في ظلال طوفان الأقصــى

معتقل سدي تيمان.. الأسوأ في التاريخ..

بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

اسمٌ جديدٌ ربما لم يسمع به كثيرون، ولا يعرفون عنه شيئاً، ولا يدرون ما هو، ولا إلام يشير، لكنه بدأ يظهر بقوةٍ في وسائل الإعلام الصهيونية والفلسطينية، ويتبادله الفلسطينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويسلطون الضوء عليه كواحدٍ من أسوأ السجون والمعتقلات الإسرائيلية منذ سني الاحتلال الأولى، ويتحدثون عنه بنوعٍ من الخوف والرهبة تذكرنا بالسجون الأمريكية الرهيبة، سيئة السمعة والصيت، كسجن قاعدة بانجرام في أفغانستان، وأبو غريب في بغداد، وغوانتانامو في كوبا، التي مارس فيها الأمريكيون ضد أبناء المنطقة الأصلاء وضيوفهم، أسوأ أشكال التعذيب والتحقيق والإهانة، والاغتصاب والإعدام، وقتلوا فيها الآلاف منهم بالتعاون مع حلفائهم الإنجليز.

لعلّها الحادثة الشهيرة التي جرت خلف أسلاكه الشائكة وأسواره العالية، وظهر فيها جنودٌ صهاينة يرتكبون جريمتهم البشعة ضد معتقلٍ فلسطينيٍ أعزلٍ، مقيد اليدين  معصوب العينين، جردوه من ثيابه، وعذبوه وضربوه وحاولوا اغتصابه، وصوروا أنفسهم وهم يرتكبون الجريمة ضده، وتباهوا بفعلتهم ولم يخجلوا منها، ونشروا صورهم ولم يخشوا المحاسبة والسؤال، أو التحقيق والاستجواب، والمحاكمة والعقاب، كانت السبب في الكشف عن هذا السجن الجديد، والمعتقل السيء الذي يبدو أنه أشدّ من الباستيل الفرنسي، الذي ينفذ فيه العدو جرائم الإعدام بالمقصلة وإن بأشكال مختلفة.
سدي تيمان معتقل صهيوني جديدٌ، سبق القديمة وتجاوزها، وغطى عليها ونافسها، افتتحته سلطات الاحتلال الصهيوني في صحراء النقب جنوب فلسطين، قريباً من سجن نفحة ومعتقلات النقب القديمة التي يتشابه معها في الخيام المنصوبة تحت الشمس اللاهبة، وفي عرض الصحراء القاحلة، ولا تقي من قيظ الصيف ولا من قرّ الشتاء، ولا تحمي من الشمس الحارقة ولا من الأمطار الساقطة، وتشكل - بظروفها القاسية ومكانها القاصي البعيد - نوعاً من التعذيب المستمر والمعاناة الدائمة، حيث التعذيب المتواصل والتحقيق المستمر، والمعاناة الدائمة، والحرمان المطلق، وسادية الجنود، وحقد الحراس، وتعليمات الإدارة المفرطة في العنف والقسوة.
نقلت صحيفة هآرتس الصهيونية في معرض حديثها عن معتقل سدي تيمان، أن حراس السجن يقيدون الأسرى بالسلاسل والأغلال، ويعصبون عيونهم بأكياس خشنةٍ سميكة تغطي رؤوسهم، أو بعصباتٍ مشدودة على عيونهم لساعاتٍ طويلةٍ من الليل والنهار، ويجمعونهم عراةً خلف الأسلاك الشائكة في مجموعاتٍ كبيرةٍ، ويجبرونهم على جلوس القرفصاء لساعاتٍ طويلة، أو الوقوف على قدمٍ واحدةٍ وأيديهم فوق رؤوسهم لفتراتٍ طويلةٍ لا يقوى على احتمالها أحد، ويشغل الجنود أوقاتهم في تعذيبهم، ويتنافسون في إلحاق الضرر بهم، ويتراهنون على صراخهم وألمهم، أيهم يعلن استسلامه وعدم قدرته على الاحتمال قبل الآخر.
أغلب الأسرى والمعتقلين في معتقل سدي تيمان هم مرضى وجرحى، ومصابون يعانون، وجرحى ينزفون، وبعضهم من الذين بترت أطرافهم فلا يمشون، أو فقدوا عيونهم فلا يبصرون، وجميعهم قد نقلوا إليه من ميدان المعركة في قطاع غزة، حيث يقوم جيش العدو بجمع عامة الفلسطينيين، واقتحام مناطق الإيواء وتجمعات اللاجئين، وينتقي منهم من يشاء ويسوقهم إلى مراكز الاعتقال المختلفة.
ولا يبالي جيش العدو باعتقال الجرحى والمرضى والمسنين، والنساء والأطفال وعموم الفلسطينيين، بل يتعمّد اعتقالهم، ويزجّ بهم عراةً في شاحناتٍ ويطلق النار على كثيرٍ منهم، ويتركهم على حالهم ينزفون، ويمتنع عن إسعافهم أو تقديم العلاج لهم، ويتركهم على حالهم يعانون، أو يطلق سراحهم في المناطق الخطرة ويقتلون، وتبقى أجسادهم ملقاة على الأرض لأيام طويلة قبل أن تصلهم طواقم الإسعاف والدفاع المدني أو عامة المواطنين لدفنهم.
كأنه لا يكفي الصهاينة معتقلاتُ النقب الكبيرة، ولا سجون نفحة وبئر السبع وعسقلان، وشطة وكفار يونا والمسكوبية، والرملة وعوفر والدامون وغيرها، التي كان ولا يزال يمارس فيها العدو الصهيوني أشد أنواع التعذيب والعزل والقمع والحرمان، ضد آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بمن فيهم الصبية والأطفال، والمرضى والمسنين والنساء، حتى بنوا لنا سجون جديدة، وافتتحوا معتقلاتٍ أكثر سوءً من سابقاتها، ليزجوا بها بأكثر من خمسة عشر ألف معتقلٍ فلسطينيٍ جديدٍ، من أبناء قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر من العام الماضي، وينفذوا فيها عمليات التصفية والإعدام، والتعذيب والإهانة، بعد سلسلة من عمليات التحقيق القاسية التي تفضي إلى الموت.
لا يقترف الجنود والحراس الصهاينة جرائمهم ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بعيداً عن عيون مسؤوليهم، وبمعزلٍ عن تعليمات قيادتهم، أو مخالفين لسياسة حكومتهم، فهم بلا شكّ مريضةٌ نفوسهم، وعفنةٌ أخلاقهم، ومنحرفة فطرتهم، وشاذةٌ سلوكهم، وحاقدةٌ قلوبهم، ويمارسون أفعالهم الخبيثة وأعمالهم الدنيئة انطلاقاً من أنفسهم وتعبيراً عن ذاتهم، لكن حكومتهم ترعاهم، وقيادتهم تؤيدهم، وجيشهم يسهل عليهم، ووزير أمنهم الوطني يشرع لهم جرائمهم، ويتابع تعاملهم معهم، ويتفقدهم دائماً ليتأكد من خشونة تعاملهم، وقسوة إدارتهم، وأنهم لا يتساهلون مع الأسرى، ولا يقدمون لهم شيئاً يخفف عنهم، فلا طعام يكفيهم، ولا دواء يسكن ألمهم، ولا علاج ينهي أوجاعهم، ولا حقوق تؤدى إليهم، فهذه سياسة حكومة وطبيعة شعب، وسلوكٌ عامٌ وفهمٌ مشتركٌ، لا تتغير ولا تتبدل حتى لو تغير مسؤول وجاء آخر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024