تحملت الدولة أعباء مالية كبيرة للحفاظ على مناصب الشغل طيلة الجائحة وما خلفته تداعياتها من أزمة اقتصادية أتت على العديد من المؤسسات، منها من استطاعت الصمود بصعوبة كبيرة، ومنها من أفلست واختفت من الوجود، حسبما جاء في تصريح فريد بن يحي الخبير الاقتصادي في العلاقات الدولية والدبلوماسية لـ« الشعب “.
قال بن يحي إنّ الجزائر خصّصت ما بين 10 إلى 20 بالمائة من مداخيل البترول للحفاظ على مناصب الشغل خاصة في قطاعات كالصحة، التي تأثرت أكثر من القطاعات الأخرى من الجائحة، حيث تحملت الحكومة مسؤولية كبيرة، إذ دفعت أموالا من الخزينة العمومية في وقت لم تتعد المداخيل النفطية 26 مليار دولار في شكل منح وتعويضات عن الأضرار التي لحقت بأطقمها الطبية وشبه الطبية والأعوان التابعين له.
كما استمرت في دفع رواتب عمال الوظيف العمومي، بالرغم من أنّ الكثير منهم توقفوا عن العمل بسبب الحجر الصحي الذي استمر لشهور، حتى قطاع التربية شهد نفس المصير، وهو القطاع الذي يشغل عددا كبيرا من الموظفين. لكن يرى بن يحي أنه بالرغم من صعوبة الظرف، إلا أنّ الدولة تمكنت من تسيير تداعيات كورونا على الاقتصاد، من خلال معالجة آثاره على المؤسسات التي توقفت واضطرت إلى تسريح عدد من عمالها، ولعل أكبر القطاعات المتضررة من هذه الجائحة، قطاع البناء والأشغال العمومية، كما تلقى قطاع النقل الجوي، حيث بلغت خسارة الجوية الجزائرية 1 مليار دولار “ والبحري، الصناعة والسياحة “ ضربة قاضية وأبرز المتحدث في سياق الحديث أنّ الجزائر وبالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب في زمن كورونا، المتميز بضعف مداخيل المحروقات بسبب تدهور سعر برميل النفط، إلا أنّ الدولة تحملت من خلال الإجراءات التي اتخذتها للتخفيف من آثار الجائحة على المؤسسات الاقتصادية، تحديات اجتماعية كبيرة، للحفاظ على مناصب الشغل، مشيرا إلى أنّ قيمة التحويلات الاجتماعية ناهزت 80 مليار دولار.
وذكر بن ويحي أنّ هناك قطاعان نجحا وتمكنا من تحقيق قفزة خلال الجائحة، ويتعلق الأمر بقطاع الفلاحة الذي انتعش بشكل كبير، تمثل في ارتفاع الإنتاج الفلاحي، الذي بفضله تم تغطية الحاجيات الوطنية، بالإضافة إلى قطاع الصناعة الصيدلانية، الذي حقق قيمة مضافة من خلال المنتوجات التي وفرها لمواجهة كورونا، والتي أدت إلى صناعة إنتاج ومناصب شغل خاصة في مجال صناعة الكمامات الطبية وغيرها.
صندوق وطني تضامني للبطالة
بالمقابل، هناك قطاعات غير منتجة على غرار الأمن، الجمارك والحماية المدنية، يقول الخبير بن يحي، لكن تم دفع رواتب عمالها، موضحا أنّ الدولة لم تترك منصب عمل في أيّ قطاع كان، إلا واتخذت التدابير ورصدت الأموال للحفاظ عليه، لكن كل الأموال من مداخيل النفط، متسائلا كيف كان سيكون الحال دونها؟.
كما يرى أنه من غير الممكن الاستمرار في تسيير الاقتصاد “ بالصدمات “ أيّ بردة فعل، بدل استشراف واستباق، إذ يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى، التي استطاعت أن تسير آثار كورونا وغيرها من الظروف الاقتصادية الصعبة، من خلال صناديق الضمان، التي أنشأتها لمواجهة مثل هذه الأزمات الطارئة.
ويقترح بن يحي، في هذا الإطار، إنشاء صندوق وطني للبطالة تضامني بين الأجيال كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحيث يكون متواجدا في جميع الولايات، وتكون موارده عبارة عن اقتطاعات من الراتب الشهري، كما هو الحال بالنسبة للاشتراك في الضمان الإجتماعي، يستعمل في حالة تسريح مؤقت للعمال ولمدة محددة، كما كان الحال عندما توقفت النشاطات الاقتصادية والتجارية بسبب الجائحة، على أن يعزز ( صندوق البطالة هذا ) بوضع قوانين صارمة ورادعة في حالة التحايل.
وتطرق الخبير، في سياق الحديث، إلى قوانين العمل التي تحتاج أن تدخل عليها بعض الإصلاحات لتحرير الرواتب، ودعا في هذا الصدد إلى تنظيم منتدى وطني للعمل والرواتب، ويعتقد أن الأمر يحتاج كذلك إلى “ فلسفة سياسية وتوجيه استراتيجي “لإنشاء مناصب الشغل الدائمة، وقبل ذلك، يؤكد على ضرورة إحصاء لمعرفة العدد الحقيقي للبطالين، كما أنه من الضروري معرفة القطاعات التي تستقطب أكبر عدد ممكن من العمال، ويرى أنّ هناك قطاعات لا بد أن تنطلق بسرعة على غرار البناء، الأشغال العمومية وحتى الفلاحة.
وخلص إلى أنّ إشكالية التشغيل تحتاج إلى تسيير عصري، ومشاريع كبرى ومتوسطة في قطاع الصناعة، للخدمات، الطاقة والمناجم.