أبرز الدكتور بنادي محمد الطاهر من قسم العلوم الإنسانية كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة بسكرة، دور الدبلوماسية الجزائرية في حل النزاعات الإفريقية، خاصة المساعي الجزائرية في فض النزاع الأثيوبي - الإريتري بين سنوات 1998 إلى 2000، متطرقا الى جذور الصراع بين الدولتين الذي كانت له أبعادا تاريخية وسياسية، مذكرا بأن قبائل البلدين متشابكة ومتداخلة مع بعضها البعض حتى أن الشعبين يشكلان ما يسمى بالشعب الأبيسي.
في هذا الصدد، أوضح بنادي في حديث لـ «الشعب»، أن إريتريا جزء من إفريقيا التاريخية وهي جزء من مملكة أكسوم بالحبشة التي سقطت في القرن 10 الميلادي، كما أن إثيوبيا كانت دائما تريد المحافظة على هذا الإقليم وهو دولة اريتريا بحكم أن هذه الأخيرة دولة مغلقة حبيسة، وبالتالي تريد أن يكون لها منفذا إلى البحر.
وظل التوتر قائما بين البلدين الى درجة دخولهما في حرب مفتوحة، ما جعل الدبلوماسية الجزائرية تتدخل لفض النزاع، وتهدئة المنطقة الساخنة أكثر من اللزوم.
في هذا الإطار، أوضح الدكتور بنادي أن الصراع تطور في ماي 1992 لما احتل الإريتريون بعض المناطق الحدودية، وهنا ظهر دور الجزائر جليا من خلال القمة العادية الـ 35 لمنظمة الوحدة الإفريقية التي جاءت في وقتها، بحيث استضافتها الجزائر فيما بين 10 إلى 12 جويلية 1999، وكانت فرصة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بأن يظهر صورة الجزائر من جديد ويعمل على انبعاثها من جديد دبلوماسيا وعلى الساحة الإفريقية، بحيث كلّلت القمة بإتفاق إطار الذي يقضي بضرورة العودة إلى حدود ما قبل 8 ماي 1998، أي الحفاظ على الوضع القائم، قائلا: «الجزائر قامت بحوالي سبع جولات كلف من خلالها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وزير العدل آنذاك أحمد أويحيى ممثلا له»، مضيفا أنه بعد جولات ماراطونية بين الطرفين استطاعت الجزائر أن تفتك ما يسمى بوقف إطلاق النار في 18 جوان 2000، كان بحضور الرئيس بوتفليقة وفيما بعد تم وضع حد للصراع فيما يسمى بإتفاق السلام الشامل في ديسمبر 2000.
وقال أيضا أن الجزائر بخبرة دبلوماسيتها ومساعيها السابقة، استطاعت أن تسترجع هيبتها الضائعة بسبب الأزمة الأمنية خاصة في التسعينيات، خاصة وأن مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية كانت تنبني على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، محاولة فض النزاعات بالطرق السلمية والدبلوماسية، بحيث أن الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر تركت فراغا كبيرا جدا، لكن بعد مجيء الرئيس بوتفليقة استطاعت أن تستميل إلى صفها الدول الإفريقية، أضاف الأستاذ الجامعي.
وبحسبه فإن القمة الـ 35 لمنظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر، فرصة لها من أجل العودة إلى الساحة الإفريقية من بوابة الوساطة في النزاع الإريتري - الإثيوبي، وأن تعود كذلك ممارسة دورها الريادي في ربوع القارة ، كما أن اتفاق السلام الشامل كان بمثابة قيمة إضافية للدبلوماسية الجزائرية، لأنها التزمت مبدأ الحياد في تسوية النزاعات وتطبيقها لمبدأ الحل السلمي، والدعوة دائما إلى الحوار ضمن الإطار الإفريقي وكل هذا كان يتم تحت رعاية إفريقية ودولية، خاصة وأن شخصية الرئيس بوتفليقة تحظى بالإحترام لدى الدول الإفريقية على أساس رصيده التاريخي في سبعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن مبادرة الجزائر كانت أحادية، وهذا سهّل لها تقريب وجهة النظر بين الطرفين المتخاصمين، وفعلا استطاع شعبهما العيش في ظل تعاون واحترام فرضتهم عليهما الظروف، فإيرتريا وإثيوبيا لا مناص لهما من التعايش في حدود جوار محترمة لأن ظروف الجغرافيا والاقتصاد تستدعي ذلك.
في هذا السياق، أكد الدكتور بنادي أن الجزائر عززت مكانتها باعتبارها رقما صعبا في المعادلة الإفريقية وحتى الدولية، وهذا كان ثمرة نضالاتها بعد استقلالها وقد سخّرت في ذلك كل ما تملك لمساعدة القضايا الإفريقية على إرساء سياسة الأمن والسلم في القارة، مشيرا إلى أن مبادرة الجزائر لم تكن فقط في فض النزاع الإريتري - الإثيوبي بل كانت لها وساطة في حل النزاع الإيراني- العراقي، ووساطة في أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، وقضية اختطاف طائرة الجابرية الكويتية في مطار هواري بومدين، فالجزائر كان لها دور ريادي ولمعت صورتها.