3.5 مليار دولار فقط تصل إلى من يستحقها

إشراك البلدية في الإحصاء لتفادي المعلومات المغلوطة

فايزة بلعريبي

خصصت السلطات ولسنوات طوال، ما قيمته 17 مليار دولار موجهة للدعم؛ مبلغ تحملته بالرغم من ارتفاع تكلفة الاقتصاد العالمي، ما يكبد الخزينة العمومية خسائر معتبرة، خاصة وأن 20٪ فقط تصل إلى مستحقيها، في غياب منظومة إحصائية غير متكاملة ومعطيات السوق الموازية التي تخلط في كل مرة الأوراق بغموض معطياتها وخضوعها لقانون الفوضى.

قدّم الخبير الاقتصادي، هواري تيغرسي، لـ «الشعب»، تشخيصا للعراقيل التي يعرفها ملف الدعم في الجزائر. كما أوضح الآليات الواجب انتهاجها من أجل تطبيق فعال لسياسة توجيه الدعم الجديدة، التي تعتزم الدولة انتهاجها في المستقبل القريب.
بلغت التحويلات الاجتماعية المدرجة في ميزانية الدولة لسنة 2022، حسب التوقعات التي جاءت في قانون المالية لنفس السنة، 1942.0 مليار دينار، أي ما يمثل نسبة 8,4٪ من الناتج الداخلي الخام، مسجلة انخفاضا قدره 131.2 مليار دينار (-6,3٪)، مقارنة بقانون المالية التكميلي لسنة 2021.
كما سينخفض حجم التحويلات الاجتماعية المتوقعة في ميزانية الدولة من ما يقارب 24,0٪ في سنة 2021 إلى 19,7٪ في سنة 2022، بالإضافة إلى ذلك يظهر هيكل التحويلات الاجتماعية لسنة 2022، الحفاظ على حصة معتبرة من دعم الدولة للأسر والدعم الممنوح لقطاعي السكن والصحة لهذه الفئات الثلاث 62٪ من مجموع التحويلات.
وبلغ دعم الأسر 597.7 مليار دينار، بزيادة قدرها 8٪ مقارنة بقانون المالية التكميلي لسنة 2021، ما يمثل 31٪ من إجمالي التحويلات ويشمل هذا الدعم بشكل أساسي دعم أسعار المنتجات الأساسية (الحبوب والحليب والسكر وزيت المائدة بمبلغ 315.5 مليار دينار، ما يمثل حوالي 53٪ من الدعم الوجه للأسر و16٪ من إجمالي التحويلات).
 كما سيبلغ دعم قطاع السكن أكثر من 247 مليار دينار، مسجلا انخفاضا قدره 42٪، مقارنة بقانون المالية التكميلي لسنة 2021، وهو ما يمثل 13٪ من إجمالي التحويلات، في حين سيصل دعم الصحة في سنة 2022 إلى 361.1 مليار دينار، مسجلا انخفاضا قدره 9٪ مقارنة بقانون المالية لسنة 2021، وهو ما يمثل 19٪ من إجمالي التحويلات.
هذه الأرقام الضخمة، يقول تيغرسي، التزم رئيس الجمهورية بضمان ضخها لمستحقيها حفاظا على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية الذي يعتبر من الثوابت النوفمبرية التي لن تحيد عنها، أيّا كانت الصدمات الاقتصادية التي لا تزال تتحملها دون المساس بالمكتسبات الاجتماعية للمواطن الجزائري.
ويظهر التمسك بمبدإ الدولة الاجتماعية، بحسب تيغرسي، في المادة 188 من قانون المالية لسنة 2022، التي تنص على وضع جهاز وطني للتعويضات النقدية لصالح الأسر المؤهلة، المشكل خاصة من الدوائر الوزارية المعنية والخبراء الاقتصاديين المعنيين وكذا المنظمات المهنية.
وتنص على أن تتم مراجعة وتعديل أسعار المنتجات المدعمة بعد تحديد الميكانيزمات والإجراءات من طرف الجهاز المذكور بهدف تحديد التعويضات الموجهة لصالح الأسر المؤهلة للتحويلات النقدية المباشرة، على أن تعرض نتائج أشغال الجهاز الوطني في شكل مشاريع قوانين، على البرلمان بغرفتيه للبت فيها، لاسيما قائمة المنتجات المدعمة، المعنية بمراجعة الأسعار، فئات الأسر المستهدفة، معايير التأهيل للاستفادة من هذا التعويض وكذا كيفيات التحويل النقدي.
غياب منظومة إحصائية
أكد الخبير الاقتصادي تيغرسي، أن دعوة رئيس الجمهورية لتنصيب هذا الجهاز في أقرب الآجال، وإشراك ممثلي البرلمان بغرفتيه وتوسيع عملية إنجاح هذا المشروع، ليشمل الأحزاب السياسية وأرباب العمل والمتعاملين الاقتصاديين إلى جانب المجتمع المدني، هو عمل متكامل منسجم، يهدف إلى إخراج البلاد من الأزمة التي أبطأت من سرعة مسار بناء الجزائر الجديدة.
