تراجع شباب ولاية ورقلة عن تنظيم مسيرة الخميس، وتم استبدالها باحتجاج سلمي أمام مقر البلدية للمطالبة بحقهم في التشغيل.
وقال ممثل الشباب المحتجين معمر بلعباس في اتصال هاتفي بـ«الشعب»، إننا «قررنا تنظيم وقفة احتجاجية وليس مسيرة يوم غد»، للمطالبة بالحق في التشغيل والتنمية، مؤكدا أن الشباب المحتجين لا يحملون مطالب سياسية مثلما تحاول بعض الأطراف ووسائل الإعلام الترويج له «فما نريده هو الاستجابة لمطالبنا المتعلقة بالتشغيل فقط».
وتبرأ بلعباس، مما وصفه بـ«الدعايات» و«تلفيق التهم» التي تحاول بعض الأطراف إلصاقها بالشباب، للوصول إلى مآرب خاصة، كما انتقد محاولات بعض النواب الرامية إلى إجهاض الحركة الإحتجاجية، بالنط على المطالب الشرعية للبطالين خدمة لأغراضهم الشخصية.
وأكد ممثل الشباب المحتجين، أن هذه الفئة لا تحمل أي «عنصرية» ولا «جهوية» لأي فرد يريد العمل في ورقلة، سواء كان من وهران أو عنابة، ولكن كل ما نريده «تشغيل البطالين من أصحاب الشهادات وحتى الذين ليس لديهم شهادات»، مشيرا إلى وجود أطراف باتت تتحكم في سوق التشغيل في المنطقة البترولية حاسي مسعود، وأصبحت تلغي قوائم التشغيل عن طريق الهاتف.
من جهة أخرى، انتقد بلعباس دور وسائل الإعلام التي تعمل حسبه على تشتيت الجزائر والوحدة الوطنية، حيث قال «أننا نريد من الإعلام مساندتنا وتوضيح مطالبنا وليس تزييفها» مؤكدا أن الجزائر ستبقى موحدة بفضل التفاف أبناءها.
يرفض أعيان ومشايخ ولاية ورقلة، استغلال المطالب الاجتماعية والمهنية لشباب المنطقة لرفع مطالب تدعو إلى تقسيم الجنوب مثلما تحاول بعض الأطراف الترويج له خدمة لأجندة خارجية. وأكدوا في حديث مع «الشعب» عبر الهاتف أن شباب المنطقة دخلوا في احتجاجات سلمية للمطالبة بحقهم في مناصب الشغل على غرار شباب الولايات الأخرى، ولم تحركهم مصالح سياسية، وأنهم واعون بالأخطار التي تهدد الجزائر من طرف دول خارجية تعمل على ضرب استقرارها وأمنها، مثلما فعلت بدول المشرق والمغرب العربي.
وعادت «الشعب» في حديثها مع أعيان ومشايخ المنطقة إلى الأسباب الحقيقية التي حركت الشباب وأخرجتهم إلى الشارع، كما جست نبض الشباب المحتج، وحاولت بكل أمانة نقل انشغالاته على أمل إيجاد حلول نهائية لكل المشاكل المطروحة منذ سنوات.
