أنجبت أرض ولاية بومرداس شخصيات علمية عديدة، وأبطالا حفظ التاريخ أسماءهم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، العلامة عبد الرحمان الثعالبي والعارفين بالله، سيدي عمر شريف، سيدي سالم، سيدي أحمد الحرفي، وسيدي أحمد أبي العباس وسيدي المجني وسيدي امحند سعدي وسيدي نعمان وسيدي داود وآخرين، ونكتفي في هذه العجالة بتقديم نبذة مقتضبة عن العالم الجليل ذي النسب الشريف سيدي علي بن أحمد بن محمد البومرداسي، الذي أسّس زاوية للتربية والتعليم بموقع «أمرايل» ببلدية تيجلابين، كانت بمثابة منارة يستضيء بها أهل المنطقة وتمتد إشعاعتها النورانية إلى ضواحي الوطن.
يتصل نسب سيدي بومرداس بالدوحة النبوية الشريفة عن طريق سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه، وإلى مولاتنا ياقوتة الأنام سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات؛ وكان من ذريتهم شاب يشبه الياقوت الأحمر وهو سيدنا إدريس الأكبر بن عبد الله بن محمد بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. فذهب إلى المغرب الأقصى فارا من بطش بعض العباسيين، أين تزوج بمولاتنا كنزة الأمازيغية بنت الملك أَورَبة الذي ملكه وزوجه إياها محبة منه للشرفاء وجدهم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتولى الخلافة، فلما أتاه أجله المحتوم مسموما ترك في بطن حرمه مولاتنا كنزة إبنه الوحيد سيدنا إدريس الأزهر المعروف بإدريس الأصغر فنصره الأمازيغ وغيرهم، فلما بلغ مبلغ الرجال تزوج وجلس مجلس أبيه وولاه الخلافة ثم أمر ببناء مدينة فاس، فأعانه الله على ذلك وأقام فيها مدة طويلة إلى أن توفي وترك إثني عشرة ولدا رضي الله عنهم أجمعين هم: محمد، وأحمد، وعبد الله، وعمران وعيسى وداوود ويحي وإبراهيم وحمزة وعمر وعلي وكثير، فتولى الخلافة ابنه الأكبر سيدنا محمد وقسم إخواته على البلدان وأحوازها تفاديا لأي شقاق بينهم على الملك، فمنح كل واحد منهم إمارة بلد، أما سيدنا يحـيى فولاه مراكش حيث أضرحة سادتنا السبعة رجال رضي الله عن الجميع، أين أقام فيها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى جلا في علاه وترك ابنه سيدنا محمد ثم توفي محمد وترك ابنه أبو القاسم ثم توفي أبوالقاسم عن ابنه عبد الكريم ثم توفي عبد الكريم عن ابنه علي ثم توفي علي عن ابنه عبد العزيز ثم توفي عبد العزيز عن ولدين الحسن وعبد الكريم، أما عبد الكريم، فقد انتقل إلى وزان وأقام فيها إلى أن توفي وترك ولدين الطيب وزيان، وانتقل زيان إلى ناحية الشرق ونزل بموضع يقال له مرداس، فأقام هناك إلى أن توفـي وترك ابنه يحيى ثم توفـي يحيى وترك ابنه محمد ثم توفي محمد وترك أحمد ثم توفي أحمد وترك ولدين عبد الله وعلي، أما عبد الله فقد أقام هناك، بينما انتقل سيدنا علي إلى سواحل البحر ونزل بموقع يقال له الجبيل بأعلى الجزيرة الخضراء (الكرمة حاليا) مقابلا للجزائر العاصمة حاليا عندما نزل سيدي علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنهم أجمعين بمنطقة الجبيل،
واستقر بها واجتمع عليه أعيان الوطن، وتبادلوا أطراف الحديث حيث سألوه عن اسمه ونسبه، ومن أي البلاد التي أتـى منها، فأجابهم أن اسمه علي بن أحمد بن محمد، وأما نسبه فهو شريف حسني من ذرية الحسنين، وأما البلاد التي أتى منها فيقال لها مرداس وهو موضع بالغرب نزل فيه جده الثالث سيدي زيان رضي الله عنه، ولذلك سمي علي بن أحمد البومرداسي وحاليا تشرفت الولاية بالانتساب إليه وسميت بولاية بومرداس. وأقام فيها وظهرت له أسرار وكرامات وبركات. فقصده الناس من كل حدب وصوب لما رأوا فيه من علمي الظاهر والباطن. ورزقه الله ولدا فسماه على اسمه علي بن علي بن أحمد البومرداسي، تولى تعليمه القرآن والعلوم الوجدانية والفقهية وحاز من الأسرار الربانية ما حاز أجداده.
