنسية متمردين عليها، استعملت معه في البداية أسلوب الترهيب من خلال إلقاء القبض عليه عدة مرات، كان أخرها بعد قيامه لحملة إنتخابية لفائدة مرشحي الحركة عام 1948، التي يناضل فيها.
عندما تبين أن هذا الأسلوب غير مجد معه انتقلت إلى أسلوب الترغيب فوعدته على لسان مسؤول فرنسي كبير، إن هو تخلى عن النشاطات غير الشرعية يعني الوطنية فإنه سيحصل على ما يريد من وظيفة في الإدارة الفرنسية، ولما رفض هذا العرض لجأت إلى الإنتقام منه فاتخذت قرارا جائرا يقضي بغلق المقهى نهائيا، ولم تتوقف عند هذا الحد فمنعته من فتح أي محل تجاري ٱخر مهما كانت طبيعة النشاط الذي يمارسه، لذلك وجد نفسه مضطرا لمغادرة الجزائر نحو فرنسا بعيدا عن أنظار السلطات الفرنسية في الجزائر، التي ظلت تراقبه.
سافر الشهيد إلى فرنسا عام 1948 دون أن يتخلى عن النضال السياسي في صفوف الحركة الوطنية وسط المهاجرين، و تولى هناك عدة مسؤوليات، وفي عام 1952 اعتقل نتيجة لنشاطه السياسي وبعد قضاء مدة السجن رجع إلى مسقط رأسه، فتعرض من جديد لمضايقات البوليس واعتقل مرة أخرى. ومع إنطلاق ثورة الفاتح نوفمبر سارعت السلطات الفرنسية إلى إلقاء القبض عليه وعلى عدد من السياسيين والزج بهم في سجن قسنطينة.
وعندما أطلق سراحه عام 1955 مر أثناء عودته إلى مسقط رأسه بعدة جهات، إلتقى خلالها ببعض المناضلين الذين أطلعوه على التطورات التي حدثت أثناء قضائه مدة السجن بقسنطينة، وعندما قرر الإلتحاق بالثورة نفذ خطة ذكية ليبعد عنه الشكوك، فتظاهر بأنه يرغب في السفر إلى فرنسا، وفي الوقت نفسه اتصل بأحد المهاجرين الجزائريين العائدين إلى فرنسا، بعد قضائه العطلة السنوية بين أهله وسلمه رسالة موجهة لأهله كتظليل للإدارة الاستعمارية وتتأكد أنه غادر التراب الوطني ويهدأ البحث عنه.
قبل الإلتحاق بالثورة تنقل في ديسمبر 1955 عبر عدة نواح للتعبئة وجمع المال والسلاح وتنظيم الشباب، ونظرا لسمعته الطيبة بين سكان الناحية استطاع إعداد الطلائع الأولى من المجاهدين بالصحراء، وبذلك أصبح محل تقدير كبير من قبل مصطفى بن بولعيد الذي بعث له رسالة في شهر فبراير 1956 يدعوه فيها لحضور الإجتماع الذي تقرر انعقاده في شهر مارس من نفس السنة بالجبل الأزرق بالأوراس فاجتمع زيان عاشور بمساعديه وأطلعهم على فحوى رسالة بن بولعيد، هذا الأخير استدعاه للحضور لمقر قيادته في الأوراس، فتوجه مباشرة رغم الأخطار المحفوفة في الطريق.
استغل أعداء الشهيد غيابه عن الناحية فخططوا لإعتقاله بعد عودته، وعينوا شخصا آخر مكانه ولما علم المجاهدون بالمؤامرة عقدوا اجتماعا آخر للتشاور حول العمل الذي يردون به على أعدائه، عاد عاشور إلى الصحراء بعد حضور الإجتماع بالأوراس ليواصل نشاطه النضالي من أجل توسيع مجال الثورة، فاستطاع في ظرف قصير إعداد جيش مسلح تسليحا أكثر تطورا، خاض به معارك طاحنة ضد العدو بجبال بوكحيل، وقعيقع وسيدي عامر وعين الملح، وغيرها من نواحي الصحراء الشاسعة إلى غاية استشهاده في معركة وادي خلفون في 7 نوفمبر 1956 بعد مرور عامين على إندلاع الثورة التحريرية المجيدة.