دعت المحامية والباحثة في التاريخ، الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم، إلى التفاف جميع الحقوقيين من أجل الوصول للدلائل التي تضع حدّا للمغالطات الكبيرة التي روّج لها المستعمر الفرنسي حول عدد ضحايا المجزرة الذي يصل إلى 80 ألف شهيد، بالإضافة إلى المفقودين الذين لم يعرف عددهم على ضوء غياب قرائن تاريخية، مؤكدة أنّ الحديث عن مجازر 8 ماي وسرد وقائعها أمر غير كاف، بل يجب الذهاب إلى الخبايا التاريخية والقانونية للمرحلة.
قالت الحقوقية بن براهم، أمس، بفوروم يومية المجاهد خلال ندوة تاريخية بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 ماي 45، إنّ المجازر التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري تعد من أبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية، وهذا بالنظر إلى العدد الرهيب من الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية للتعبير عن فرحتهم بانتصار، إلا أنّ فرنسا أخلفت بوعودها، ومن أهمها منح الاستقلال، وأكثر من ذلك قابلت الحركة السلمية بأبشع الصور، وكان من آثارها استشهاد عشرات الآلاف من أرواح أبناء الشعب الجزائري.
أكدت بن براهم خلال الندوة، أنّ مجازر 8ماي 45 تحمل الكثير من الخبايا التاريخية والقانونية التي يجب التدقيق فيها من طرف المختصين، خاصة في ظل غياب الدلائل حول المفقودين، بالإضافة إلى الأحكام الاستثنائية التي صدرت في حق الكثير من الجزائريين العزل، الذين نفذ فيهم حكم الإعدام في نفس اليوم الذين تم القبض عليهم فيه، وهذا لم يحدث في أي محاكمة في التاريخ، مؤكدة أنّ آثار هذه الجرائم ما تزال شاهدة.
في هذا الصدد، أشارت المحامية، إلى المصطلحات المغلوطة التي استعملها المستعمر الفرنسي لتشويه التاريخ والتنصل من مسؤوليته تجاه الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري للإفلات من العقوبات التي يقرها القانون الدولي خاصة قانون 17 جويلية، وغيرها من المصطلحات التي يجب تصحيحها وتوضيحها من قبل المؤرخين والمحامين معا.
من جهته، الأستاذ الباحث الصادق بخوش، قال في مداخلة له إنّ الذاكرة الجزائرية تذهب إلى أبعد من الثورة التحريرية بحيث تشمل جميع الفترات والحضارات المتعاقبة على الجزائر، غير أن القمع والعنف الذي مورس ضد الشعب الجزائري، أهم ما رسخ في ذاكرة الجزائريين، حيث أشار إلى أهمية ربط الحدث بالذاكرة، على اعتبار أن نوفمبر 54هو الإبن الشرعي لأحداث 8 ماي 1945.
وصرح المتحدث في سياق موصول، أنّ أحداث 8ماي 45 هي الخلفية المباشرة لاندلاع الثورة، لأنّ الشعب الجزائري تفطن وتأكد أنّ ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة، مشيرا، في سياق آخر، إلى ضرورة تبني منهج صحيح في كتابة التاريخ بعيدا عن المصطلحات المغلوطة التي تعتمدها فرنسا لكتابة التاريخ بل لتشويهه.
واستطرد قائلا « إنّ مغادرة من عايشوا تلك المرحلة الهامة من التاريخ شكل عائقا في توثيق المحطة الهامة من كفاح الشعب الجزائري والتعريف بأبشع المجازر التي قام بها المستعمر الفرنسي، غير أنّ اليوم يأتي الدور الحقيقي على المؤرخين من أجل البحث في خبايا تلك الفترة وفي تاريخ فرنسا الذي تعترف أنّ تاريخها كله إجرام» .
بدورها الوزيرة السابقة زهور ونيسي أشادت في كلمة بخصال الراحل المجاهد بشير بومعزة الذي بدأ نضاله في سنّ مبكرا في حزب الشعب الجزائري، وكان واحدا من الذين شاركوا في أحداث 8 ماي 1945 وأدخل السجن إثرها، وقالت أيضا» بالرغم أنّ أعضاء الحركة الوطنية لم يكونوا على مستوى عال من العلم والثقافة، لكنّ بشير بومعزة كان وطنيا ومثقفا، وذو مستوى عال ورؤية مستقبلية للجزائر».