100 مليـون دولار صادرات الجزائر من الأدويــة وآفاق لتغطية السّـــوق الإفريقيـة
196 وحدة لإنتاج الأدويـة بينها 10 وحـدات تابعـة لمجمّـع صيـدال
انتهجت الدولة سياسة استشرافية في مجال توفير الأدوية، من خلال بعث استثمارات كبرى بقطاع الصناعة الصيدلانية سواء في القطاع العمومي أو الخاص، لزيادة الإنتاج المحلي وتأمين حاجياتها الدوائية، من خلال تقديم تسهيلات وتحفيزات لمستثمرين، وترتبط الصناعية الدوائية بتحقيق الأمن الصحي للبلاد، كمحور محدد للسيادة الوطنية، ومن أجل ذلك بات البحث العلمي أحد أولويات القطاع يحرص على تطوير المخابر واستقطاب الكفاءات.
أوضح الخبير والمحلّل الاقتصادي هواري تيغرسي، في اتصال مع “الشعب”، أنّ الصناعة المحلية للأدوية تعتبر الضامن الوحيد للأمن الصحي للبلاد، مؤكّدا أن هذا النشاط قد عرف انتعاشا استثماريا خلال السنوات الأربع الأخيرة، وبدأ يرتكز على البحث العلمي وتضاعف عدد المخابر الناشطة في القطاع، بفضل المجهودات والتسهيلات التي أقرتها السلطات العمومية، بتعليمات من رئيس الجمهورية - لا تساهل ولا هوادة فيها عندما يتعلق الأمر بصحة المواطن - مكّنت من تكثيف النسيج الصناعي الصيدلاني في الجزائر، الذي أصبح يضم اليوم ما يقارب 199 مؤسسة صيدلانية من بينها 130 منتجة للأدوية والمستلزمات الطبية، حيث تمّ إطلاق مشاريع كبرى لإنتاج الأدوية بالجزائر ومخابر بحث بمقاييس عالمية، من أجل توفير أمثل للأدوية في الأسواق الوطنية، سمحت بمواجهة ندرة بعض الأدوية التي كانت تستورد من الخارج، مكلفة الخزينة العمومية فاتورة استيراد باهظة من العملة الصعبة، خاصة الأدوية الموجهة لعلاج الأمراض المزمنة كالسرطان وداء السكري، في ظل دخول مصنع الأنسولين الذي سمح بصناعة الأقلام الموجهة لمرضى السكري محليا.
قفــزة نوعية
وعن الأشواط التي قطعتها الصّناعة الصيدلانية ببلادنا - تحديدا منذ جائحة كورونا - أشار تيغرسي إلى أنّ هذه الأخيرة رفعت التحدي، وتحوّلت إلى حصن المنظومة الصحية الجزائرية بفضل التحفيزات التي وفرتها الدولة، مكّنتها اليوم من تلبية أزيد من 70 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، ممّا ساهم في تقليص فاتورة استيراد الأدوية وولوج الأسواق الخارجية.
وأوضح تيغرسي أنّ القطاع الصيدلاني الذي يبقى مرتبطا بالسيادة الوطنية في مجال الصحة، يمثل قرابة 4 مليار دولار، ويغطي 1033 تسمية دولية مشتركة، وقرابة 3 آلاف اختصاص تجاري لمختلف المستلزمات الطبية. نتائج - يؤكد المتحدث - أنها تحققت بفضل التزام ومرافقة الدولة على جميع المستويات المؤسساتية والقانونية والعلمية لهذا القطاع، ممّا ساهم في توفير هذه المادة الحيوية للمواطن وبأسعار معقولة.
وبما أنّ قطاع الأدوية جزء لا يتجزأ من السياسة الوطنية للصحة، تابع تيغرسي، فقد حرصت الدولة على تنظيمه وفقا للعرض والطلب من أجل ضمان تغطية شاملة لكل مناطق الوطن بعد إنشاء وزارة قائمة بذاتها، خاصة بهذا القطاع سنة 2021، كما أدى تخلي الدولة عن احتكار استيراد وتخزين وتوزيع الأدوية - إضافة إلى تشجيع الصناعة الصيدلانية المحلية - إلى الرفع من وحدات الإنتاج لتبلغ 196 وحدة خلال السنوات الأخيرة من بينها 10 وحدات تابعة لمجمع صيدال.
فضاء استثماري واعد
وعاد تيغرسي إلى الماضي القريب، تحديدا خلال فترة جائحة كورونا، موضحا أن الصناعة الصيدلانية قد برزت فعلا خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ المنظومة الصحية العالمية، بفضل الإنجازات المحققة في مجال التصدي لجائحة “كوفيد-19”، لا سيما في مجال إنتاج تجهيزات الحماية الفردية ومادة الأوكسيجين وتحاليل التشخيص المستعملة في البرتوكول الموجه للتكفل بالمرضى، إلى جانب إنتاج اللقاح المضاد لهذا الفيروس.
