دعا أستاذ التاريخ حسان مغدوري، المؤرخين إلى «إعادة» إنتاج خطاب تاريخي يستوحي مصطلحاته من مدرسة التاريخ الوطني بما يساعد على «تصحيح» المفاهيم «المغلوطة» ويبعث روح النقاش العام للثقافة التاريخية السائدة.
قال المختص في التاريخ بجامعة «»زيان عاشور» بالجلفة في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، بمناسبة، إحياء مجازر 8 ماي 1945، إنّ «مصطلح أحداث 8 ماي كعبارة رائجة لنعت المأساة في كثير من النصوص التاريخية، يثير إشكالا في مدى مستوى التجنيد الذي ينتظر المؤرخين في إعادة إنتاج خطاب تاريخ يستوحي مصطلحاته من مدرسة التاريخ الوطني ويبعث الروح في النقاش العام للثقافة التاريخية السائدة وينعش الذاكرة باستمرار».
كما يعتبر أيضا أنّه من مسؤولية الإعلام الاضطلاع بمهمة «نقل المعرفة التاريخية للفضاء العام وفي إقرار سلطة ضبط الخطاب التاريخي (إعلاميا) بالاستعانة بذوي الاختصاص بما يساعد على تصحيح المفاهيم المغلوطة ويبعث الروح في النقاش العام للثقافة التاريخية السائدة وينعش الذاكرة باستمرار».
وضمن هذا المفهوم، يرى المتحدث بأنّ الاستعمار «احتكر كتابة تاريخ الجزائر وأنتج خطابا تاريخيا التف من خلاله على الحقائق وقفز على المعاني والمفاهيم الصحيحة ضمن إطار نظرية الجزائر فرنسية»، ليضيف بأنّه وفي ظل الترحيل القسري للوثائق الأرشيفية بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، «مازال التشويش والتشكيك يحومان حول إعادة كتابة التاريخ الوطني ويطعن في الذاكرة الوطنية».
إنّ مفهوم الجزائر الجديدة —يؤكد ذات المؤرخ— «يستوجب في إطار حرب الذاكرة، تأسيس مواقع الذاكرة عبر توسيع المتاحف الوطنية وإقامة دور الأرشيف وإثراء المكتبات الوطنية وتكريس الاحتفال بالأحداث والشخصيات».
1945 بين الذاكرة والتاريخ
أكد الأستاذ مغدوري بأنّه تم إقرار اليوم الوطني للذاكرة بمناسبة الذكرى 75 لمجازر 8 ماي 1945 باعتبارها «محطة مؤلمة» في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية، فهي قد وقعت ضمن مرحلة تاريخية كان فيها العالم يمر بتحولات عميقة في النظم السياسية وفي المفاهيم الفكرية، وتزامنت مع توقيع الهدنة لوقف الحرب العالمية الثانية ومع الاستعداد للاحتفالات بعيد النصر على النازية.
وكشفت هذه الحرب —حسب المتحدث— عن «عطب مزمن في النظام الاستعماري الفرنسي بالجزائر، وعبرت عن التصاعد اللافت للوعي القومي مع تأسيس أحباب البيان والحرية سنة 1944، وعن حالة الارتباك التي انتابت إدارة الاحتلال من تبلور الوعي القومي، لتقوم باستغلال الظرف المناسب في 8 من ماي 1945 من أجل إجهاض فكرة الاستقلال ثم في الاستعانة برواية مؤدلجة تبرر الجريمة بادعاءات سياسية ملفقة على حساب التاريخ وعلى حساب الذاكرة».
وأشار المختص إلى أنّ هذه المجازر كانت «تعبيرا عن نضج الفكرة الوطنية وحملت طابع الانتفاضة السلمية التي تجلت في المظاهرات التي عرفتها مختلف مناطق الجزائر، ومهما يكن —كما قال— فإنّ الجزائريين كانوا مثقلين بتراكمات الأزمات المعقدة وغير المنتهية المرتبطة أساسا بالفلسفة العنصرية الاستعمارية».