المدير العام للقطاع العمومي التجاري، بن ضيف لـ «الشعب»،

إعـادة تشغيـل 30 مؤســـسة متوقفـة وأخطــاء الماضـي لـــن تتكــرّر

حوار: فايزة بلعريبي

 إعـادة الهيكلة فـي 2014 لم تخضــع لتقييــم أو دراسـات دقيــــقة

 استــيراد الخمـيرة يكلّـف 150 مليـون دولار سنويــا

يتحدّث المدير العام للقطاع العمومي التجاري حسين بن ضيف، في حواره مع «الشعب»، عن مخلّفات غلق عدة مؤسسات اقتصادية في السنوات الماضية، وعن إعادة إطلاق الاستثمار في المؤسسات المتوقّفة عن النشاط بإعادتها للإنتاج أو بتحويلها لنشاطات أخرى، معلنا عن إعادة تشغيل 30 مؤسسة عمومية اقتصادية بعد إعداد دراسة جدوى.

- «الشعب»: ماهو واقع القطاع العمومي التجاري والصناعي اليوم؟ وما مدى مساهمته في الاقتصاد الوطني؟
 حسين بن ضيف: أريد فقط أن أنوّه في البداية أن القطاع العمومي التجاري يمثل بالنسبة لكل دول العالم الآلة المفضلة لتطبيق السياسات العمومية للدولة في بناء الاقتصاد الوطني، فبفضل المؤسسات المكونة لحافظة هذا القطاع، تتكون الاستراتيجيات التي تنتهجها والتي تكون مكملة عموما لإستراتيجية الدولة.
بالنسبة لبلادنا يتميز القطاع العمومي التجاري، باستثمارات مهمة جدا منذ الاستقلال كانت ومازالت تلعب دورا مهما بالرغم من الصعوبات التي عرفتها نتيجة التطورات الاقتصادية العالمية ومختلف الأزمات التي عرفها العالم من جهة، وتطوّر الجزائر سياسيا واقتصاديا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا من جهة أخرى.
قامت الجزائر كما لا يخفى على الجميع باستثمارات هائلة بداية من سنوات السبعينات، حيث تمّ بناء القطاع العمومي التجاري الذي تميز بجل المؤسسات الوطنية الكبرى، التي شملت جميع القطاعات، خاصة المجالات التي لم يكن آنذاك في مقدرة القطاع الخاص الاستثمار بها.
يتكوّن القطاع العمومي التجاري الصناعي حاليا من 10 مجمعات صناعية كبرى تنشط في مختلف النشاطات الصناعية منها الإلكترونيك، الميكانيك، النسيج والجلود، الاسمنت، الصناعات التحويلية الغذائية ومجمعات أخرى تنتج في مجال الكيمياء.
وتضمّ المجمعات ضمن حافظتها 174 مؤسسة ووحدة صناعية، منتشرة على مستوى الوطن تعمل في نشاطات مختلفة وتشغل 90.160 عامل وهو رقم مهم لأن القطاع العمومي التجاري منذ الاستقلال عمل على إرساء قاعدة صناعية مهمة واستثمار قوي من طرف الدولة في الصناعات الكبرى.
- ما هي التحولات الهيكلية والتنظيمية التي عرفها القطاع العمومي التجاري الصناعي من أجل تحسين أدائه؟
في بداية الثمانينات عرف القطاع العمومي التجاري، إعادة التنظيم الهيكلي والمالي للمؤسسات العمومية الاقتصادية تمّ بموجبه إعادة النظر في حجم هذه المؤسسات وتقسيمها إلى فروع وتوزيعها على نشاطات أخرى.
في بداية التسعينيات عرف القطاع العمومي التجاري تنظيما آخر يرتكز على آليتين، الأولى استحداث صناديق الاشتراك المتخصّصة تطبيقا للقانون 01-88 التي تقضي باستقلالية المؤسسات، والثانية تتمثل في إنشاء الشركات القابضة تطبيقا للقانون المنظم للقطاع العمومي التجاري المؤرخ في سبتمبر 1995.
مع بداية الالفينيات تمّت المصادقة على القانون 04-01 المؤرخ في المؤرخ في 21 أوت 2001، الذي ينظم تسيير وخوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية الذي ألغى قانون 1995 وأسس لإنشاء شركات تسيير مساهمات الدولة تطبيق للأمر والمرسوم التنفيذي 283-01 المؤرخ في 24 سبتمبر 2001.
لنصل إلى آخر تنظيم وإعادة الهيكلة الذي تمّ في 2014 بمقتضى اللائحة الوحيدة لمجلس مساهمات الدولة، رقم 142/01 المؤرخة في 28 أوت ، 2014، ليتمّ إنشاء مجّمعات عمومية صناعية خلفا لشركات تسيير مساهمات الدولة، إلا أننا لابد أن نوضح أن إعادة الهيكلة هذه لم تخضع لعملية تقييم ولم تستند على دراسة دقيقة للمعطيات،  الأمر الذي سنحاول تفاديه مستقبلا من أجل إعادة هيكلة القطاع العمومي التجاري من جديد.
