إنّ المتتبع للكتابات التاريخية حول الثورة الجزائرية، سواء كانت كتابات محلية وطنية أم كتابات عربية وأجنبية، يلمس ذلك الاهتمام الكبير بها، وزخم المنتوج العلمي حولها، نظرا لما تركته هذه الثورة التحرّرية والتحريرية من تداعيات جمّة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
أكّد الدكتور مولود قرين، أنّ المؤرّخين الجزائريين أولوا عناية كبيرة بتاريخ الثورة الجزائرية، فمنذ الاستقلال إلى غاية يومنا هذا ألّف حول مواضيعها المختلفة وقادتها وشخصياتها الفاعلة الكثير من الكتب ونشرت حولها العديد من الدراسات في المجلات والدوريات والجرائد.
أطروحات جامعية حول الثورة
يرى الدكتور مولود قرين أنّه منذ تأسيس أقسام التاريخ، اتّجهت أغلب دراسات الطلبة الجزائريين نحو موضوعات تاريخ الجزائر المعاصر بصفة عامة، وتاريخ الثورة بصفة خاصّة، سيّما بعد تسعينيات القرن الماضي في ظلّ الانفتاح السياسي والتعدّدية الحزبية في الجزائر.
وأشار قرين إلى أنّ نظرة إحصائية سريعة تجعلنا نلاحظ أنّ عدد الرسائل والأطروحات الجامعية (دكتوراه وماجستير) دون احتساب مذكّرات ليسانس والماستر، قاربت 200 رسالة وأطروحة، عالجت إشكاليات وقضايا مختلفة من تاريخ الثورة الجزائرية، يمكن تصنيفها إلى تراجم وسير قادة الثورة وشخصياتها المحورية سواء السياسيين أو العسكريين، وأخذت حصّة الأسد من اهتمامات الباحثين الجزائريين، وذلك نتيجة عدّة اعتبارات، لعلّ في مقدّمتها نفض الغبار عن هاته الشخصيات وإبراز تضحياتها وبطولاتها النّضالية بهدف ترسيخها لدى جيل الاستقلال، إضافة إلى طبيعة المادة التاريخية المتمثلة في الشهادات الحيّة التي كانت متاحة، وشجّعت الباحثين الجزائريين على اختيار التراجم كمواضيع لرسائلهم الجامعية”.
وقال قرين إنّ فرحات عباس من الشخصيات الثورية التي أنتجت حولها رسائل جامعية، نوقشت العديد من الأطروحات مثل: دراستي الباحث معزة عز الدين، الماجستير بعنوان “فرحات عباس ودوره في الحركة الوطنية ومرحلة الاستقلال”، نوقشت في جامعة منتوري بقسنطينة، تضمّنت معلومات غزيرة، ووثائق أصيلة حول نشاط فرحات عباس خلال مرحلة الحركة الوطنية الجزائرية ومرحلة الثورة التحريرية، إضافة إلى أطروحته في الدكتورة الموسومة بـ«فرحات عباس والحبيب بورقيبة دراسة تاريخية مقارنة (1899م- 2000م)، نوقشت كذلك بجامعة منتوري، قارن فيها الباحث بين الفكر النضالي للرجلين. وهناك أيضا أطروحة الباحث عباس محمد الصغير المعنونة بـ«فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية 1927- 1963م” نوقشت في قسنطينة 2007م، تناول فيها الباحث مراحل تطوّر الفكر النضالي لفرحات عباس منذ تأسيس فيدرالية المنتخبين الجزائريين سنة 1927م إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية. ورسالة نفيسة دويدة، بعنوان “تطور فكرة الوطنية الجزائرية عند فرحات عباس 1927- 1955م” نوقشت بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة.
وعن شخصيات الثورة التي ألهمت كثيرا من المؤرخين الجزائريين وخصّوها بدراسات أكاديمية، أشار المتحدّث إلى الشهيد مصطفى بن بولعيد، بن يوسف بن خدة، عبان رمضان، سويداني بوجمعة، الأمين دباغين، العقيد عميروش، سي امحمد بوقرة وغيرهم..
