أستاذ القانون بجامعة غرداية فيصل رمون:

الجريمة لا تتقـادم ولا تسقط وفقـا للقانـون الــدولي الإنســاني

ورقلة: إيمان كافي

 استهل أستاذ القانون بجامعة غرداية الدكتور فيصل رمون حديثه مع «الشعب» حول مجازر 8 ماي 1945، بالاستشهاد بمقولة الشيخ البشير الإبراهيمي الشهيرة: «.. لو أنّ تاريخ فرنسا كتب بأقلام من نور، ثم كتب في آخر فصل من هذه الفصول المخزية بعنوان مذابح سطيف وقالمة وخراطة، لطمس هذا الفصل ذلك التاريخ كله.»
أوضح أنّ ما يهم هو التكييف القانوني لما حدث في ذلك اليوم، والذي تعدّدت المصطلحات حوله، فهناك من سماه بالحوادث، أو الانتفاضة، ومن يسميه بالمجازر، قائلا: «لكن ما يعبر حقيقة عن ذلك التاريخ هو مصطلح جرائم 8 ماي 1945»، وأشار إلى أنّ القراءة القانونية الواعية تتطلب الإحاطة بالموضوع من عدة زوايا.

- الشعب: ما هو القانون الدولي الإنساني الذي يحاول البعض الاعتماد عليه لإثبات مسؤولية فرنسا عن جرائم 08 ماي، وما مدى إمكانية متابعتها قضائيا

 الدكتور فيصل رمون: باختصار هو فرع من فروع القانون الدولي العام، وما هو إلا مجموعة من القواعد القانونية وضعت من أجل أغراض إنسانية، تبحث عن الحدّ من آثار النزاعات الحربية، فتحمي الأشخاص الذين لم يشاركوا في الحروب، والحدّ من الوسائل والطرق الحربية، ويمكن إرجاع أصول قواعد القانون الدولي الإنساني إلى حضارات سابقة وأديان سماوية، وهي تتجسّد في ديننا الإسلامي.
والقواعد الحديثة للقانون الدولي الإنساني تتجسّد في محورين أساسيين هما:
1/ يتعلق بحماية الذين لم يشاركوا في الحرب، وهم المدنيين، وكذلك العسكريين خارج المعركة –الجرحى والأسرى-، وهذا المجال يتضمنه خصوصا قانون جنيف.
2/يتعلق بتحديد حقوق والتزامات أطراف المعركة وتصرفاتهم خلال المعركة، وذلك للحد من الوسائل الحربية، ومنع استخدام أسلحة أو أساليب حربية من شأنها أن تسبب خسائر لا طائل منها أو تحدث الألم والمعاناة الشديدة، وهذا المجال يتضمنه خصوصا قانون محكمة «لاهاي».

- ما هي الآثار المترتبة عن خرق قواعد القانون الدولي الإنساني؟
 أهم تلك الآثار، السماح للمعتدى عليه بالرد على المعتدي، قيام المسؤولية الدولية للدولة الخارقة وتحمل نتائج ذلك وأيضا ترتيب عقوبات في حق مرتكبي الجرائم الدولية، إضافة إلى تعبئة الرأي العام الدولي عن طريق الإعلام ضد الدولة الخارقة، ناهيك عن أنّ خرق قواعد القانون الدولي الإنساني يشكل جريمة ضد الإنسانية.
وفي سياق متصل، لا بدّ من الإشارة إلى مفهوم الجريمة ضد الإنسانية والمقصود بها «تكريس وتعميق بدون فائدة لآلام الناس خارج المعركة، أو جعل موتهم لا مفر منه، فتكون تلك التصرفات ضد قوانين الإنسانية».

- بالعودة لما حدث في 08 ماي 1945، ما هو التكييف القانوني لهذه المجازر؟
 لمعرفة ذلك يكفي الإجابة عن التساؤل التالي: هل ما حدث في ذلك التاريخ يعد خرقا لقواعد القانون الدولي الإنساني؟ بمعنى هل يعد جريمة ضد الإنسانية؟ وهو ما سيتم توضيحه من خلال ما سيأتي من نقاش.
وقبل ذلك، نشير هنا إلى أنّ الاستعمار في حدّ ذاته جريمة، وما حدث في 08 ماي 1945 لا يشكل إلا حلقة من حلقات جرائم فرنسا ابتدأت منذ 1830.
ومن الملاحظات جدّ الهامة التي أود الإشارة إليها، هي أنّ الاستعمار هو إجرام مغروس في الفكر الفرنسي، وما حدث في 08 ماي ما هو إلا ترجمة لآراء تيار فكري غربي كان مهيمنا، ونظنه لا زال في صور أخرى.