ويعتقد حكوم سليمان مقرر مجلس مشايخ وأعيان ورقلة ، أن التركيز على المسيرة المزمع تنظيمها غدا الخميس، هو أخذه للموضوع من طرفه بينما ينبغي أخذه من أساسه، فالمسيرة حلقة في سلسلة من مطالب قديمة ـ حسب قوله ـ حيث طالب الأعيان والشباب خاصة البطالون بألا ينزل ملف التشغيل إلى الشارع، وأن تتولاه الإدارة والدولة وتعالجه وفق تساوي الفرص بالنسبة لكل الناس، ولكنه لم يتحقق هذا الشيء ليتم تنظيم احتجاج ومسيرة أخرى سنة ٢٠٠٤، وهي المسيرة التي جعلت وزيرين يأتيان للمنطقة ويتعلق الأمر بوزير العمل، وزير التضامن آنذاك للاستماع إلى انشغالات السكان الذين طالبوا بإلغاء شركات المناولة التي تتاجر بجهود وعرق ودماء الجزائريين منذ ١٩٦٢، وقد وعدا بمعالجة الملف، لكن تم العكس حيث ألغي رمز المناولة من السجل التجاري وتم تغيير اسم شركات المناولة إلى مؤسسات الخدمات البترولية بتعليمة من رئيس الحكومة، أما الشركات القائمة فقد وسعت نفوذها بل زادت في احتكار المنطقة وطريقة العمل، وهذا ما اعتبره ضحك على الذقون وذر الرماد في العيون، لأن طبيعة العمل بقيت قائمة من خلال استغلال العامل حيث تمنح له الشركة ١٥ مليون ويستلم هو ٦ مليون والباقي يذهب إليها، وهي القاعدة التي بقيت إلى غاية اليوم، ما جعل الشباب يفقدون الثقة في الوعود المقدمة من الوزيرين، ومنذ ذلك الوقت وهم يطالبون بالعدالة في العروض، وفي تساوي الفرص لكل مواطن جزائري، فمن حق الجميع العمل في حاسي مسعود وفق الكفاءة والاحتياج ووفق المنطقة والجهة، ولكن نرى الأولوية في التشغيل في أي بلد لديه بترول أو حديد أو أي معدن، لأهل المنطقة سواء في التسيير أو الخدمات باستثناء القطاع الفني الذي يتطلب الخبرة والكفاءة، وهو عكس ما نراه عندنا حيث يوجد شباب عاطلون عن العمل منذ ١٠ سنوات، وكلما ذهبوا للبحث عن منصب عمل يقال لهم أنه لا يوجد، أو انتظر، في وقت يتم توظيف شباب من مناطق أخرى، وهذا ما جعلهم يشعرون بالظلم والتمييز، والإقصاء والتهميش، ودفعهم إلى الخروج إلى الشارع اليوم للمطالبة بتحقيق العدالة في التشغيل لا أكثر ولا أقل.
سنوات من المطالبة بحل المشاكل
يعترف حكوم، أنه يوجد أطراف تريد استغلال احتجاج الشباب لرفع مطالب سياسوية، لكنه يؤكد بالمقابل أن أعيان المنطقة وشبابها ليس بإمكانهم غلق الأبواب في وجه الذين يريدون التضامن معهم برفع شعارات تطالب بتحقيق العدالة، وليس بتقسيم الجزائر أو الضغط لتركيع دولتنا أو طلب الانفصال كما يقولون، فهؤلاء على الجهات المعنية أن تعمل على إقصائهم وتوقيفهم «لأنه ليس لدينا الحق في اتهام أي كان بأنه ليس وطنيا».
وحمّل ذات المتحدث، وسائل الإعلام سيما الخاصة مسؤولية تعفن الوضع في المنطقة، معيبا عليها التركيز على كلمة «شرذمة»، وإغفال ٩٥ بالمائة من مطالب سكان الجنوب المرفوعة في مسيرة ٢٤ فيفري، وأضاف متسائلا «لماذا يبرزون هذه الكلمة ويظهرونها بالبند العريض وكأننا خارجون عن القانون أو ضد دولتنا».
وأردف قائلا« نرفض هذا النوع من الممارسات، وعلى الإعلام إذا كان مهنيا ومحترفا أن يعالج المواضيع باحترافية، وألا يتلاعب بالكلمات، أو يضع العناوين لخدمة أجندة معينة»، «فأولاد المنطقة طاهرون ويبحثون عن العمل فقط».
قرارات الوزير الأول لا شك فيها ولكن نطالب بالتنفيذ
وبخصوص القرارات التي أصدرها الوزير الأول عبد المالك سلال أول أمس للتكفل بانشغالات ومطالب سكان ولايات الجنوب بصفة عامة، أوضح حكوم أن القرارات الصادرة من مؤسسات الدولة «ليس لدينا فيها شك ولكن فيه عديد القرارات صدرت ونحن نحتاج لتنفيذها»، قبل أن يضيف أنه« لم تعد مصداقية إلا في الميدان».
