لا يوجد اختلاف بشأن الحرص على التغيير الإيجابي لأوضاع الأمة من كافة الجوانب بحيث يمكن تكريس الخيارات الكبرى في كافة المجالات بما يضمن مزيدا من الحريات ويعزز توازن الصلاحيات لمختلف المؤسسات الدستورية المجسدة للإرادة الشعبية، غير أن التغير بالوصفة التي سوقتها ولا تزال جهات دولية معروفة أدخلت بلدان عديدة في أتون دوامة العنف نتجت عن فتنة الصراع على السلطة تغذيها أوساط دبلوماسية وإعلامية متكالبة حاملة لشعارات حق يراد بها باطل، لم يكن لينطلي على الشعب الجزائري الذي أدرك منذ البداية أبعاد وخطورة المؤامرة الكبرى فانخرط بثقة في المسار الإصلاحي الذي باشرته الدولة في خطوة استباقية أسقطت أوراق المتربصين بالبلاد.
وضمن هذا التوجه جاءت جملة القرارات التي أعلنها رئيس الدولة قبل سنتين في مثل هذا اليوم ليعيد صياغة المسار بضبط ورقة طريق لإصلاحات جزائرية خالصة و ذات هوية أصيلة تعكس تطلعات المجموعة الوطنية وتستجيب لانشغالاتها بما في ذلك السياسية منها. وكان التحرك هادئا ومسؤولا يأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى ذلك أن التغيير يكون نحو الأحسن، وليس الدخول في مغامرة غامضة غير محسوبة العواقب، في وقت تستهدف فيه القوى الكبرى المتزعمة للعولمة السيادة الوطنية للدول وتستثمر في أخطاء حكوماتها وتستغل رداءة أداء حكامها بعد إغراقهم في متاهات التبعية العمياء والدفع بهم نحو خيارات انتحارية في وقت لا تقل فيه الأدلة الماثلة للعيان.
لقد أعطت تلك الحزمة من الإصلاحات نفسا للحياة الوطنية في شتى الميادين فمهدت لمسار تقويمي لا يتوقف عند محطة، ولا يعفي أي جانب يتعلق بديمومة ومرونة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن في إطار الحد الأدنى من الضوابط القانونية والأخلاقية التي تمنع التطرف والغلو وتعزز المنافسة من أجل خدمة البلاد وتنمية المجتمع في ظل الانسجام والتضامن. وها هي الثمار مرة أخرى تنضج بإعلان تشكيل فريق من الخبراء البارزين لصياغة مشروع تعديل الدستور بما يفتح آفاقا عريضة أمام المجتمع بجميع أطيافه للارتقاء بالممارسة الديمقراطية الكفيلة بإشراك واسع للفاعلين والمجتمع المدني المؤهل وكمن ثمة إحداث فرز للساحة بأن يقوم كل طرف بما يقع عل عاتقه في ظل توازن للمؤسسات الدستورية وتدقيق للصلاحيات واتخاذ ما هو أفيد لإنهاء أي غموض أو فراغ تشريعي قد يحاول البعض اللعب على أوتاره لأغراض غير معلنة.
ولم يكن القاضي الأول للبلاد على خطأ لما أجاب سائليه من بعض نظرائه من «الأشقاء» والأجانب عما يمنع الشعب الجزائري من ركوب موجة الفوضى العربية التي دمرت دولا وأتت على الأخضر واليابس في بلدان تستحق أوضاعا أفضل مما هي فيه حاليا ومما كانت فيه سابقا أيضا، بقوله بما لا يدع مجالا للشك إن للشعب الجزائري ميزة فريدة تضعه في مصف الشعوب المدركة للرهانات المحلية والإقليمية والعالمية، ومن ثمة لا يمكن إقحامه في متاهات لا صلة لها بمستقبله الذي لا يمكن أن يصيغه غيره مهما كانت الشعارات، وليس لهذا التميز من غرابة لشعب يملك موروثا تاريخيا رائدا دفع له أسلافه ثمنا باهضا متمثلا في التضحيات الجسام لتحرير الجزائر من براثن استعمار فضيع، وإعادة بعث الجزائر في المشهد العالمي منبعا للحرية والتنمية البشرية تتطور وتتغير ذاتيا ونحو الأفضل.
ورقة طريق
استجابة مسؤولة للتطلعات والانشغالات
سعيد بن عياد
شوهد:1527 مرة