وذكر مولود قرين أنّه إلى جانب دراسة الشخصيات والسير والتراجم، اهتمّ الباحثون الجزائريون بالتاريخ المحلي للثورة التحريرية، وذلك بدراسة الولايات والمناطق الثورية من كلّ الجوانب اعتماداً على الشهادات الحية بالدرجة الأولى، وعلى بعض الوثائق الأرشيفية بالدرجة الثانية، لافتا، إلى أنّه تقريبا كلّ منطقة من المناطق التاريخية في الجزائر أنجزت حولها عدّة رسائل، منها مثلا رسالة الباحث “سايح مصطفى” الموسومة بـ«العمليات العسكرية في الولاية الرابعة من خلال التقارير الجهوية من 20 أوت 1955 إلى 20 أوت 1956”، نوقشت بجامعة الجزائر، ورسالة ماجستير للباحثة حسيني عائشة المعنونة بـ«الثورة بالمنطقة الأولى من الولاية الرابعة 1954- 1958” نوقشت بجامعة الجزائر. ورسالة كركب عبد الحق حول المنطقة الخامسة بالولاية الخامسة نوقشت بجامعة سيدي بلعباس.
وقال المتحدّث: “لعلّ أبرز الدراسات التي تناولت ما تعلّق بمسائل القيادة والتنظيم السياسي والعسكري للثورة التحريرية، رسالة ماجستير للباحثة شتواح حكيمة بعنوان: المبادئ التنظيمية للثورة الجزائرية 1958- 1962م، وأبز رسالة تناولت الجوانب التنظيمية للثورة الجزائرية بعمق رسالة دكتورة للباحث خيثر عبد النور، تحت عنوان: تطور الهيئات القيادية في الثورة التحريرية 1954م- 1962م، تناول فيها بالدراسة والتحليل الهيئات والمؤسّسات القيادية في الثورة التحريرية منذ تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954م إلى غاية استعادة السيادة الوطنية.”
وأضاف أنّ موضوع التنظيمات الجماهرية ودورها في دعم الثورة الجزائرية ألهم هو الآخر كثيرا من الباحثين والمؤرخين، خاصّة الاتحاد العام للعمال الجزائريين واتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، فبالنسبة لاتحاد العمال، أنجز الباحث آيت مدور رسالة تحت عنوان “الحركة النقابية المغاربية 1945- 1962 الجزائر وتونس نموذجا”، خصّص فيها حيّزا معتبرا للاتحاد العام للعمال الجزائريين ودورهم المحوري في الثورة التحريرية. وكذلك رسالة دكتوراه الباحث خيثر عزيز بعنوان “العمل النقابي في الجزائر” نوقشت بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة.
أما عن دور الطلبة، فأوضح قرين أنّ أهم ما نوقش في الموضوع دكتوراه دولة قدّمها الأستاذ أحمد مريوش بعنوان “الحركة الطلابية ودورها في الحركة الوطنية والثورة التحريرية”، توصّل من خلالها إلى مجموعة من النتائج، لعلّ أبرزها أنّ النضال الطلابي في الجزائر لا يقتصر على إضرابهم التاريخي فقط في 19 ماي 1965 وإنّما قدّموا خدمات جليلة للحركة الوطنية الجزائرية منذ بداية الاحتلال إلى غاية استعادة السيادة الوطنية.
كما أشار، إلى أنّ هناك دراسات اختصّت في موضوع الأدبيات، خاصّة الجرائد والإعلام بصفة عامة، وكذلك مواثيق الثورة الجزائرية، فقد نوقشت رسائل حول جريدة “الشعب” و«المجاهد”، و«المقاومة”، ودور الإذاعة. ومن أبرز الدراسات التي تناولت المواثيق وحلّلتها دراسة الباحث قاسمي يوسف بعنوان مواثيق الثورة الجزائرية (1954- 1962).
رســـــائــــل وأطــــروحـــات جـــامـــعـــيـــة فـــرنـــســـيــــة
ذكر الدكتور مولود عويمر في مقال نشره بجريدة “البصائر”، أنّه ليس من السهل إحصاء كلّ الرسائل الجامعية - بجميع أنواعها - التي تناولت موضوع الثورة الجزائرية.
