إن الدين هو قوام الأمم و به فلاحها، فهو يجري منا مجرى الدم في العروق كمنهج إلهي للحياة البشرية يمكن من خلاله أن يتعامل به الإنسان مع واقعه، فالإسلام عقيدة تخاطب العقل وعبادة تزكي النفس، وأخلاق تلاؤم الفطرة، وأحكام تحقق التوازن والعدل.ونحن اليوم في أمس الاحتياج إلي الإسلام، إذ تعد العقيدة الحافز والمنظم النفسي للفرد والجماعة، وتهدف إلى استقامة الإنسان في سلوكه وتفكيره، وفي علاقته بالآخرين، وتعتمد على مرجعية واضحة المعالم نابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
فالدين حسن الخلق، ومن هنا ربط الإسلام بين العقيدة والشريعة برباط أخلاقي يحدّد أنماط سلوك الإنسان في الحياة، فالتربية تأخذ من الدين ما تربي به الأفراد، وتوجههم إلى طريق الصواب، وبقدر ما تبذل التربية من جهد في غرس مبادئي الدين في نفوس أفرادها بقدر ما يكون عطاء هؤلاء الأفراد في تحقيق مبدأ استخلافهم في الأرض وتعميرهم لها، وتحقيقهم لمباديء دينهم لإيجاد الإنسان الصالح في نفسه المصلح لغيره في إطار توافر مناخ إيجابي يسهم في بناء المنهج التربوي اللازم لقيام الحضارة.
وتتلاقى أهداف التربية الإسلامية مع أهداف وسائل الإعلام في السعي لتحقيق التحلي بالأخلاق الكريمة لأفراد المجتمع، وإثراء خبراتهم، وتيسير سبل التعلم لهم، وتوجيههم اجتماعا لعمارة الأرض. وتضطلع إذاعة القرآن الكريم بخطابها الإسلامي بمهمة تربوية لها خصوصيتها في تنشئة وإعداد الشخصية المسلمة بجميع أبعادها، ومن هنا جاء الاهتمام بدارسة بحث (المضمون التربوي في بعض برامج هذه الإذاعة الإسلامية المتخصصة) في إطار ميداني تحليلي للوقوف علي الاحتياجات التربوية لمستمعي إذاعة القرآن الكريم، ومدي تحقق هذه الاحتياجات في برامجها.
وقد تقدمت بالدراسة الباحثة هالة العسيلي للحصول علي دكتوراة الفلسفة في التربية وتناولت هذه القضية في سبعة فصول، قدم الفصل الأول منها الإطار العام للدراسة من خلال مقدمة لها وشرح لأهميتها وحدودها، وتساؤلاتها ومصطلحات الدراسة، ومنهج الدراسة وأدواته ثم خطة الدراسة.
أما الفصل الثاني فقد تناول دور العقيدة في التكوين التربوي للشخصية المسلمة من خلال التأكيد على ضرورة الدين للحياة البشرية، وكيف أن الإسلام منهج كامل يستهدي به الإنسان، إذ تعد الأخلاق هي قلب العقيدة وجوهرها، ومن ثم كانت للتربية الأخلاقية أهميتها في البناء الروحي، وضرورة التربية للدين في تحقيق التربية الإسلامية المنشودة التي تسعى إلي بلوغ مرضاة الله تعالى، ورفع المستوى الخلقي في المجتمع، وتكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة الأبعاد من خلال اتباع عدد من الأساليب التربوية بآدئة بالعبادات والقدوة الحسنة والتربية السلوكية بالموعظة الحسنة ومرورا بالترغيب والترهيب والتربية بالأحداث وبالقصة وضرب الأمثال، وصولا للتربية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتربية من خلال التفكير وإعمال العقل.
ولقد قدم الفصل لأهم التحديات (لعقائدية والثقافية والسلوكية) التي تواجه بناء الشخصية المسلمة وسبل مواجهتها.
وعرضت الباحثة د.هالة العسيلي في خاتمته للدراسات السابقة المرتبطة ببناء الشخصية المسلمة.