 وهذا ما جاء ضمن توصيات المؤتمر المنعقد مؤخرا حول الإنعاش الاقتصادي التي تقضي بضرورة إعادة النظر في تركيبة هذا القطاع الذي لم يتمكن من تحقيق الأهداف المسطرة وهو ما خصّه بالاهتمام الوزير الأول في برنامجه ويعمل على تجسيده وزير الصناعة.
- 10 إلى 15 بالمائة مساهمة في الناتج الداخلي الخام في خضم كل هذه التحولات الهيكلية خدمة وتحسينا لأداء القطاع العمومي التجاري والصناعي، التي تتزامن والحديث عن بلوغ 7 مليار دولار من صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات سنة 2022. كيف سيساهم القطاع الصناعي في بلوغ هذا الهدف؟
 الهدف المسطّر لرفع مساهمة القطاع العمومي الصناعي في الناتج الداخلي الخام هو ما بين 10 و15 بالمئة ما سيؤدي حتما إلى رفع صادرات الجزائر خارج المحروقات.
للإشارة، حقّق القطاع العمومي الصناعي من خلال مجمعاته العشر ووحداته الـ174، رقم أعمال لسنة 2021 يقدر بـ 21.758 مليون دج وقيمة مضافة، تقدر بـ9 مليون دج.
بالعودة إلى الحديث عن الصادرات، يساهم قطاعنا منذ سنوات في تنويع الاقتصاد والاستجابة إلى طلب السوق، حيث نجد قطاعات لها وزن كبير في تنويع الاقتصاد وزيادة الصادرات على سبيل الذكر:
مركب الحجار في سنة 2021، صدر ما يقارب 70.7 مليون دولار ويتوخى تصدير ما قيمته 80 مليون دولار في 2022
بالنسبة للشركة المختلطة، شركة الصلب الجزائرية القطرية فقد بلغت صادراتها 110 مليون دولار سنة 2021 ومتوخى أن تصل إلى 218 مليون دولار سنة 2022.
وبلغت صادرات مجمع جيكا من الاسمنت، سنة 2020 ما يقرب 37 مليون دولار و75 مليون دولار سنة 2021 و25 مليون دولار في الثلاثي الأول لسنة 2022. أما عن وجهة هذه الصادرات فقد كانت إلى كل من البينين، السنغال، البرازيل، الكامرون، كوت ديفوار وإيطاليا.
بينما سجّلت صادرات النسيج والجلود مليار و198 مليون دج سنة 2021، ليقفز هذا العدد إلى 5 ملايير و860 مليون دج.
- تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، تعهّد الوزير الأول في برنامج الحكومة، بإعادة بعث كل نشاطات المؤسسات المتوقفة خاصة التي لها إمكانيات من أجل الإنعاش الاقتصادي، ما هي الإجراءات التي اتخذتموها من أجل تجسيد هذا الالتزام؟
 فيما يخصّ قطاعنا الوزاري، قام وزير الصناعة بعد التشاور مع جميع رؤساء المجمعات الصناعية بانتقاء ما يقارب 51 مؤسسة متوقفة موزعة عبر جميع المؤسسات الصناعية نعمل حاليا على إعادتها للنشاط، خاصة ما تعلّق منها بالصناعات التحويلية الغذائية.
إلى حدّ اليوم تمّ إعادة نشاط العديد من المؤسسات مع الأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي ارتكبت في الماضي وتفادي تكرارها، حيث ارتأينا أن نفتح مجال الاستثمار في هذه المؤسسات سواء بإعادة بعث نفس النشاط أو البحث عن نشاطات أخرى وفعلا تمّ تحويل نشاطات بعض الوحدات والمؤسسات، حيث سجلنا إلى غاية اليوم حوالي 30 مؤسسة عمومية اقتصادية، تم إعادة بعثها بعد إعداد دراسة جدوى من أجل إعطاء المشرع أكثر قوة في استعادتها.
نذكر على سبيل المثال وحدتين تابعتين لمجمع «أيلك- الجزائر»، تقعان بولاية سيدي بلعباس، حيث تمت إعادة بعثهما في إطار عقد شراكة بين مجمع «اقروديف» ومجمع «أيلك- الجزائر» من أجل مشروع صناعات تحويلية غذائية والوحدة الثانية الواقعة بمنطقة رأس الماء تم إيجاد نشاط جديد لنشاطها متمثل في إعادة رسكلة جميع أجهزة الكمبيوتر ومختلف الأجهزة الالكترونية.
ويشكل هذا النوع من النشاط سوقا واعدة، مصنع بوشقوف الذي كان من المنتظر أن يحول إلى مصنع للخميرة، إلا أنه ولظروف متعلقة بالبيئة تمّ تحويل نشاطه الصناعات الغذائية، أما صناعة الخميرة قام نقل المشروع إلى ولاية وهران والمجمع في مرحلة مفاوضات مع تعاملين محليين وأجانب من أجل إرساء هذه الصناعة محليا، حيث تكلفنا هذه الصناعة 150 مليون دولار من أجل استيراد الخميرة.
