جاء القانون رقم ١٠ - ٠٣ المؤرخ في ١٥ أوت ٢٠١٠، المحدّد لشروط وكيفيات استغلال الأراضي الفلاحية التّابعة للأملاك الخاصة للدولة، الصادر في الجريدة الرّسمية رقم ٤٦ بتاريخ ١٨ أوت ٢٠١٠، لإحداث القطيعة مع “التردد” الذي كان ينتاب كل من يريد إثارة هذا الملف والولوج في أعماقه، فأغلبية الجهات التي كانت تشرف على القطاع الفلاحي ما قبل ٢٠٠٣، كانت تتحاشى الخوض في هذا الموضوع لأنّه كان يسبّب لها متاعب كبيرة.
وغياب نصّ واضح في هذا الشّأن أدّى إلى تعقّد وتداخل في العقار إلى درجة أنّه أصبح محل نفور كل العاملين في هذا الحقل، الذين وجدوا أنفسهم أمام فراغ قانوني مخيف تطلّب الأمر البحث عن آلية سريعة لسدّ ذلك بالرّغم من وجود خلفية قانونية وتراكمات سابقة، لكنها لم تفصل في مسألة طابع الإستفادة وصورة الملكية ممّا خلّف وضعا اتّسم بالجمود إلى سنوات طويلة جدّا.
هذا الانسداد انفرج عندما تكفّل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة شخصيا بهذه المسألة الحرجة التي عطّلت مسيرة الفلاحة الجزائرية، وهذا من خلال الإصرار على إيجاد إطار قانوني واضح يكون بمثابة مرجعية للجميع، يبرز كل المنهجية التي يتم بواسطتها التّعامل مع العقار الفلاحي،
وفق رؤية ذات الطابع الاقتصادي التي بإمكانها أن تعطي تلك القيمة المضافة، المبحوث عنها منذ سنوات بعيدة من قبل المهنيين.
وفي أول قراءة للقانون، يتّضح طابعه المرن والحيوي الذي يتّجه نحو إدراج مفهوم العقار ضمن سياسة فلاحية جديدة كان لابد الذّهاب إلى إقامة التّوازن ما بين ثلاثية مؤثّرة ومحرّكة ألا وهي الفلاّح، الأرض والقانون. ونعني هنا الإدارة أو الوصاية التي تنشط اليوم وفق رؤية جديدة مخالفة عن السّنوات السّابقة.
وأبدى في هذا الشّأن السيد زروال ياسين، مدير الديوان الوطني للأراضي الفلاحية عن ارتياحه لتوفر هذا القانون كونه ضبط بدقة كل مراحل مرافقة العقار الفلاحي في الجزائر، وهذا وفق مقاربة جديرة بالاهتمام كونها انطلقت من الواقع ومن الحالات التي اعترضت الكثير في سياق معين، وسيزيد من تقوية هذه الخيارات صدور النّصوص التّنظيمية قريبا، والتي ستكون بمثابة تدعيم النّظرة لسوق عقاري حقيقي.
وهذا هو الشّغل الشّاغل للسّلطات العمومية، التي تحرص حرصا شديدا على حماية العقار الفلاحي من كل التّلاعبات السّابقة، وهذا بتشديد أدوات الرّقابة أو السّعي لتحويل طبيعته من الفلاحة إلى العمران أو الصّناعة. مثل هذه التّحايلات حاربها القانون بقوة، وتمّ توقيفها منذ سنوات خلت، وكل قرار أو إجراء تحويل أو حيازة يتطلّب إذن مجلس الحكومة.
لذلك فإنّ العقار الفلاحي لم يعد خاضعا لاجتهادات الأشخاص، يتصرّفون فيه كما يحلو لهم، أو يكون من وحي النّزوات والأمزجة. هذه السّلوكات غير القانونية هي التي هيمنت على كل محاولة ترمي إلى إضفاء الشّفافية على هذا القطاع، وقد يكون الجانب النّقدي دائما يطغى في تناول العقار الفلاحي لأنّه كان “طابوها” في مرحلة معيّنة.
هذه حقائق تاريخية لا مفرّ منها، وكانت من الدّوافع الأساسية لسنّ القانون السّالف الذّكر، وهذا بتوضيح الرّؤية للجميع على أن أيّ نشاط يخصّ العقار يكون ضمن منظومة من النّصوص التي تسيّره وفق صيغة حالة بحالة، لأنّ الأمر يعدّ حسّاسا جدّا انطلاقا من القاعدة المأثورة
«الإنسان أكثر ارتباطا بالأرض”. وعليه فإنّه دائما يريد إبقاء تلك العلاقة العضوية على أساس أنّها مصدر رزقه وكذلك وجوده.