مع التنصيب المرتقب لأعضاء اللجنة الوطنية لتوجيه الدعم الاجتماعي، تكون عملية إصلاح هذا الملف الذي أثار جدلا واسعا وأسال الكثير من الحبر، قد انطلقت فعليا، لتصويب دعم مخصص للفقراء كان يستفيد منه الأغنياء أكثر.
وينتظر من اللجنة ضبط الآليات والميكانيزمات التي تعيد توزيع الدعم العمومي على مستحقيه، دون المساس بجوهر السياسة الاجتماعية للدولة.
اللجنة الوطنية لإعادة توجيه الدعم الاجتماعي، تتكون من سياسيين، خبراء، ممثلي المجتمع المدني، وممثلي قطاعات وزارية، وهي ليست المرة الأولى التي يتيح فيها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الفرصة لمختلف الفاعلين والمنظمات والهيئات للمساهمة في وضع القرارات التي تهم المجتمع، أو الوطن، فقد سبق وأن فتح عدة مشاورات سياسية، اقتصادية واجتماعية، حول قضايا هامة ومصيرية، من بينها تعديل الدستور، برنامج الإنعاش الاقتصادي، في خطوة تعكس مدى تفتح القرار السياسي، مثلما أبرزه رئيس حزب جيل جديد، الذي قال في تصريح لـ «الشعب»، «تعودنا عندما تكون قرارات تهم كل المجتمع، يتم إشراك الطبقة السياسية والاستماع إلى رأيها وهذا أكثر تفتح للقرار السياسي، في الأمور التي تهم الجميع».
واعتبر مبادرة السلطة «مهمة» في انتظار ضبط الأمور التنظيمية والهيكلية، والتقدم بمعطيات ومعلومات كافية لتحديد الاتجاه العملي والمنهج قبل كل شيء، ولكن هذا لم يمنعه من تقديم بعض المقترحات، حيث أكد ضرورة أن تتبنى هذه الخطوة «مبادئ واضحة»، حتى «يكون عدل في المجتمع، والضعيف يبقى دائما تحت حماية الدولة». فمن غير المقبول، بحسبه، «أن تبقى شريحة من المجتمع أسيرة الفقر المدقع، لذلك نرغب الأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الاجتماعي، في نفس الوقت يجب الخروج من التفكير في توزيع الريع وفقط، بإيجاد توازن، وهذا ما يفترض أن تعمل اللجنة المنتظر تنصيبها على تحقيقه في الأيام القليلة القادمة».
أما نائب رئيس حركة البناء الوطني عبد السلام قريمس، فذكر أن ملف التحويلات الاجتماعية، وسياسة الدعم المتبعة لحد الآن أثارت جدلا ونقاشا واسعين وعليها ملاحظات كثيرة وتكاد، بحسبه، «تجمع النخب والطبقة السياسية والشركاء الاجتماعيين على الاختلالات الكبيرة في الآليات المتبعة والتي وفرت بيئة مناسبة للفساد من جهة، وعدم وصول الدعم لأصحابه في ظروف شفافة».. وأمام هذا الوضع يقول «الجميع يطالب بإعادة النظر في هذه السياسات وفي الآليات حتى نضمن وصول الدعم لأصحابه».
وأشار قريمس إلى أن حركة البناء الوطني، سبق وأن قدمت رؤيتها في هذا الموضوع في برنامجها الانتخابي وعبرت عن مواقفها»، فكلفة الدعم المباشر للمواد واسعة الاستهلاك، بحسب الحركة، استنزفت الخزينة العمومية طيلة عقود من الزمن، وحان الوقت لمراجعة آليات توجيه الدعم العمومي للعائلات المعنية مباشرة، لقطع الطريق على الانتهازيين والمهربين، لأن الكثير من المواد المدعمة أصبحت تهرب على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، مضيفة أعباء أخرى لميزانية البلاد.
وأكد قريمس، أن حركة البناء ستشارك في هذه اللجنة الموسعة للمساهمة بما لديها من رؤى ومقترحات ونعمل على تصحيح الاختلالات المسجلة من فترة طويلة، معربا عن أمله في أن تتوج هذه الورشات بما يعود بالنفع على المواطن والوطن.
