تحتلّ مجلّة الجيش موقعا مؤثّرا في المشهد الاعلامي الجزائري بحكم تناولها لمواضيع أمنية وعسكرية آنية لها صلة مباشرة بالمستجدّات الداخلية والأحداث الخارجية، التي تندرج في إطار إبراز النّشاطات الواسعة للجيش الوطني الشعبي، والمتابعة عن كثب للملفات الاقليمية والدولية التي تعني الجزائر مباشرة والبحث في تفاعلها وتأثيراتها واستشرافها.
هذه الرّكيزة تعتبر نموذجا قائما بذاته فيما يعرف بالاعلام المتخصص، يظهر من شخصيتها التي تشير في غلاف الأولى إلى أنّ مجلة شهرية للجيش الوطني الشعبي تصدر عن مؤسسة المنشورات العسكرية “مديرية الايصال والاعلام والتوجيه”، يترجم حرص هيئة تحريرها على الاحتفاظ بهذا الخط الافتتاحي، والتركيز على القضايا الأمنية والمسائل العسكرية، وفي نفس الوقت التّواصل مع كل ما له علاقة بالنّشاطات المكمّلة للفعل العسكري.
وعليه فإنّ المجلة تأسّست في شهر مارس من سنة ١٩٦٤، أي أنّها تجاوزت الخمسين سنة، جاءت مباشرة بعد سنتين من الاستقلال لتواكب باعتزاز مراحل البناء والتّشييد التي عاشتها الجزائر خاصة فترة السّبعينات مع السدّ الأخضر وطريق الوحدة الافريقية وغيرها من المشاريع الضّخمة والعناوين الكبرى. وبالفعل فإنّ أرشيف المجلة منذ تلك السنوات يشهد على الأداء الاعلامي الطّلائعي لمجلة الجيش في مرافقة الوطن في مسيرته في إقامة الدولة الوطنية، وتجسيدا لمبدأ القوى والحامل للمغزى الصّلب ألا وهو “جيس أمّة”.
ودون أن تذكر المجلة في غلافها الخاص للصّفحة الأولى بأنّها “متخصّصة”، إلاّ أنّ التّسمية “الجيش” كفيلة بأن تعطي الانطباع العام فيما يتعلّق بالمواضيع المعالجة التي لا تخرج عن نطاق كل ما هو أمني أو عسكري، معزّزة برؤية واضحة في المقام الأول ودقيقة جدا في جانب ما تقدّمه للقارئ سواء الموجود بالمؤسسة العسكرية أو خارج هذا الاطار.
لذلك لابد من تثمين قيمة ومستوى المادة الاعلامية التي تقدّمها مجلة الجيش تحريرا وإخراجا وصورة، ففي كل عدد يصدر يلاحظ القارئ الارادة القوية في استحداث ذلك التمايز في المادة، والسعي الجاد قصد طرح المواضيع الجديرة بالاطلاع، وهذا توجّه قائم على التمسك بخيار الاحترافية الذي ترسّخ كقاعدة للعمل يسمح في كثير من الأحيان إلى إدراج المجلة ضمن المجلات ذات الطّابع الوثائق أي اعتمادها كمرجع أساسي وفريد في الدراسات والبحوث الاعلامية العميقة، لذلك فإنّ القراءة الأولية للمواضيع تبين مدى إيلاء الأهمية القصوى لما ينشر، وهذا وفق تصور واضح ورؤية متطابقة مع سيرورة الأحداث. هذا ما أضفى مصداقية ملموسة على المحتوى الذي يتفادى كل أشكال الاثارة أو ما يعرف بالسبق، وإنما الاتيان بالمعلومة كما هي دون إضافات أخرى لا تليق بها، وهذا في حد ذاته عمل مهني يخضع إلى الأخلاقيات المعمول بها في قمّة صورها.
وإذا أخذنا عيّنة عدد ٦٢١ لشهر أفريل ٢٠١٥، نسجّل ذلك التوازن في توزيع المادة الاعلامية في الصّفحة الأولى من الغلاف، في “الترويسة” هناك رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة عيد النّصر يليها الموضوع الرئيسي الأسطول البحري يتعزّز بسفينة القيادة ونشر القوات، وباللّون الأحمر الاسم “قلعة بني عباس ٤٧٤” مع صورة مكبّرة لها مدعّمة بصورة في الزاوية لنائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح وهو يشرف على عملية التّدشين.
