تسعى الدولة جاهدة ضمن السياسات والبرامج الحكومية الموجهة لمعالجة القضايا والمشاكل الاجتماعية المستعصية في المجتمع، إلى تحسين الظروف والمستويات المعيشية للمواطن الجزائري من خلال القضاء على أزمة السكن والبطالة والفقر والهجرة غير الشرعية، تلك السياسة الاجتماعية قد تصطدم بواقع مر يزيد الطينة بلة من خلال الانعكاس السلبي لتلك البرامج على المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اعتبر الدكتور الجامعي المتخصص في العلوم الاقتصادية، عبد القادر لحول، قرار مراجعة النقطة الاستدلالية في الجزائر وإقرار منحة البطالة وزيادات معاشات التقاعد- خطوة جديدة في إطار السياسة الاجتماعية في الجزائر، التي اعتبرت في بداية طرحها فكرة لمشروع حكومي، وبصيص أمل للفئات المعنية بتلك المراجعات، ولكن سرعان ما أحدثت صدمة كبيرة عند الكشف عن تفاصيلها.
وبحسب القراءة الأولية للدكتور لحول عن النظرة المتشائمة لهذه القرارات، فإنها ترجع للارتفاع الحاد في مستويات الأسعار محليا ودوليا وكذا التدني الكبير في القوة الشرائية للفرد وعدم قدرته على اعتماد نفس السلوك الاستهلاكي الذي تعود عليه سابقا، مشيرا أن الإشكال ليس في مراجعة النقطة الاستدلالية بقدر ما هو عدم اعتماد سياسات اقتصادية أنجع في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها الجزائر.
يرى الدكتور لحول عبد القادر أمين عام اللجنة الوطنية للكفاءات العلمية، أن التضخم المسجل في الجزائر يرجع بالدرجة الأولى إلى التضخم الهيكلي والتضخم المستورد، فالحد من النوع الأول يؤدي فعليا إلى تقليص أثر النوع الثاني، موضحا أنه انطلاقا من العاملين فإن تطبيق سياسات اقتصادية هيكلية هي الحلّ الأمثل والأوحد الذي من شأنه إحداث تغيير هيكلي وجذري في الاقتصاد الوطني، بتطبيق سياسة استهداف التضخم كاستراتيجية حديثة للسياسة النقدية، تهدف إلى تحقيق مستويات أسعار مستقرة في المدى الطويل نسبيا، بدل زيادة طفيفة في أجور فئة (الوظيف العمومي) وما تخلفه نفسيا كسلوك طبيعي يؤدي إلى رفع أسعار العديد من السلع والخدمات المقدمة من الفئة التي لم تستفد من تلك المراجعة، موضحا أن الارتفاع اللامعقول لأسعار بعض الخضر والمواد الغذائية والفواكه والخدمات في الآونة الأخيرة، هو رد فعل آلية للفئة التي لا علاقة لها بالزيادات والقرارات الاجتماعية.
ودعا الدكتور عبد القادر لحول، إلى التوجه الفوري نحو استراتيجية التنويع الاقتصادي وخلق وتنمية بدائل لقطاع المحروقات ومحاولة فك التبعية بين عائدات الدولة وقطاع المحروقات، كما يتوجب خلق قطاعات منتجة للثروة مثل الصناعة بتوسيع نطاق المناطق الصناعية ومناطق النشاط مع احترام الخصوصية الجغرافية والطبيعية لكل إقليم أو منطقة، والتوجه أكثر فأكثر إلى مجالات استثمارية حديثة مثل السياحة والثقافة والصحة والتعليم العالي.
وأبدى عبد القادر لحول تخوفه من أن تتحول مراجعة الأجور- في ظل نعمة ارتفاع أسعار البترول والغاز دوليا في الظرف الراهن - إلى أزمة ونقمة في وقت لاحق إذا تراجعت أسعار المحروقات وبالتالي زيادة الضغط والعبء على ميزانية الدولة الجزائرية، ما قد يهدد التزام الحكومة الجزائرية بوعودها الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار أن ضبط الاقتصاد الموازي والقضاء على أوجهه وممارساته وأنشطته، من خلال إقرار عقوبات صارمة وامتيازات مغرية في نفس الوقت لممارسيه، قد يشكل أحد الحلول الاقتصادية الهيكلية الناجعة، بالاعتماد على العقوبات الردعية على الأنشطة غير الرسمية مقابل تحفيزات لتقنين والتصريح بالأنشطة السوداء- إن صح التعبير- ومنه استحداث آلاف المؤسسات المصغرة في شتى المجالات، يقع على عاتق الحكومة مرافقتها وتوجيهها بفعل ميكانيزمات جديدة نحو قطاع الأعمال المفيد للدولة والمواطن، بعد تشخيص احتياجات السوق المحلي وتلبيتها ذاتيا ومحليا بالاستثمار المحلي وخاصة الشراكة، قطاع عام- خاص، كتوجه مهم جدا.
وأوضح متحدث “الشعب”، أن مراجعة النقطة الاستدلالية تواجهه تحديات كبرى أهمها الارتفاع الحاد في مستويات التضخم دوليا ومحليا، ضغط النقابات العمالية وعدم رضاها على تلك الزيادات غير المعتبرة في نظرهم، فضلا عن الضغوط الاجتماعية من الفئات منخفضة الدخل ومعدومة الرزق بشكل عام، وهي كلها مظاهر تدعو للتفكير جديا في بناء نموذج اقتصادي غير أحادي التصدير يرتكز على التنويع الاقتصادي، يتم فيه إشراك الجميع في سلسلة صناعة الثروة (الدولة بمختلف هيئاتها وجماعاتها المحلية- المؤسسة الاقتصادية- المواطن).