التبذير ظاهرة تكثر خاصة في المناسبات الدينية على غرار رمضان، يرجعها أستاذ علم اجتماع الديموغرافيا بجامعة بوزريعة-2 الدكتور حسين تومي، إلى أسباب وعوامل مرتبطة بذهنية الجزائري ولجذور تاريخية تعود للسبعينيات، بحسب ما صرح به لـ “الشعب “.
انطلق الأستاذ تومي في تحليله لظاهرة التبذير من أسبابها التي تزداد بشكل لافت للانتباه، والى عوامل تتعمق أكثر وهي مرتبطة بذهنية الجزائري. كما ان للظاهرة جذور تاريخية تعود إلى السبعينيات الثمانينيات من القرن الماضي، صعودا إلى يومنا هذا.
ويرجح تومي العامل التاريخي في سبب تجذّر التبذير في ذهنية الفرد الجزائري، لأن فترة السبعينيات والثمانينيات كانت الجزائر تحت النظام الاشتراكي، حيث كان احتكار الدولة للنشاطات الاقتصادية والتجارية، وكانت هناك أروقة الجزائر التي تعرض فيها السلع المختلفة بأثمان زهيدة في متناول كل المواطنين، وساعد في ذلك قيمة الدينار الذي كان “قويا سياسيا”، جعل القدرة الشرائية مرتفعة “شكلا وليس حقيقة”. هذه الفضاءات التجارية من أسواق الفلاح وغيرها... جعلت الناس يتدفقون على هذه الأخيرة يقتنون ما لذ وطاب، وأحيانا يأخذون سلعا ليسوا في حاجة إليها.
هذا الجانب الاجتماعي استمر لعقود ـ يقول الأستاذ تومي ـ ويبرز بشكل كبير عندما تحل المناسبات الدينية، منها شهر رمضان الكريم، والذي من المفروض أن ترتفع فيه مستويات الإيمان والتقوى، بيننا يحدث العكس، يزداد الاستهلاك المفرط والتبذير، حتى أن شعار الجزائري “وفر 11 شهرا لتأكله في شهر”، مشيرا إلى أن ليس كل الجزائريين مبذرون، لأن هناك شريحة لا تجد حتى ما تسد به الرمق، والبعض القليل من بلغوا درجة من الوعي، يعرف كيف يسير حافظة نقوده.
وأضاف في هذا الصدد، أن طول مدة تطبيق النظام الاشتراكي رسخ ثقافة التبذير، لأن اقتناء السلع بشكل مفرط بسبب ثمنها الزهيد، يؤدي بالضرورة إلى التخلص منها بعد حين، ولعلّ ما جعل الظاهرة تبقى على حالها هو دعم المواد الأساسية التي يكثر فيها التبذير على غرار الخبز.
يرى المتحدث أن سعر الخبز 10 دنانير، وهي قيمة نقدية لا يمكن شراء شيء آخر غيره، ما جعل اقتناءه بشكل كبير. والعامل الآخر الذي يساهم في تبذيره هو نوعية الخبز الرديئة، التي تشجع على وضعه في القمامة.
وتبدو محاربة التبذير بالنسبة للأستاذ تومي ليس بالأمر السهل، لأن عواملها مركبة “اقتصادية، اجتماعية ونفسية”، وهي مجتمعة أدت إلى تكون الظاهرة وساهمت في استمرارها في الزمان وترسخت كثقافة بكل سلبياتها.
ويعتقد المحلل الاجتماعي، أن محاربة التبذير، يحتاج إلى استراتيجية بعيدة المدى، لأنه ظاهرة امتدت عبر سيرورة تاريخية، وذلك عن طريق التوعية بضرورة تحسين سلوكيات الأشخاص وإرشادهم إلى الاستهلاك العقلاني، وهو ما يقع على جمعيات المجتمع المدني “بالرغم من أن عددا منها موجود شكلا ومنها من تأسست لتحقيق مآرب أخرى غير الأهداف التي أنشئت من أجلها”.
كما يرى أن محاربة التبذير ممكنة من الناحية الاقتصادية، مركزا على مسألة الدعم والتي وصفها بـ«الكارثية”، من خلال إعادة النظر في أسعار بعض المواد، خاصة الخبز الذي يشهد تبذيرا أكثر من المواد الأخرى، حيث يكون تسعير المواد حسب قيمتها الاقتصادية.
ويؤكد ضرورة مراجعة الدعم ومفهومه، يذهب لمستحقيه، بعد إحصاء الفئة المستفيدة منها، لأنه حاليا، في إشارة إلى الوقود المدعم، يستفيد منها أصحاب السيارات، المتعاملون الاقتصاديون أصحاب الشركات وحتى الأجانب.