وأحصى ذات المتحدث وجود ١٠ آلاف مسجل في وكالة التشغيل، كما يوجد شباب منذ ١٠ سنوات دون عمل، رغم الإجراءات التي أعلن عنها وزيرا العمل والتضامن في ٢٠٠٤، ورغم ذلك نوه بالقرارات المتخذة مؤخرا والتي ستسمح بمنح مهلة للوزارة الأولى لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن بالمقابل أبان عن تمسك بالمطالب المرفوعة من قبل الشباب إلى أن تتجسد في الميدان الاجتماعي والعملي وليس السياسي.
وقال «نريد تشغيل الشباب المنطقة ولا يجب أن تحجج الشركات البترولية بضرورة توفر الشهادات لأنه تم توظيف شباب من الشمال دون أن يتوفر فيهم هذا الشرط».
مساع لتوحيد صفوف الشباب المحتجين
أعلن عمر بابزيز ـ الأمين العام للإدارة والمالية لمجلس أعيان ومشايخ ولاية ورقلة ـ عن مساعي حثيثة يقوم بها المجلس لجمع شمل شباب المنطقة، والإلفتاف حول مطلب واحد، لتفويت الفرصة على الأطراف التي تريد استغلال مطالبهم المهنية لخدمة أغراضهم السياسية.
وقال بابزيز لـ«الشعب» أنه تجري اتصالات حثيثة على قدم وساق لتوحيد الشباب، «فكلما اتسع الشرخ وقسم الشباب إلى مجموعات، استطاعت أطراف أخرى استغلال الظرف لضرب استقرار الجزائر»، غير أنه أبدى تفاؤلا بالتفاف الشباب المحتج حول دعوات التهدئة لأنه واعي بما يحيك أعداء الجزائر لها.
وشاطر رأي حكوم، حينما طالب من وسائل الإعلام أن تكون أكثر إحترافية «وأن تتقي الله في أبناء هذا الوطن، لأنه رأينا ماذا حدث في الدول الأخرى كيف يقتل الأخ أخاه» قبل أن يضيف «أن ورقلة هي عبارة عن ٤٨ ولاية بكل مداشرها، وسكانها ليس لديهم فوارق وليسوا من دعاة الإقصاء فكل من يتحمل برودة الطقس في الشتاء، وحرارة الجو في الصيف هو مرحب به في الولاية بغض النظر عن أصوله».
ووصف عبد القادر مقراني أحد الناشطين في مجلس مشايخ وأعيان ورقلة، ما يجري في المنطقة بـ«الزوبعة في فنجان»، متأسفا لدور الإعلام الذي« بات يلعب بمشاعر المواطنين، ومطالبهم، حيث أصبح بعض الإعلاميين يكتبون حسب هواهم، وينقلون الخبر من مصادر غير مسؤولة، وإن كانت صحيحة يزورونها لخلق قضية أخرى».
وأكد مقراني، أن سكان المنطقة يرفضون تقسيم الجزائر، مضيفا أن مطالب شباب المنطقة ليس لهم علاقة بما يروّج، «لأن الدولة عندنا خط أحمر»، بل «نبحث عن حل فقط، لشباب عاطلين عن العمل، قدم لهم وزراء في الحكومة وعودا بتشغيلهم من قبل ولكن لم يوفوا بوعودهم».
وأضاف ذات المتحدث، أن سكان المنطقة لا يعارضون عمل سكان الشمال في الجنوب «سواء المقيم في ورقلة أو من غير ورقلة هو جزائري له حق في العمل»، ولكن نريد أن ينظر إلينا بالعين الأخرى، فالمنطقة لا تتوفر على مصانع، وحتى الفلاحة لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر وحيد للدخل.
وتحدث مقراني، عن إجراء اتصالات مع الوزير الأول عبد المالك سلال لتنظيم لقاء، يتم توضيح فيه كل الأمور، لإيجاد حل نهائي للمشاكل المطروحة، مشيرا إلى أن أعيان المنطقة لمسوا جدية من قبل المسؤولين ظهرت بكثرة في اجتماعات التنمية المحلية المنظمة بكل من غرداية، أدرار وإليزي والتي أشرف عليها وزراء الداخلية، الفلاحة والموارد المائية، وتوجت بالإعلان عن بعض القرارات لصالح الجنوب تم تجسيد البعض منها.