أحيت، أمس، ولاية بومرداس الذكرى 77 لمجازر 8 ماي الأليمة التي ارتكبها الجيش الاستعماري ضد أبناء الشعب الجزائري والمتظاهرين السلميين العزل، حيث امتزجت الفعاليات الرسمية بالنشاطات العلمية الأكاديمية التي بادرت إليها كلية الحقوق والعلوم السياسية لبودواو من اجل إعطاء الحدث بعدا فكريا وقانونيا من باب استحضار هذه الجريمة الإنسانية مكتملة الأركان والوقائع التي لا تعرف التقادم.
عادت أحداث 8 ماي 1945 لتنعش الذاكرة الوطنية من جديد وتنفض عنها غبار النسيان والاستكانة وتعيد ربط الماضي الأليم والوحشي للاستعمار الفرنسي بحاضر يأبى الاستسلام أو التخلي عن مطالب الاعتراف بحجم الجرائم الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الجزائري طيلة 132 سنة من الوجود، لكنها كانت أكثر فظاعة بتاريخ 8 ماي التي خلفت أكثر من 45 ألف شهيد في ظرف ثلاثة أيام، وبالتالي أثبتت فرنسا ذلك اليوم أنها دنست كرامة الشعب الجزائري قبل أن تدوس على القوانين والأعراف الدولية.
ويشكل اليوم البعد القانوني وتجديد مطالب الاعتراف والتعويض عن الجرائم المرتكبة حقا مشروعا لكل المناضلين الوطنيين والمثقفين الذين حملوا على عاتقهم مهمة تعرية فرنسا وكشف أفعالها الشنيعة أمام الرأي العام الدولي، من خلال كتاباتهم ودراساتهم التاريخية والأكاديمية المعمقة والمدعمة بالشهادات الحية والشواهد الثبوتية الموثقة عن المجازر المرتكبة يوم 8 ماي 1945 التي تبعتها مجازر وأعمال قتل متسلسلة امتدت حتى تاريخ الاستقلال.
هذه الإشكالية والانشغال الآني، كانت تقريبا محور اليوم الدراسي أو الندوة التاريخية التي احتضنتها كلية الحقوق والعلوم السياسية لبودواو، بالتنسيق مع مديرية المجاهدين، حيث تم تسطير مداخلات قيمة ارتكزت في مجملها على الأبعاد السياسية والقانونية لمجازر 8 ماي وحجم الانتهاكات المرتكبة ضد الشعب الجزائري والمتظاهرين العزل الذين خرجوا احتفاء بانتصار الحلفاء ومطالبة فرنسا الالتزام بوعودها وهو الاستقلال، لكنهم قوبلوا بوحشية وقتل عشوائي مع سبق الإصرار والترصد، وبالتالي فإن الوقائع ثابتة والجرم حاضر بقوة، بحسب المتدخلين، وبالإمكان تكييفه مع القانون الدولي الإنساني.
إلى جانب هذه الفعاليات الفكرية والأكاديمية، التي تبادر إليها الجامعة والمؤسسات الفكرية، تشكل نشاطات المؤسسات التعليمية والمجتمعية داعما إضافيا مهما لجهود مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن مجازرها في الجزائر تمهيدا للتعويض، وأيضا حماية الذاكرة الوطنية من ظاهرة النسيان أو النكران المتعمد وواجب ربط الجيل الحالي بماضيه التاريخي الحافل بالأمجاد والبطولات.