لا بديل عن الاعتماد على طرق الإنتاج المكثفة الحديثة لرفع الإنتاجية
الخروج من المناسباتية والالتحاق بمختلف الشعب الفلاحية
يرى الأستاذ المحاضر بجامعة المسيلة، قسم العلوم الزراعية والبيطرية د. عاشور مناني أن التفكير في إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرارا صائبا لارتباطه الوثيق بالأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات المتزايدة للاستهلاك الوطني لمادة اللحوم، وهذا للخروج من المناسباتية وحتى تلتحق بمختلف الشعب الفلاحية التي حققت نتائج جد مرضية مقارنة بالسنوات الفارطة، ما من شأنه ضمان سلسلة تكاملية بين مختلف الشعب وتحقيق تنمية اقتصادية يضيف الأستاذ في حوار مقتضب لـ» الشعب»، وذلك انطلاقا من إمكانياتها المحلية من خلال الاستثمار في سلالاتها المحلية وكذا بالاستفادة من مختلف التقنيات والتكنولوجيات الحديثة لرفع الإنتاجية من أجل إحداث نقلة نوعية في هذا المجال ما يعود بالفائدة على المواطن والاقتصاد.
الشعب: إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرار جاء تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية اقتداء بالنتائج الإيجابية المحققة في الفلاحة، ما مدى أهمية القرار خاصة في تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك بعيدا عن المناسباتية؟
د. عاشور مناني: إعادة بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر قرار جاء تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية اقتداء بالنتائج الإيجابية المحققة في الفلاحة وفي الشعب الفلاحية الأخرى، يعتبر هذا القرار هام جدا لعدة اعتبارات أهمها التكامل الموجود بين مختلف الشعب الفلاحية فمثلا نشاط تربية المواشي يكون في أغلب الحالات مرتبط بزراعة الحبوب Élevage-céréalicuture، فزراعة الحبوب تمثل المصدر الأول لتوفير العلف الموجه للماشية بعد عمليات حصاد ودرس الحبوب.
فأهم هذه المصادر هو التبن الذي يعتمده الموالون كعلف أساسي للماشية أو الرعي في الحقول التي كانت مزروعة بالحبوب بعد عملية الدرس. أما فيما يخص تربية المواشي في المناطق السهبية التي تعتمد على الرعي، فمادة الشعير تستعمل في فترات عديدة على مدار السنة وبكميات جد معتبرة خاصة في فترات تكاثر الماشية وفترات الولادة والإرضاع، لذا فإن كل ما تنتجه شعبة زراعة الحبوب من مادة الشعير يوجه لاستعماله كعلف للماشية.
كذلك شعبة انتاج الخضروات فهي توفر أيضا مصدر معتبر لأغذية المواشي، وهذا باستعمال مخلفات هذه الزراعات للرعي وبالتالي تغطية جزء من الاحتياجات الغذائية للمواشي.
شعبة أخرى شهدت تطور ملحوظ في السنوات الاخيرة وخاصة بمنطقة الجنوب الكبير وهي شعبة إنتاج الأعلاف الموجهة لتغذية المواشي، فما تنتجه هذه الشعبة الفلاحية يوجه مباشرة لتغذية المواشي خاصة منها الأعلاف الخضراء والتي تساعد كثيرا على توفير مصدر غذائي غني ومتكامل خاصة في فترة نقص الأعلاف الخضراء في فصل الشتاء.
كل هذه المعطيات تبين التكامل الحاصل بين شعبة تربية المواشي والشعب الفلاحية الأخرى وهو ما يخلق توازن واستمرار لهذه الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يمكننا القول بأن مختلف الشعب الفلاحية تخدم شعبة تربية المواشي بتوفيرها لمصدر غذائي هام على مدار السنة، وهو أهم عامل للحفاظ على استقرار شعبة تربية المواشي كون تكلفة الأعلاف تمثل حوالي 70% من التكلفة الإجمالية للإنتاج في شعبة تربية المواشي.
