خرجت مدينة دورا، جنوب الخليل، عن بكرة أبيها، شيوخاً ورجالاً ونساء وشبانا وأطفالاً، بعد منتصف الليل لاستقبال أسيريها المحررين راتب حريبات ومحمود أبو صالح، بعد قضاء محكوميتيهما (22 عاماً) في سجون الاحتلال، في تحدٍّ للاحتلال الذي تعمّد عرقلة ومماطلة الإفراج عنهما ساعات طويلة، لتنغيص فرحة تنسمهما الحرية، بفرض قيود صارمة ومنع أي تجمعات أو احتفالات شعبية.
قال الأسير الحريبات إنه كان دخل سجون الاحتلال، وعاد من حيث اعتُقل، وعاد إلى نفس المكان الذي عاش فيه، مشيراً إلى أن الأشهر العشرة الأخيرة تُجمل وتلخص تجربة الحركة الاسيرة على امتداد سنوات طويلة، فهي تعيش حالة مأساوية وصعبة جداً، فالسياسية المتبعة حالياً داخل سجون الاحتلال هي سياسية التجويع وسياسة القتل العمد، وليس الإهمال الذي هو غير موجود، بل هو قتل عمد وقتل طبي ومساس بالكرامة الإنسانية.
وأشار إلى أنّ رسالة الأسرى الأولى أنهم يطالبون بحريتهم وهي أسمى من كل شيء، والرسالة الثانية هي رسائل شخصية تتعلق بالأسرى من أجل الاطمئنان على أهلهم وذويهم، داعياً المجتمعات والمؤسسات الدولية وحقوق الإنسان إلى زيارة الأسرى، خاصة في سجن النقب الذي لم تزره أي مؤسسة حقوقيه أو إنسانية أو دولية منذ السابع من أكتوبر للاطمئنان على الأسرى، رغم استشهاد 57 شهيداً داخل الحركة الاسيرة نتيجة الاعتداءات والضرب والإهمال وحالة الاكتظاظ التي يعيشها الأسرى داخل الغرف وفي الأقسام، موضحاً أن الغرفة التي تتسع لخمس أسرى يوجد فيها أكثر من 15 أسيراً، وهذه الحالة الهائلة من الاكتظاظ في ظل انتشار الامراض المعدية، ونقص في التغذية والادوية ونقص في الملابس والمياه.
لم تمـر
وأوضح حريبات أنهم عاشوا على مدار أكثر من 6 أشهر بدون ماء، وأُجبروا خلال ساعة واحدة من الساعة 2-3 على الاستحمام والشرب وغسيل الألبسة التي تمت مصادرتها سوى لبسة واحدة ومصادرة كل مقتنيات الأسرى وإتلافها، مشيراً إلى أن الشهيد ثائر أبو عصبة حقن من دماء الأسرى نتيجة ضرب الضباط الذين كانوا يتباهون ويتفاخرون بالتنكيل به، مؤكداً أن هذه الأوضاع المأساوية للأسرى لم تمر على الحركة الأسيرة على مدار سنوات طويلة.
تجربة وصور مشرقة عاشها حريبات وأبو صالح أمام جنرالات الحركة الأسيرة وشهدائها، وعلى رأسهم الأسير الشهيد وليد دقة، المفكر والكاتب والاديب، موضحاً أن التجربة العلمية التي قادها القائد مروان البرغوثي، وكانت محطات مشرقه يصنعها الأسرى رغم الألم والظلم والظلام الدامس، الذي يمارس بحق الحركة الاسيرة التي كانت دائماً ترى أن هناك نقطة ضوء في آخر النفق.
واختصر الحريبات تجربة الأسر بتجربتين مهمتين، التجربة ما قبل الأخيرة وهي داخل مستشفى الرملة الذي يسمى مقصلة الرملة وبناية الموت، فمن يدخله على قيد الحياة يخرج منه إما بمرض عضال وإما باستشهاد، حيث كانت محطة مهمة له يفتخر بها، إذ إنه كان خادماً للأسرى المرضى، وعلى رأسهم الشهيد خالد الشاويش والشهيد كمال أبو وعر والشهيد سامي أبو دياك وبسام السايح والعديد من شهداء الحركة الاسيرة، الذين ارتقوا في هذه المقصلة.
واستحضر الأسير المحرر الاغتيال الطبي، لأنهم في هذا المكان لم يروا وجوداً للون الأبيض، وقد كتب بعض القصص حوله، وأصدر كتاباً بعنوان “لماذا لا أرى الأبيض؟”، الذي يرمز إلى السلام والطمأنينة والأمن والأمان، موضحاً أنهم كانوا يرون الطبيب داخل هذا المبنى بدور السجان ولم يكن يمارس دور الطبيب، مؤكداً أنها محطة مؤلمة، حيث كان الأسرى يدفعون الثمن فيها.
الانـقـلاب الأسـوأ
ووصف الحريبات المحطة الثانية، والتي هي تجربة 7 أكتوبر، بانقلاب الحركة الأسيرة إلى الأسوأ، وهي انقلاب حضور النازيين الجدد في داخل السجون، وكان الأسرى خط الدفاع الاول بمواجهة السجان والاحتلال، وتعرضوا لعمليات القتل والمساس بكرامة الإنسان والمساس بحقوقهم بكل مستويات الحياة، فكانت الحركة الاسيرة تعيش ظروف قهرية قاسية.
ويختلج الأسير حريبات الخوف والقلق على حياة الأسرى المعزولين والمرضى والأشبال والاسيرات الذين يجهلون أي معلومة عنهم بداخل السجون، كما لا يعلمون أي معلومة عن الخارج، وكل أسير يفتقد أي معلومات عن أهله، موضحاً أنه خلال الأشهر العشرة لم يكن لديه أدنى معلومة عن أهله، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الأسرى، فهناك من فقد أهله وهو من ضمن الذين فقد والديه وشقيقته في ظل وجوده في الأسر، مطالباً بتكثيف زيارة المحاميين للأسرى، وتحديداً في سجن النقب، الذي يتعرض لأبشع أنواع القمع وأساليب التجويع، موضحاً أن سياسة التجويع لم تمر بتاريخ الحركة الاسيرة ومس بالكرامة، لافتاً إلى أن أغلب الأسرى فقدوا من أوزانهم أكثر من 30 كيلوغراماً بسبب قلة الاكل، وهي سياسة لم تمارس بتاريخ الحركة الأسيرة.
عـبـارة عن خلـيـط
وأوضح أن سياسة حكومات الاحتلال المتعاقبة، وهي حكومات متطرفة، لا تزال ترتكب المجازر المتواصلة بحق شعبنا، بدون تفريق بين يمين ويسار ووسط، مشيراً إلى أن الفترة الأخيرة منذ تسلم بن غفير الأمن القومي وهو يلوح بإجراءات قمعية قبل السابع من أكتوبر.
حـالــة خـاصـة
واعتبر الحريبات سجن النقب الذي عاش فيه الفترة الأخيرة بعد نقله من سجن نفحة، “حالة خاصة، والممارسات القمعية لا يمكن وصفها، مؤكداً أن الحكومة الصهيونية العنصرية المتطرفة مارست كل أساليبها في التعذيب والقمع والتجويع، ولكن معنويات الأسرى رغم كل هذه الحالة معنويات عالية تستمد من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وفي كل مكان”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الجماهير التي استقبلته ورفيق دربه الأسير محمود أبو صالح دليل على دعم الشعب الفلسطيني لأسراه.