من حين لآخر أحب أن أترك منبري، متجولا بين المساجد والزوايا، ومستمعًا إلى مختلف المنابر، محاولا الاطلاع على الواقع الدعوي المنطلق عبر خطب الجمعة. وقد لاحظت خلال هذه الجولات أمورًا تستحق ــ في نظري ــ الانتباه إليها ودراستها، حيث إنّها تتعلّق بوسيلة أصيلة من أبرز وأهم الوسائل الدعوية، ألا وهي الخطبة.
لقد شعرت من هذه الجولات ومن الحوارات مع بعض مرتادي المساجد أنّ كثيرًا من المصلّين يعتبر صلاة الجمعة مجرّد واجب إلزامي، يقبل عليه متثاقلاً ويقوم به على مضض، كتلميذ مجبر على الذهاب لمدرسته التي يسوقه أبواه إليها سوقًا! وعادة ما نجد الناس توجّه اللوم لهذا التلميذ وتتهمه بالكسل وبرغبته في اللهو وكراهيته للعلم، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء النظر إلى حال هذه المدرسة التي يساق إليها هذا التلميذ، وحال معلميها، وحال مناهجها وحال مرافقها.
وهكذا يوجّه الأئمة اللّوم للناس على هجرهم للمساجد وتأخرهم في الحضور للجمعة، ونومهم أثناء الخطبة أو الشرود أثناءها، وانصرافهم السريع بمجرد التسليم وكأنّهم حُرِّروا من عقال أو أُخرِجوا من سجن! ونادرًا ما يتساءل الأئمة عن الأسباب التي تدفع الناس لهذا، ولو تساءلوا فإنّهم غالبًا ما يرجعون الأسباب إلى تراجع إيمانيات الناس وركونهم إلى الدنيا، دون توجيه النظر إلى خطابهم.
إنّ من المستقر في الموروث الثقافي والشعبي عند كثير من عوام المصلين أنّ صلاة الجمعة لها مكانة خاصة حتى عند من لا يصلُّون غيرها من الفرائض، حيث يحرص هؤلاء على حضورها، ويتمسكون بالقيام ببعض الطقوس الخاصة التي ارتبطت عندهم بهذا اليوم.
وفي الحقيقة ــ على قصور هذا الاعتقاد وهذا العمل ــ فإنّه يمكن النظر إليه من وجهة إيجابية، بالاستفادة منه في إسماع هؤلاء الناس في هذه الدقائق التي تستغرقها الخطبة ما لا يسمعونه، وتعريفهم ما لا يعرفونه، واضعين في الاعتبار التوجه إليهم بالخطاب الذي يناسبهم، مستثمرين قدومهم الأسبوعي للمسجد في توطيد صلتهم به وتوسيع هامش الرغبة في نفوسهم لزيارته والأنس برحابه في كل الأوقات.
نادرًا ما يتساءل الأئمة عن الأسباب التي تدفع الناس للهروب من المساجد
الجمعة ليست طابورًا مدرسيًّا ويجب استثمارها
شوهد:1653 مرة