نقطة البداية
يسود جدل حول الآليات التي ستعتمد من أجل ضبط توجيه الدعم وتوزيعه على مستحقيه. ولكن السلطات سارعت في أكثر من مناسبة إلى التأكيد أن الأمر يتعلق «بمراجعة» وليس «تراجع» عن أحد مبادئ الدولة الجزائرية. وقال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في لقاءات إعلامية مع وسائل الإعلام، إن «الدعم الاجتماعي لم ولن يرفع عن الجزائريين الذين يستحقونه وهذا عهد الشهداء». وأعلن عن تنظيم لقاءات ونقاشات وطنية من أجل توجيه آليات الدعم لمستحقيه، دون غيرهم.
أما الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان فقد واجه مخاوف ممثلي الشعب بالبرلمان بالقول، «كلمة رفع الدعم الاجتماعي من المحرمات» ولكن هناك «فلسفة جديدة للدولة للتعامل مع الدعم الاجتماعي، بتوجيهه نقدا للأسر المؤهلة والطبقة الهشة والمتوسطة، من أجل حماية قدرتها الشرائية وصون كرامتها، وسيكون ذلك بعد تحديد المستوى الذي ينطلق منه الدعم من قبل جهاز خاص».
ويقترح المحلل الاقتصادي إسحاق خرشي، في تصريحه لـ «الشعب» أن يتم رفع الدعم بشكل تدريجي، على أن يشمل في البداية السفارات والدبلوماسيات والشركات الأجنبية الناشطة في الجزائر، من خلال رفع الدعم عن أسعار الطاقة (الكهرباء، الغاز...إلخ من خلال تغيير العدادات)، ثم المواد التي لا ترتبط بشكل مباشر باحتياجات المواطن الجزائري، خاصة ذات الاستهلاك الواسع، لنصل في الأخير إلى المواد الغذائية، كل هذا بشكل تدريجي على مدى سنوات وليس في ظرف سنة واحدة، ومراعاة رد الفعل الداخلي في كل مرة ومعرفة كيفية احتواء الوضع.
وبخصوص الميكانيزمات والآليات التي تسمح بالوصول إلى ذلك، فقال «يتم ذلك من خلال إعداد بطاقية وطنية يتم فيها إحصاء مختلف الفئات التي تستفيد من المنحة، ويتم هذا من خلال الاستعانة بالبيانات التي تقدمها مصالح الضمان الاجتماعي لتصنيف المستفيدين حسب الدخل».
صعوبات الانتقال والتطبيق
يرى خرشي، أن عملية رفع الدعم عن غير مستحقيه قد تصطدم بـ7 عراقيل، وهي كيفية التعامل مع البطالين الذين يتقاضون منحة البطالة وكيف سيتم تصنيفهم، وأيضا الأشخاص الناشطين في السوق السوداء، والمسجلين لدى الدولة كمعوزين، بسبب عدم التصريح بنشاطهم، فضلا عن عدم تقبل البعض قرار رفع الدعم بالرغم من المنحة التي قد يتقاضونها، وغياب البيانات عن الممتلكات للأثرياء والتجار، وغياب مفهوم الدخل الضعيف، بسبب تباين وارتفاع الأسعار في كل مرة، وبالتالي فالمنحة يجب أن تظل مفتوحة وخاضعة للتعديل حسب واقع السوق، فضلا عن عدم إعداد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لحد الساعة لدراسة دقيقة حول رفع الدعم وغياب إحصائيات الديوان الوطني للإحصائيات.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية
يوضح المحلل الاقتصادي، أنه من المتوقع أن يكون لرفع الدعم قيمة اقتصادية ومنفعة اجتماعية، بحيث يخفف الضغط على ميزانية الدولة التي يكلفها كل سنة حوالي 19 مليار دولار والتي تتسبب دوما في تعميق العجز الموازناتي، كما ستساهم منحة الدعم في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا الفئات الهشة وأصحاب الدخل الضعيف وهذا ما يقصد بتوجيه الدعم لمستحقيه.