ارتبط اسم المحامي الكبير والمناضل الذي لا يساوم بالجزائر منذ سنوات الكفاح التحرري ضد الاستعمار الفرنسي بعد أن تحمل وبمهنية ولكن أيضا بجرأة مهمة الدفاع عن المساجين الجزائريين في مواجهة المحاكم الاستعمارية وتجاوزات جهاز البوليس الفرنسي دون أن يخشى لومة لائم من بني جدلته.
لقد رحل هذا الرجل المتمرد على التقاليد الفرنسية البالية ليترك إرثا ثمينا في تاريخ المحاماة ببلاده وفي العالم بعد أن جسد وبقوة لا تلين ثقافة الدفاع عن الحق ومناهضة الظلم والوقوف في وجه قوى الشر والطغيان من بقايا ثقافة الاستعمار ونهب ثروات الشعوب.
الأستاذ جاك فيرجيس صاحب قناعات راقية اكبر من السياسة والحكومات، ليس مثل باقي كبار المحامين في العالم، فقد تجاوزهم ثقافة وموقفا وإنسانية، وبذلك تعدى اسمه الرقعة الجغرافية لبلاده ولم يقبل الرضوخ لتلك الثقافة المتعجرفة فحمل لواء الدفاع عن المظلومين والانتصار للحق عبر العالم وخاصة تجاه أصحاب القضايا العادلة والإنسانية من المطاردين والمحاصرين والمساجين لدى قوى الشر في العالم.
ولما كان المناضلون الجزائريون يقادون عنوة وتحت التعذيب إلى غياهب السجون الاستعمارية الفرنسية لم يخشى فيرجيس الموافقة على تولي الدفاع عنهم وخاصة أولئك المحكوم عليهم بالإعدام فكان لسانهم وسندهم أمام قضاة تجردوا من القيم والضمير تحولوا إلى أدوات بيد قادة العسكر الاستعماري وبوليسه الإجرامي. وتحمل عناء الدفاع عن أبناء وبنات الجزائر من المناضلين والمجاهدين في سبيل الحرية وكسر شوكة الإدارة الاستعمارية واداوتها من الخونة والشتات الكولون الذين استعبدوا البشر ونهبوا الثروات وبنوا مقدرات وثروات بعرق ودماء ومعاناة الإنسان الجزائري.
كان فيرجيس المحامي الشاب يقف أمام أولئك القضاة الاستعماريين، وقد تخرج من نفس المدرسة التي تعلموا فيها القانون وعاش في نفس الوسط الذي تشبعوا فيه بالقيم الإنسانية قبل أن يتخلوا عنها، يقولها بملأ الفم «إنكم ظلمة ومعتدون وان ضحاياكم من الجزائريين أبرياء وعلى حق في الدفاع عن حقوقهم»، ولم يصبه الملل لحظة في الوقوف صلبا جبروت تلك المحاكم مكرسا تصورا جديدا لمهنة الدفاع عن المظلومين يقوم على قيم إنسانية اكبر بكثير من القيم المادية وثقافة الاستعلاء واحتقار الشعوب.
وانتزع لقب صاحب القضايا التي يخشى زملاؤه التكفل بها ليواصل مسيرته يدافع وبقوة مدوية تعدى مرافعته جدران المحاكم مكسرا جدار الصمت، فتخندق في صف المضطهدين واضعا كل رصيده القانوني والمهني بامتياز في خدمة الحقيقة ودحض الباطل، فبقي وفيا لنفسه مدافعا عن ضحايا الاستعمار الجديد ومنتصرا للمناضلين في العالم غير آبه بخصومهم وأعدائهم. لقد فضح أعمال قوى الاستعمار الجديد في العراق وليبيا وحافظ على صوت الفلسطينيين في بلدان الغرب ولو يشك يوما في عدالة القضايا التي انتصر للدفاع عنها وعن أصحابها. وربما أفضل تكريم للمحامي الفقيد أن تنشأ له جائزة سنوية باسمه ترمز لقوة الحق والقيمة الإنسانية للعدالة .
دافع باستماتة عن الحق وناهض الظلم
فيرجيس مناضل لن يساوم عن القضايا العادلة
سعيد بن عياد
شوهد:1505 مرة