- ما الذي اقترفه الاستعمار الفرنسي من أفعال تعدّ من قبيل جرائم ضد الإنسانية في هذا التاريخ، وهل يترتب عن ذلك مسؤولية؟
 في الحقيقة، اقترف الكثير وعديد الجرائم، لكن وفقا للنظرة القانونية، ومن زاوية الجرائم ضد الإنسانية نجد مثلا: التعدِّي على المدنيين والأهداف المدنية، وهو ما يشكل جريمة ضد الإنسانية والهجمات العشوائية غير التمييزية واستخدام الأسلحة التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها. يمكن الاستدلال على ذلك من خلال اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها.
 فمن خلال تلك الأفعال وغيرها يتأكد لدينا تحقيق الخرق لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتوفر أركان الجريمة ضد الإنسانية، فتلك الجرائم قام بها موظفون وعسكريون فرنسيون امتثالا لأوامر صادرة عن من يمثل الدولة الفرنسية ضد جزائريين مدنيين، من أجل تحقيق أهداف رسمية للدولة الفرنسية، وهو ما أفصح عنه العديد من جنرالات الاستعمار وموظفيه، وهي موثقة تاريخيا.
وعليه، تلك الجرائم وفقا لقواعد القانون الدولي، عموما ترتب المسؤولية الفردية للأشخاص الذين قاموا بها، وكذلك مسؤولية الدولة الفرنسية التي كانوا يمثلونها، ونجد هناك زاوية أخرى يمكن أن تترتب عنها مسؤولية المستعمر عن تلك الجرائم، ولم نشر إليها سابقا، وهي امتناع المستعمر عن حماية المدنيين.

- هل هناك سبيل للملاحقة القضائية لفرنسا عما ارتكبته في ذلك اليوم المشؤوم؟
 نحن نتفق على أنّ ما حدث في 08 ماي جريمة تكيف بالعديد من الجرائم، بجميع أركانها، الشرعي، المادي والمعنوي، ولكن على المستوى الدولي تثار العديد من الإشكالات من ناحية المتابعات القضائية الدولية، نتيجة لعدة اعتبارات لا يسع المجال للتعريج عليها.
 ونشير أنّ هناك حقا إمكانية للمتابعة الجنائية والقضائية للمستعمر على جرائمه، لأنّ هناك قاعدة جوهرية في القانون الدولي، ونخص بالذكر القانون الدولي الإنساني مفادها أنّ الجرائم وِفقه لا تتقادم، ولا تسقط ومرتكبها يمكن أن يلاحق مهما مر من زمن.
ونظرا لتشعب موضوع المتابعة الجنائية القضائية الدولية، وما يشوبها من ازدواجية في التعامل، الهيئات القضائية الدولية وضعت على مقاس الدول الأوربية الاستعمارية، لأنّ الذي يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل مثلما يقال، ولكن هذا القول ليس على إطلاقه.
 وعليه، سنكتفي بذكر المستويات التي يمكن العمل عليها لجعل المتابعة القضائية للمستعمر وجرائمه، أمرا ممكنا ويمكن تجسيده، ويمكن النضال على مستوى:
محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية، المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، المحاكم الفرنسية نفسها، المحاكمة بواسطة المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي (القضاء البلجيكي مثلا)، المحاكمة بواسطة محاكم دولية جنائية خاصة، والعمل على منح القضاء الجزائري اختصاص عالمي للجرائم الدولية (مثل القضاء البلجيكي).

- إذن ما الحلّ لمتابعة فرنسا جنائيا؟
 الحلّ في اعتقادي لإلزام فرنسا على الاعتراف بجرائمها، أو ملاحقتها بشكل فعلي عملي، هو النضال على أكثر من صعيد منها، الصعيد السياسي، الصعيد الدبلوماسي، الصعيد الإعلامي، الصعيد القانوني.
وعلى الصعيد القانوني وحتى لا تبقى مسؤولية فرنسا عن جرائمها في الجزائر مسؤولية شكلية، بل تتجسد من الناحية الواقعية، ولكي تتجسد بمحاكمة جنائية دولية، يجب العمل والنضال على ثلاث محاور لتحقيق ذلك على أكمل وجه:
أولا: رصد الانتهاكات الفرنسية واستعراضها، وتحوي الأفعال والأعمال التي تشكل الجرائم، وهو جوهر الركن المادي في الجرائم الاستعمارية، وبما أنّ حديثنا عن جرائم 08 ماي، فمن المفيد رصد ما تم فيه من انتهاكات.
ثانيا: البحث في إثبات مسؤولية فرنسا بخصوص جرائمها في الجزائر، بمعنى تجريم ما اقترفه المستعمر من أفعال، استنادا للنصوص القانونية سواء معاهدات أو اتفاقيات دولية، لا محاكمة دون مسؤولية.
ثالثا: العمل على سبل المحاكمة الجنائية لفرنسا، بعد إثبات المسؤولية اعتمادا على التجريم القانوني، نصل إلى المحاكمة، وهذه الأخيرة يجب ضبط عناصرها وطبيعتها القانونية والقانون الحاكم لها ومن المبادر بها، بمعنى التأسيس القانوني للمحاكمة.
 وبكل تلك العناصر يمكن محاكمة فرنسا على جرائمها في الجزائر، ومنها متابعتها عن جرائم 08 ماي 1945، وحينذاك يمكننا الحديث عن المطالبة بالتعويض.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024