وقد سمحت هذه الديناميكية بضمان وتوسيع التغطية من حيث الاحتياجات الوطنية والاتجاه نحو الأسواق الخارجية، لا سيما العربية منها والإفريقية، بعد تهيئة الظروف المناسبة من حيث النقل وفتح وكالات بنكية وطنية بالخارج، في إطار التسهيلات المقدمة للمنتجين المحليين وتشجيعهم على تصدير منتوجاتهم نحو الخارج.
ونظرا للأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع ومرافقته من خلال استحداث وزارة خاصة به، وإنشاء الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية، فقد أصبح من الضروري وضع إصلاحات قانونية لحمايته وتطويره - حسب المتحدث - مع ترقية التصدير قصد ضمان استمرارية تموين السوق الوطنية بمواد فعالة وآمنة تخضع لجميع المعايير المعمول بها دوليا في هذا المجال وتسمح للقطاع بمسايرة التطورات الحاصلة في الميدان.
وبهذا الخصوص، وضعت الحكومة عدة قوانين بهدف تنظيم النشاط المرتبط بالصناعة الصيدلانية، لاسيما في مجالات الاستيراد والتوزيع والاستغلال والإنتاج، إلى جانب قوانين تنظيمية تدخل في إطار التعاون مع سلطة التنظيم الدولية، مما يسمح بتشجيع التصدير.
كما تمّ إنشاء أرضية رقمية وآليات تسيير لمواجهة الضغط الذي قد يحدث عند تسجيل انقطاعات تموين السوق بالأدوية، مع تحرير برامج الاستيراد في حينها وإنشاء مرصد يقظة يسهر على توفير الأدوية، إلى جانب أطر قانونية لتشجيع التجارب العيادية وإعطاء أهمية خاصة للبحث العلمي، مؤكّدا أنّ الهدف الأسمى من اعتماد هذه السياسة التنظيمية هو ترشيد استعمال مختلف أصناف الأدوية من ناحية الوصف والتسعيرة، ما يعكس حرص السلطات العمومية من جانب آخر على احترام قانون المنافسة والالتزامات الدولية للجزائر في هذا المجال لضمان نوعية هذه الصناعة الحيوية، وتمكينها من بلوغ الأهداف التي تصبو إليها.
التّوزيع..الحلقة المفقودة
وتطرّق تيغرسي إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي تلك المتعلقة بتوزيع الأدوية، حيث يلعب التوزيع دورا مركزيا في المنظومة الصحية، يحدد فعاليتها وقدرتها على التوفير السريع للعلاجات الضرورية للمرضى، ويرى المتحدث أنّ هذا المسار المعقّد الذي يمتد من الإنتاج إلى التوزيع عبر كل المحطات، وصولا إلى الصيدلية، كأقرب خلية تموين للأدوية، يقوم على معايير صارمة وممارسات ثابتة، لضمان جودة التوزيع وفق المعايير الدولية الرامية إلى الحفاظ على سلامة المنتجات ونوعيتها، على طول سلسلة التموين.
وتشمل هذه الممارسات - يقول تيغرسي - عدة جوانب أهمها القدرة على المتابعة الشاملة والمنتظمة، والنقل الآمن، وهياكل التخزين، والتنسيق القطاعي بين الجهات المنتجة والتجارية واللوجستية.
في هذا الصدد، شدّد تيغرسي على ضرورة التأكيد على السهر على احترام معايير الجودة، كمعيار لا مجال لإقصائه، مستدلا بمثال الأدوية المضادة للسرطان الباهظة الثمن والحساسة من حيث تركيبتها وتوزيعها، ما يستدعي اهتماما خاصا لضمان فعاليتها وتأمينها من حيث الشروط الصارمة الخاصة بتخزين الأدوية المضادة للسرطان، وخاصة الأدوية الكيماوية، والعلاجات الدقيقة، التي ينبغي حفظها في ظروف مهيأة حسب خصوصية الأدوية، وهو المفترق التنظيمي والتنسيقي الذي يجب أن تتقاطع عنده كل القطاعات المعنية، لتفادي تذبذب التموين على مستوى المخازن، ورقمنة السلسلة اللوجيستية وغيرها من المحطات المتدخلة في المنظومة الدوائية الجزائرية التي لا بد أن تخضع إلى تسيير استباقي تشاركي، شدد ذات المتحدث.