وأشار إلى أنّ الباحثين الجزائريين هم الذين دشّنوا الدراسات حول الثورة الجزائرية، حيث قدّموا في بداية السبعينيات أطروحات في الجامعات الفرنسية، وهم: سليمان الشيخ (غرونوبل، 1975)، محمد تقية (باريس 8، 1976)، ومحمد حربي (باريس 1، 1977). ثم تعاقبت الرسائل بخطوات ثقيلة، ولم تعرف نفسا جديدا إلا في الثمانينيات مع وصول اليسار إلى الحكم، فظهرت رسائل تناولت مواقف الحكومات أو الأحزاب اليسارية من الثورة الجزائرية، وكانت أغلب الأطروحات نوقشت في جامعة باريس بجميع فروعها.
ولفت عويمر إلى أطروحات في التاريخ المحلي اهتمت بأصداء الثورة التحريرية في مناطق مختلفة من فرنسا، مثل نور با دو كالي (جون رنيه جونتي، باريس 1، 1983)، اللورين (طار زهرة، متز، 1987). كما اتجهت البحوث نحو استثمار أرشيف الإنتاج السمعي البصري في إعداد الرسائل الجامعية في هذا المجال، وخاصّة على مستوى جامعة باريس 8 ( كيكنير ترامور، جامعة باريس 8، 2007، ماري شومينو، باريس 8، 2008، روبير دفيزاك، تولوز 2، 2008).
وأوضح مولود عويمر، أنّ الثورة التحريرية حظيت باهتمام جامعة “مونبييليه” التي كانت تمثل قطبا مختصّا في التاريخ العسكري بحكم الطبيعة العسكرية للموضوع، باعتبار هذه الثورة من كبرى الحروب في القرن العشرين، فأنجزت في رحابها رسائل جامعية كثيرة تعمّقت في البحث حول الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني من جوانب مختلفة، ووصل حجم إحدى هذه الرسائل التي أنجزها الباحث فريدريك ميدار، تسعة مجلدات، تناولت بالتفصيل تاريخ الجيش الاستعماري في الجزائر بين 1953 و1967.
كما لفت عويمر، إلى أنّ الباحث “هنري فيرو” قدّم أطروحة دكتوراه حول “دور الوحدات المظلية أثناء الثورة التحريرية”، بينما قدّمت الباحثة دليلة آيت الجودي رسالة دكتوراه حول “صورة المحاربين الفرنسيين في مخيال المجاهدين، من خلال التركيز على نماذج مختارة في الولاية الثالثة التاريخية”. واهتمّ الباحث “رجيس شومبوردو” بدراسة مخطّط شال. ودرس الباحث محمد قنطاري “التنظيم السياسي والإداري والعسكري للثورة”.
«وباستثناء ستورا وبرفيي اللذان اهتما بالنخبة السياسية والعسكرية الجزائرية، فإنّ معظم الشخصيات التي صنعت الأحداث بين 1954 و1962 لم تحظ بدراسة الباحثين، خلافا لاتجاهات البحث التاريخي في الجامعة الجزائرية”، يقول عويمر.
كـــتــــب ومـــؤلّــــفـــــات..
أكّد مولود عويمر أنّ الكتابة التاريخية في مجال الثورة الجزائرية عرفت تطوّرا كبيرا، فنشرت آلاف من الكتب والبحوث وما تزال المطابع تطبع لم يمسسها لغوب. وقال: “نجد على رأس هذه الكتب الرسائل الجامعية وبحوث المؤرخين وأعمال الملتقيات والندوات والمذكرات الشخصية دون أن ننسى الروايات الأدبية التي تستلهم أحداثها وأبطالها من وحي الثورة التحريرية.”
ومن القضايا التي اهتمت بها هذه المؤلّفات - يضيف عويمر- “قمع الشرطة الفرنسية للمظاهرات السلمية للجزائريين في شوارع باريس يوم 17 أكتوبر 1961، والتعذيب الذي مارسه الجيش وأعوان الأمن على المعتقلين الجزائريين في السجون والمعتقلات المختلفة عبر التراب الجزائري. التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر ومازالت تأثيراتها الإشعاعية قائمة تشكّل خطرا على السكان والبيئة، إضافة إلى مكانة (الحركى) في تاريخ فرنسا المعاصر والبحث عن حقوقهم المدنية الكاملة. اعترافات العديد من الجنود الفرنسيين بأخطائهم أو جرائمهم التي ارتكبوها في الجزائر أو شاهدوها فلم ينهوا عنها، وما ترتّب عن ذلك من أزمات نفسية ومرضية رافقتهم طوال حياتهم بسبب الشعور بالذنب تجاه الضحايا الأبرياء.”
