قد تكون لكل دين شعائر خاصة به، تعتبر سمات مميزة له...ولاشك أن في الإسلام طاعات معينة، ألزم بها أتباعه. وتعتبر فيما بينهم أمورا مقررة، لا صلة لغيرهم بها.
غير أنّ التعاليم الخلقية ليست من هذا القبيل، فالمسلم مكلّف ان يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة، فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره. والسماحة والوفاء والمروءة والتعاون والكرم...إلخ.
وقد أمر القرآن الكريم ألا نتورط مع اليهود أو النصارى في مجادلات تهيج الخصومات ولا تجدي الأديان شيئا. قال اللّه تعالى: ﴾ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم. وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴿ (العنكبوت الآية ٤٦).
واستغرب من أتباع موسى وعيسى أن يشتبكوا مع المسلمين في منازعات من هذا النوع الحاد، قل: أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم. ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون﴿ (البقرة الآية ١٣٩)
وحدث أن يهوديا كان له دين على النبي. فجاء يتقاضاه قائلا: إنكم يا بني عبدالمطلب قوم مطل!! فرأى عمربن الخطاب أن يؤدب هذا المتطاول على مقام الرسول. وهمَّ بسيفه. يبغي قتله، لكن الرسول ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ أسكت عمر قائلا: ''أنا وهو أولى منك بغير هذا: تأمره بحسن التقاضي، وتأمرني بحسن الأداء''.
وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع فاجر أو كافر.
قال عليه الصلاة والسلام: ''دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه''، وقال: ''دعوة المظلوم ــ وإن كان كافراً ــ ليس دونها حجاب، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك''.
وبهذه النصوص منع الإسلام أبناءه أن يقترفوا أية إساءة نحو مخالفيهم في الدين.
ومن آيات حسن الخلق مع أهل الأديان الأخرى ما ورد عن ابن عمر: أنه ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول اللّه ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ يقول: ''مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه''.
وكذلك أمر الإسلام أن يصل الإنسان رحمه، ولو كفروا بدينه الذي اعتنقه فإن التزامه للحق لا يعني المجافاة للأهل ﴾وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون﴿ (لقمان الآية ١٥).
ذلك من الناحية الشخصية، أما من الناحية العامة فقد قرر الإسلام أن بقاء الأمم وازدهار حضارتها واستدامة منعتها إنما يكفل لها إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها فإذا سقط الخلق سقطت الدولة معه.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت....فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويؤكد هذه الحقيقة حديث الرسول ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ لقومه وعشيرته، فقد رشحتهم مكانتهم في جزيرة العرب لسيادتها وتولي مقاليد الحكم بها.
ولكن النبي ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ أفهمهم ألا دوام لملكهم إلا بالخلق وحده.
فعن أنس بن مالك قال: كنا في بيت فيه نفر من المهاجرين والأنصار، فأقبل علينا رسول اللّه ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ فجعل كل رجل يوسع رجاء أن يجلس إلى جنبه، ثم قام إلى الباب فأخذ بعضادتيه فقال: ''الأئمة من قريش ولي عليكم حق عظيم ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثا، إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفّوا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين''.
هذا الحديث حاسم في أنه لا مكانة لأمة ولا لدولة ولا لأسرة إلا بمقدار ما تمثل في العالم من صفات عالية، وما تحقق من أهداف كريمة.
فلو أن حكما حمل طابع الإسلام والقرآن، ثم نظر الناس إليه فوجدوه لا يعدل في قضية، ولا يرحم في حاجة ولا يوفي في معاهدة، فهو باسم الإسلام والقرآن قد انسلخ عن مقوماته الفاضلة، وأصبح أهلا لأن يلعن في فجاج الأرض وآفاق السماء.
وروي الحسن قال: قال رسول اللّه ــ صلى اللّه عليه وسلم ــ ڤإذا أراد اللّه بقوم خيرا ولى أمرهم الحكماء وجعل المال عند السمحاء، وإذا أراد اللّه بقوم شرا ولى أمرهم السفهاء. وجعل المال عند البخلاء''.
إن الخلق في منابع الإسلام الأولى ــ من كتاب وسنة ــ هو الدين كله وهو الدنيا كلها، فإن نقصت أمة حظا من رفعة في صلتها باللّه، أو في مكانتها بين الناس فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها.
الأخلاق مصدر التشريع الأول في الإسلام
شوهد:1437 مرة