واعترف أن ملف الدعم في الجزائر، «معقد ويشكل عبئا ثقيلا على الدولة»، إذ لا يستفيد المواطن، بحسبه، إلا من قيمة ضئيلة من هذا الدعم لا تتجاوز 20%، بالرغم من أن قيمة الدعم الثابتة، المقدرة بـ17 مليار دولار، بقيت تتحملها الدولة لعقود من الزمن. غير أن عملية توجيه الدعم لم يكن بالشفافية ولا بالعدالة المنتظرة منها، كعملية تضامنية تهدف إلى تخفيف عبء ارتفاع الأسعار على المواطن البسيط، حيث غالبا ما تذهب التحويلات الاجتماعية لغير مستحقيها في غياب منظومة إحصائية غير متكاملة.
وأوضح أن إحصاء السكان كان يفترض إعداده منذ أكثر من 14 سنة، حيث تعتبر هذه العملية ضرورية كل 10 سنوات من أجل تكوين صورة واضحة عن المؤشرات الدقيقة لمكونات المجتمع من عنصر بشري وما يرتبط بها من مرافق اجتماعية واقتصادية وتحديد كل المؤشرات المطروحة على المستوى المحلي، الولائي وعلى المستوى الوطني من أجل إحصاء الإمكانات الاقتصادية للبلاد وتحديد كل المعطيات المتعلقة بالمنظومة الاجتماعية والمنظومة الاقتصادية والعمل على ضمان تكامل بين المنظومتين.
ويرى تيغرسي، أنه من الضروري إحصاء أجور ومداخيل الأسر وهي العملية التي لابد أن تتم بكل دقة للتمكن من الانتقال إلى إحصاء اقتصادي يشمل الهياكل القاعدية على المستوى المحلي، انطلاقا من نتائج الإحصاء الاجتماعي الذي يخص تطور السكان، مضيفا أن نجاح عملية توجيه الدعم لابد أن يستند إلى معطيات اقتصادية مهمة كنوعية المنتوجات المدعمة في الجزائر وقيمة الفاتورة المدعمة.
ولتفادي الأخطاء في رصد الأرقام وضبطها، لابد من تكثيف التنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية، على رأسها وزارة الداخلية من خلال دور البلدية في الإحصاء الشامل للتعداد السكاني، خاصة الطبقة البطالة المدعمة من طرف الدولة الجزائرية، مشيرا إلى أن العملية الإحصائية ستعرف خللا في مراحلها الأولى، حيث سنصطدم بمعلومات غير أكيدة بنسبة 50%، هذه النسبة ستتضاءل من سنة لأخرى كلما تطورت وتضاعفت نسبة التنسيق بين القطاعات الوزارية، وإرساء نظام رقمنة حقيقي، يضبط كل المعطيات المتعلقة بنشاط الأشخاص من حيث قيمة الدخل أو ممارسة لنشاط تجاري غير مدون.
وفي حال ثبوت ممارسة الشخص المتحصل على الدعم، لنشاط مواز، شدد تيغرسي على ضرورة التحلي بالصرامة من أجل استرداد الأموال المتحصل عليها من عملية الدعم، خلال هذه المدة، مستدلا بأمثلة عن بعض الدول الغربية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إلى نسبة دقة في البيانات تقدر بـ90% وهذا بفضل نظام معلوماتي دقيق يشمل العمليات التجارية أو الخدماتية للشخص وحركة أمواله في البنوك.
السوق الموازية تخلط الحسابات
يؤكد تيغرسي أنه يمكن للدولة تخفيض قيمة إجمالية من المبلغ الموجه للدعم المقدر بـ17 مليار سنويا، إذا تم تنسيق قطاعي جاد يحدد مستحقي الدعم بدقة، فمثلا 50% من المستفيدين من بطاقة الشفاء وخدمات الضمان الاجتماعي، ينشطون في السوق الموازية، ما يكبد خسائر للخزينة العمومية، وهذا ما تم تسجيله في السنوات الأخيرة وبالتالي فإن إرساء منظومة إحصائية دقيقة وتحقيق إصلاحات في المنظومة الاقتصادية وترقية القدرة الاجتماعية، استرجاع أموال من الاستثمارات ما سيمكن من ارتفاع قيمة الدخل الفردي وترقية القطب الاجتماعي وحده ما سيمكن من التخفيف من أعباء الخزينة العمومية التي أنهكتها تكلفة الدعم عبر سنوات متتالية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024