فيما يخص إعادة النظر في القطاع العمومي التجاري، شرعت وزارة الصناعة في تحسين أداء المؤسسات العمومية الاقتصادية، لزيادة أرقام أعمالها ونجاعتها عن طريق  مراجعة طرق حوكمتها.
ومن أجل إعادة تنشيط المؤسسات العمومية المتوقفة والتي تعاني صعوبات، بادرت وزارة الصناعة عمليا بالتنسيق مع المجمعات الصناعية والشركات القابضة العمومية تحت الإشراف بتعيين فريق عمل مكلف بدراسة دقيقة لوضع كل مؤسسة على حدى واقتراح حلول لإعادة بعثها من جديد، من خلال صياغة ورقة طريق لكل مؤسسة أو وحدة مع تحديد الآجال والتدابير المتخذة في هذا السياق.
تم الاقتراح على المجمعات العمومية الاقتصادية عدة خيارات من أجل بعث المؤسسات المتوقفة وتلك التي تعرف صعوبات مالية، حيث تقرّر البدء بالمؤسسات المتوقفة،  وتوجد عدة خيارات مطروحة، لإعادة بعث نشاطها سواء عن طريق الإبقاء على نفس النشاط مع اقتراح الحلول العملياتية أو إمكانية تغيير النشاط والتوجّه نحو مجالات واعدة أو من خلال عقد شراكات عمومية - عمومية مابين المؤسسات التابعة لنفس المجمع أي اللجوء إلى المجمعات التي تعرف عافية مالية وبإمكانها الخوض في شراكة مع المؤسسات العمومية الأخرى أو عقد شراكات عمومية - خاصة وطنية أو خاصة أجنبية أو اللجوء إلى فتح رأسمال المؤسسة ما يتطلّب خبرة قبلية قبل الشروع فيها.
 وأسدى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على هامش الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي، وسام الاستحقاق الوطني، برتبة عشير، لعدد من مسيري الشركات الوطنية العمومية والخاصة، ومؤسسي شركات ناشئة وباحثين مخترعين، وذلك تقديرا لمساهماتهم في جهود تنويع الاقتصاد الوطني.
التكريم هذا، جاء وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 486-21 المؤرخ في 2 ديسمبر 2021، عرفانا لمواهبهم المشهود لها ولمجهوداتهم الدؤوبة في خدمة المصلحة العليا للبلاد ورفع مقام أمتّنا في المحافل الدولية. جمعت الندوة حوالي 700 مشارك، من الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات العمومية والخاصة والتي أسفرت بعد نقاش لمدة 3 أيام إلى التطرّق إلى تحديد كل جوانب الإنعاش الاقتصادي. وتطرّقت إلى أربع محاور أساسية تلخصت في دعم المؤسسات ودعم الإنتاج الوطني والصادرات، تحسين بيئة الاستثمار ووفرة العقار، حوكمة المؤسسات العمومية الاقتصادية ودور الدولة كمساهم في خطة العمل الحكومية الجديدة وأخيرا الإدماج والتنويع والتطوير التنافسي.
خلال هذه الندوة تمّ التطرّق إلى الظروف التاريخية والاقتصادية لإنشاء وتطوير القطاع العمومي والتجاري. كما تركزت مناقشات حول توضيح دور الدولة في بعدها المزدوج كمساهم ومنظم على أساس ملخص تقييمي للتدابير التي اتخذت سابقا والتي تؤثر على إعادة هيكلة القطاع العمومي التجاري.
من بين التوصيات أيضا هي ضرورة تحديد وبوضوح العلاقة التي تربط مساهمات الدولة بجهات فاعلة أخرى كالوزارة والشركات الاقتصادية والخدمات الأخرى. كما تمّ اقتراح هيئة مستقلة لإدارة مساهمات الدولة في شكل وكالة أو صندوق.
وتصبّ التوصيات في روح وإستراتيجية مخطط عمل برنامج الحكومة والذي تمّ تحديد ضرورة تقييم وتدقيق المجمعات الاقتصادية العمومية قبل إعادة النظر في إعادة هيكلتها وهذا ما يعمل عليه وزير الصناعة. حيث أننا بصدد تقييم أكثر من 5 مجمعات صناعية من بين 10 مجمعات حيث ستكون سنة 2022، سنة دراسة وتقييم كل المجمعات وإعادة تنظيمها وفق المواصفات الإدارية والقانونية المثلى التي ستسمح بإعطاء نفس جديد للمؤسسات العمومية  الاقتصادية والقطاع العمومي الصناعي بصفة عامة من أجل تفادي أخطاء الماضي والمساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني والاستجابة لمتطلبات السوق والمساهمة في الصادرات من أجل تحقيق رقم 7 مليار دولار خارج المحروقات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024