دوريـــــات أكـــاديمـــيـــة فـــرنــســــيـــة
أشار عويمر إلى أنّ كثيرا من المجلات التي تهتم بالتاريخ المعاصر، تصدر بفرنسا، منها الموجّهة إلى العامة وأشهرها Historia و L’Histoire ويكتبها المختصّون من المؤرّخين والعسكريين بأسلوب سهل، وتضمّ صورا كثيرة تجذب الناظرين.
أما المجلات الأكاديمية، فذكر منها “المجلة الفرنسية لتاريخ ما وراء البحار” التي نشرت مجموعة من البحوث القيّمة عن الثورة الجزائرية بأقلام أكبر المختصّين الفرنسيين في هذا المجال. وتنشر المجلة باستمرار عروضا نقدية مختصرة لآخر الإصدارات التي تتعلّق بالثورة التحريرية.
وقال مولود عويمر إنّ مجلة “القرن العشرين” التي يصدرها معهد الدراسات السياسية بباريس، فتحت صفحاتها لكلّ الباحثين المهتمين بتاريخ الجزائر المعاصر.. فكتبت المؤرخة سيلفي تينو “مولود فرعون أديب في الثورة الجزائرية”، وعالجت آن ماري دورنتو- كرابول “مواقف جريدة الكفاح (Combat) من الثورة الجزائرية”، وكتب بيير فيدال ناكي عن ذكرياته عن الثورة ومساندته لها، وغير ذلك من مقالات وبحوث نفيسة لآجرون وستورا وبرفيي وجون- بيير ريو، وجون- فرانسوا سرينيلي…الخ.
وتتميّز هذه المجلة بعروضها الدائمة للكتب الجديدة في تاريخ الجزائر المعاصر، وقد استفادت الثورة الجزائرية من عروض نقدية لمعظم ما صدر حولها من مؤلّفات. كما فتحت منبرا للنقاش بين المؤرخين حول إشكاليات متعدّدة حول هذا الموضوع مثل: أهمية الأرشيف المنشور حديثا، جرائم التعذيب، عدد القتلى خلال الثورة، الشهادات الشفوية وقيمتها التاريخية..”.
وأوضح عويمر أنّ مجلة “الحروب العالمية والصراعات المعاصرة” التي تصدرها اللجنة التاريخية للحرب العالمية الثانية نشرت مقالات عن الثورة التحريرية، باعتبارها من أكبر الحروب في القرن العشرين، وقد كتبها المختصّون في القضايا العسكرية والاستراتيجية وكذلك المؤرخون خاصّة “جاك فاليت” الذي عالج أحداث ساقية سيدي يوسف، الحركة المصالية في الجزائر، آثار الثورة التحريرية في تونس وغيرها من الدراسات، حاول من خلالها إثبات نظريته حول الثورة الجزائرية.
ثـــــورة الـــــتــــحــــريــــر
في الـــكـــتــــابـــــات المـــصـــريـــــة
من جهة أخرى، أشار الدكتور محمد قويسم في مقال نشر بكتاب طبع حول أعمال الملتقى الوطني “الثورة الجزائرية في الكتابات العربية والأجنبية”، إلى وجود أكثر من عشر كتب حول الثورة الجزائرية ألّفها مصريون، وتعتبر من المصادر الهامّة في تاريخ ثورة أول نوفمبر منها: كتاب لسعد زغلول فؤاد بعنوان “عشت مع ثوار الجزائر” كتبه بعد دخوله الجزائر وحضوره عدّة معارك في عنابة ومعسكر، وكتاب لـشعبان محمد حسين: “90 يوما في الجزائر، تاريخ الثورة الجزائرية في سطور”، وهذا الكتاب أيضا “جولة ثلاثة أشهر مع المجاهدين”، سجّل فيها المؤلّف أحداث الثورة بالتفصيل، ومؤلّف لمحمود قاسم “الإمام عبد الحميد بن باديس.. الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية”. إضافة إلى كتاب فتحي الديب بعنوان “عبد الناصر وثورة الجزائر”.