وتناول الفصل الثالث تجديد الخطاب الديني التربوي من خلال طرح مفهومه ومرتكزاته وأنواعه وخصائصه بالتأكيد على وسطية الخطاب الإسلامي ومراعاته للمشترك الحضاري الإنساني، وإن يوازن الخطاب بين العالمية والمحلية، ويراعي الثوابت متمثلة في (العقيدة والعبادات والقيم الأخلاقية العليا والأحكام القطعية) والمتغيرات متمثلة في (العقلية العملية والتجديد). بينما طرح الفصل الثالث في نهايته مشكلات الخطاب الديني بعلاج موقفنا من الدين، أي بعلاج مساوئنا نحن، لا المساوئ المزعومة في الدين، فالتشخيص السليم للمشكلة بطرح رؤية واضحة للمعالجة، من خلال المواجهة مع النفس قبل الآخر لمصالحتها، وتعميق معرفتنا بالذات الحضارية ومن بعد بالآخر الحضاري، مسترشدين بخطاب الهدايات الأربع والذي يضم: الوجدان والتجربة والعقل والنقل. فيما طرح الفصل الثالث في خاتمته الدراسات السابقة المرتبطة بالخطاب الديني.
وتناول الفصل الرابع الإعلام الإسلامي ودوره في تكوين الفرد المسلم، فالعلاقة متبادلة بين التربية والإعلام فكلاهما يسعى إلى التغيير في سلوك الأفراد، ومساعدتهم على النمو بصورة تمكنهم من العضوية النافعة لأنفسهم وللجماعة، ويتحقق ذلك من خلال قيام وسائل الإعلام بوظائفها العامة والتربوية، وعلى رأسها نشر الثقافة الإسلامية السليمة والمستديمة والتي تعد عملية متواصلة وشاملة تعم جميع نواحي الحياة ولقد طرحت الدراسة لمفهوم الإعلام الإسلامي وأهدافه وسماته ووظائفه وتطور وسائله، وتأتي إذاعة القرآن الكريم على رأس وسائل الإعلام الإسلامي للقيام بهذه المهمة التربوية كإذاعة إسلامية متخصصة، إلا أن هناك من المشكلات والعقبات التي تعتري مجال الإعلام الإسلامي داخليا وخارجيا، فتطرحها الدراسة للمناقشة وآليات التغلب عليها.
ويعد القائم بالاتصال عصب العملية الإعلامية التربوية، ولذا أفردت له الدراسة مساحة تتوافق مع دوره وقدره، مقدمة لسماته وإعداده الفكري والمهني وآليات تطوير أدائه.
واختتمت الدراسة برصد أهم النتائج الميدانية والتحليلية ونقاط الاتفاق والاختلاف بينهما، للوقوف على أهم الاحتياجات التربوية التي حققتها برامج إذاعة القرآن الكريم بدرجة عالية، والاحتياجات التربوية التي تحققت بدرجة منخفضة وفي حاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام للتقريب بين الأداء المستهدف والأداء الفعلي.
وتنبع أهمية الدراسة كما تقول الباحثة من أنها تأتي في ظلّ محنة التربية في العالم الإسلامي سواء في الأخلاق الربانية أو الأخلاق الانسانية بتفعيل دور الدين في حياتنا، فإسلامنا يكفينا إذا نحن عشنا به حياة المسلمين، ومن ثم وجب النظر في عوامل الخلل لنفهم الإسلام على حقيقته كمنهج حياة يحقق حاجات الإنسان الحقيقة المهيمنة علي أوجه النشاط الإنساني, ورأب الصدع الحادث في منظومة القيم بمراعاة تطوير استطاعات الناس بوضع البرامج والخطط الملائمة لكل مرحلة من أجل الترقي واختيار ما يناسبها من الوسائل حتى نصل للنتائج المرجوه بإصلاح الشخصية المسلمة لاستخراج أفضل ما وهبها الله من منح ومزايا.