ولما بلغ مبلغ الرجال زوجه بنتا شريفة النسب ورزق منها خمسة أولادهم: زيان ومحمد ويحيى وعبد الكريم ومحمد الصغير، فلما رآه والده لا يحتاج لغيره، أمره بالانتقال إلى الجبل الفوقاني، فاختار مكان أعجبه هناك، فبنا فيه بناءًا على أحسن ما يكون، ثم ارتحل بأولاده الأربعة محمد ويحيى وعبد الكريم ومحمد الصغير، أما زيان أكبر أولاده، فقد تركه عند جده محافظا على أرزاقه، وسمي المكان الذي أقام فيه زاويته الفوقانية (جبل تيجلابين حاليا)، وبعد مدة من انتقال سيدي علي بن علي بن أحمد البومرداسي إلى مكان إقامته، توفي والده سيدي علي بن أحمد رحمة الله على السلف والخلف ودفن بزاويته السفلانية ومقامه مشهور يزار ليومنا هذا.
استعنا في بحثنا هذا بأحد أحفاده وهو الحاج علي مرداس -أطال الله في عمره-وإن انتقل إلى رحمة الله فرحمه الله، الذي زوّدنا ببعض الوثائق والمخطوطات، وذكر لنا أن زاويتهم العامرة كانت مقصد لكثير من الطلبة، وكان لها الشرف أن زارها الصوفي العظيم والقائد المغوار، الشاعر، الأمير الحاج عبد القادر بن الشيخ محيي الدين الحسني مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وقد أدت الزاوية، دورا كبيرا في ثورتنا النوفمبرية المجيدة وكانت عامرة بالناس الذين جاؤوا من مشارب مختلفة وكانت الخيرات عميمة والعلوم مزدهرة، وإبان الاحتلال سعت فرنسا إلى تفريغ الزاوية، وفرضت قيودا على المدرسين والطلبة ومنعتهم من تفسير القرآن والاقتصار على الحفظ دون غيره وتعليم اللغة الفرنسية.
وممن زوال مهنة التربية والتعليم فيها الشيوخ الأجلاء، الشيخ المحفوظ اوكيل من تاليلات (قرب بومرداس) لمدة طويلة، ثم تلاه الحاج زروق أحمد الزلماني من بني سليمان (المدية)، وقد توفي رحمه الله ودفن في سوريا، ثم الشيخ محمد السعيد من أربعاء نايثإيراثن (تيزي وزو) المشهورة بأوليائها الصالحين أمثال سيدي أحند أونو وسيدي عطية بن أعراب وسادتنا السكلاويين والسحنونين وغيرهم. وتخّرج منها عدة أئمة يدرّسون ويعلمون القرآن حاليا في عدة مساجد بالولاية.
وقد أكرمنا المولى سبحانه وتعالى بتنظيم يوم دراسي بهذه الولاية المباركة احتفاء بالذكرى الـ 18 لوفاة العلامة، نجم التسبيح العالم النحرير شيخنا وسيدنا سيدي عمر أبو حفص الزموري أفاض الله عليه من كرمه وجوده ما يرضيه وفوق الرضى، فلله الحمد والشكر.