- هل ترى أن بعث شعبة تربية المواشي بالجزائر يكون بالسلالات المحلية أم باستقدام سلالات أخرى معروفة بإنتاجها الوفير؟
فيما يخص هذه النقطة بالذات فإنه يجب التذكير بأن الجزائر تمتلك أحسن سلالات الأغنام في العالم وأجودها من ناحية القدرات الإنتاجية أو من ناحية جودة ونوعية اللحوم، لكن ما شهدته البلاد مؤخرا من تذبذب في توفير احتياجات السوق الوطنية من اللحوم هو ناتج أساسا عن الذبح العشوائي للإناث الذي استنزف الثروة الحيوانية وكان سببا في نقص عدد رؤوس الأغنام فمن المفروض أن المذابح لا تستقبل نهائيا النعاج وتسمح فقط بذبح الذكور، لذا فنحن في حاجة ماسة لسن قانون يجرم ذبح الأنثى للحفاظ على ثروتنا الحيوانية التي تمثل المصدر الأساسي لإنتاج اللحوم الحمراء، وفرض رقابة صارمة على المذابح وكذا نقل اللحوم عبر الطرق.
اللجوء إلى الاستيراد حاليا أراه قرار مؤقت فقط يسمح لنا بإعادة التوازن إلى قطعان الماشية المحلية وبالتالي الحفاظ على السلالات المحلية التي تعتبر من أحسن السلالات العالمية وهذا لا يكون كما ذكرنا سابقا إلا بمنع ذبح الإناث والرقابة الصارمة للمذابح.
- هل تعتقد أن إمكانيات المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي، والمعهد الوطني للطب البيطري، كافية أم أن الشعبة مطالبة بالانفتاح على شراكات أخرى وفتح المجال أمام الخواص من أجل الاستفادة من أحدث التقنيات التكنولوجية والعلمية المستعملة في هذا المجال؟
بعث شعبة تربية المواشي اليوم يحتاج إلى تكافل عدة شركاء، منهم المؤسسات البحثية كالجامعات والمعاهد الوطنية المتخصصة في تربية المواشي، المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي والمعاهد التقنية لتربية المواشي وفيدراليات وجمعيات تربية المواشي والموالين.
تظافر جهود كل هذه الأطراف الفاعلة في شعبة تربية المواشي يمكنه رسم خطة عمل محكمة تتماشى والظروف الحالية التي تعيشها الشعبة، وهذا لن يكون إلا بتشخيص الوضع الحالي للشعبة ثم طرح مجموعة من الحلول التي تساهم في إعادة بعث شعبة تربية المواشي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء.
ومن أهم هذه الحلول هو مراقبة المذابح بالدرجة الأولى لأنها كانت السبب في استنزاف الثروة الحيوانية وهذا نتيجة الذبح العشوائي للإناث وهو ما أدى إلى تراجع أعداد الماشية، ناهيك عن رفع القدرات الإنتاجية للمواشي وهذا بتوفير الأعلاف ذات الجودة العالية وبكميات كافية على مدار السنة.
إلى جانب الاعتماد على التقنيات الحديثة والمتطورة للرفع من إنتاجية المواشي والاعتماد على طرق الإنتاج المكثفة، لأن الاحتياجات الوطنية تبقى في تزايد مستمر، بالإضافة إلى التكوين المستمر للمربيين والفلاحين المتخصصين في تربية المواشي يساعد على تطبيق الحلول المقترحة للرفع من إنتاجية المواشي، وهذا لن يكون إلا بتحسيس الفلاحين لأهمية تطبيق الطرق الحديثة في تربية المواشي ومسايرة التطور العلمي وكذا الظروف المناخية التي تشهدها مختلف مناطق العالم عامة والجزائر خاصة والناتجة عن التغيرات المناخية، فالتأقلم مع هذه الظروف يفرض علينا اعتماد تقنيات حديثة لم نعتد على استعمالها من قبل.