وتبعا لذلك وفي أسفل الأولى هناك روبورتاج: رجال على الحدود حزم وعزم وتصدي، ويلاحظ في هذه الواجهة لمدخل المجلة عدم وجود أي “ازدحام” في المواضيع أي أن هناك ٣ إشارات ثم يحال القارئ على الفهرس الذي يمنحه كل ما يرغب من نهم في القراءة. ونرى بأن تصور الصفحة الأولى الخاصة بالغلاف كانت ناجحة في ترتيب المواضيع، الأولويات، الأهم والمهم، البنط المستعمل والألوان. ولابد من الاشارة هنا إلى أنّ المجلة تستعمل الأنواع الصحفية التي تثري العدد بشكل ملحوظ، مما يدل على الاحترافية لدى المشرفين عليها، هناك الافتتاحية وهو ما يعرف لدى العام والخاص بالخط أو الموقف تجاه شأن معين، وهناك الأخبار التي جاءت في شكل “أحداث الشهر” والملف، وقضايا عالمية وربورتاج وتقارير أو ما يعرف بالتّغطيات. بالنسبة للافتتاحية، فإنّها جاءت متماسكة في مضمونها وأسلوبها، رسالتها واضحة في توجّهها الى الآخر، وهذه المرة تناولت ما أسمته بـ “الثلاثية الذهبية ألا وهي: التدريب والتكوين الجيد، التصنيع واقتناء العتاد، والمنشآت بكل أنواعها واستخداماتها. في صفحتي ١٤ و١٥ هناك حصيلة عن عمليات مكافحة الارهاب من ١ مارس إلى ٣١ منه بعنوان وحدات في الميدان، عمليات نوعية هنا معلومات وافية وبالأرقام عن الارهابيين المقضى عليهم والأسلحة والذخيرة ووسائل أخرى محجوزة بمختلف النواحي العسكرية، من الصفحة ٢٨ إلى الصفحة ٣٢ هناك ربورتاج عنوانه “رجال على الحدود حزم وعزم وتصدي”، تنقّلت فيه المجلة إلى الحدود الجنوبية الشرقية لتقف على مهام الوحدات المنتشرة في هذه المنطقة، ومن الصفحة ٣٣ إلى الصفحة ٤٥ هناك الملحق “نوفمبر الحرية” في ٣ محاور: التدريب والتكوين خلال الثورة النظرة الاستراتيجية وأول رجال “ضفادع” جزائريين: المقاتلون الغطّاسون.
ولابد هنا من الحديث عن الصّفحات من ٤٨ إلى ٥٤ الحاملة لعنوان “اتصال”، وهي نشاطات مكثفة لقطاعات عديدة بداخل المؤسسة العسكرية تختلف عن
«أحداث الشهر”، وفي هذه المساحة المقدرة ب ٧ صفحات هناك متابعة منظّمة لكل نشاط جرى رفقة أفراد الجيش وبالصور شريط حي يحصي التفاعل الكامل مع الحدث الوطني بكل أبعاده، من الصفحة ٥٥ إلى الصفحة ٥٩ هناك عنوان تاريخ هي كذلك نشاطات بمناسبة الذكرى الـ ٥٣ لعيد النصر ١٩ مارس ١٩٦٢، شاركت فيها القيادات العسكرية وهي رسالة واضحة المعالم في ترسيخ العلاقة العضوية بالتاريخ الوطني عن طريق إحياء أحداث الثورة في كل مناسبة.
زيادة على ذلك فإنّها خصّصت حيزا هاما للرياضة العسكرية، مبرزة المنافسات في كل الاختصاصات، وتبعا لذلك فإنّ مجلة الجيش انفردت في توجّهها نحو أن تكون لسان حال فعّال في نقل الفعل الأمني والعسكري بكل حيثياته، وهذا بواسطة أنواع صحفية وردت بوضوح في هذا العدد، وفي كل مرة يطلع القارئ على تحسينات في الأعداد الصّادرة من كل النّواحي التي تدعّم هذا الابداع الاعلامي.