الحاج دموش كما يناديه جميع سكان فرندة هو أحد المجاهدين الذي ارتقى من مجاهد بسيط إلى قائد، ورغم تقدمه في السن وقلة سمعه إلا أنه تجاوب معنا عندما أخبرناه بأننا على أبواب غرة نوفمبر، حيث أبكاه الخبر قائلا «إنهم نسوه» يقصد من يحيطون به غير أننا طمأناه بأن الجزائر لم ولن تنساه، مما أرجع ثقته بوطن قال عنه إن من خانه لن يرى نور الجنة وهي اعتقاد يؤمن به حتى النخاع. كل التفاصيل في هذا الحوار مع «الشعب».
«الشعب»: كيف سمعت بخبر الثورة ومتى التحقت بها؟
المجاهد محمد دموش: الثورة كانت في قلوب جميع الجزائريين ولا سيما بعد الصحو الذي أصاب الشعب برمته، وأنا كنت رفقة الشبان الذين جندوا عنوة إبان الحرب الصينية وعندما علمت فرنسا بأننا نتداول حديث الثورة، تم ترحلينا الى المغرب بعد نفي محمد الخامس بالمغرب، وكانت الشرارة قد بدأت عندما طلبنا إجازة لزيارة الجزائر، فتم رفض طلبنا وعندها قررنا الفرار بأسلحتنا.
ولكن المشكل بقي في كيفية الاتصال بقادة الثورة، وكان لنا ذلك عن طريق بعض ممن تم نفيهم إلى المغرب، ودخلنا بأسلحتنا والتحقنا بالجبال وكان آنذاك لم تقر المناطق والنواحي بل كانت القطاعات، وكانت أول منطقة التحقت بها هي قرية تاندرارة بولاية تلمسان ثم تم نقلنا الى منطقة افلو بولاية الأغواط بالقعدة، حيث بقينا نكافح الاستعمار الغاشم لمدة سبعة أشهر، ليتم تحويلنا إلى تيارت لكوننا من المنطقة ومنها تم تقريبنا من ذوينا مما زادنا إصرارا على مكافحة الفرنسيين، وقبلها كانت أشهر معركة شاركت فيها هي معركة القعدة التي كبدنا فيها الاستعمار خسائر جسيمة ازدادت فيها شراسته، مما أدى به إلى التنكيل بالشعب الأعزل، وحيث تم القبض على العديد من الجنود الفرنسيين وغنمنا 75 قطعة سلاح وكان قائدنا بلحاج بوسيف في تللك المعركة الذي تعلمنا منه أبجديات مباغتة المستعمر، ثم انتقلنا الى البيض بعد اشتداد الخناق علينا وكان للمواطنين دور فعال في انتقالنا، وتذكرت لقد تم تهريب أكثر من ألف مجاهد من الحدود الغربية.
ما هي قصة الناموس كلمة السر؟
الناموس هذه لها قصة حيث كنا بالصين ونتلقى الرسائل من أهلنا وكانت الرسائل تفتح وتقرأ من طرف الفرنسيين، حيث تعددت كلمة الناموس عبر الرسائل، لكن لم يكتشف أمرنا وكانت عبارة (الناموس دخل عندنامثل ما هو عندكم)، ومعناها أن الثورة انفجرت عندنا في الجزائر فما عليكم سوى الاستعداد.
وواصل حديثه قائلا أن الكثير من أبنائنا التحقوا بالثورة في الغرب الجزائري مبكرا كالقائدين خليل الحبيب، وطويل حمو رحمهما الله والمرحوم العربي بلخير كذلك انطلق من الشرق الجزائري ثم عاد إلى الغرب، وكذلك العقيد بوحزم المختار المدعو الناصر ومنها تنقلت الكتيبة الأولى إلى منطقة فرندة وفيها قمنا بعدة معارك.
قلتم أن النساء اثبتن شجاعتهن عندما دبرت فرنسا مكيدة ضدكم، كيف؟
فرنسا دبرت أكذوبة أنها ألقت القبض على جميع مجاهدي المنطقة، فجمعوا النساء بطريق سيدي بختي وأخبروهم أنه تم القبض على جميع مجاهدي المنطقة، لكن التجمع النسائي كان مناسبة لتلقين فرنسا درسا في اكتشاف نفاقها فبعثنا خلسة بعض النسوة لإبلاغ الأخريات بمكيدة فرنسا فبسبب صمودهن تم إطلاق صراحهن. سي الحاج من كان معك في منطقة تيارت.
كان معي كل من المجاهد بياض أحمد لا يزال على قيد الحياة، وكذلك عبد القادر مزياني وغيرهم لا أتذكر بسبب التقدم في السن، وكذلك المرحوم الطيب بن علي الذي توفي في الأشهر الماضية، وبصفتي رائد منطقة انتقلت إلى عدة جهات، حيث كنت أشرف على المناطق الأولى، الثانية والثالثة، وأذكر أن عملية تهريب المجاهدين من الحدود الغربية لم تتوقف طيلة بداية الثورة، وقد تم توقيف الحاج دموش في أواخر سنة 1958، وأدخل سجون مهدية بتيارت وحمام بوحجر بعين تموشنت وتلمسان، ولم يطلق صراحه حتى في 11 جوان 1962.