هيئات وجمعيات ترفــع التّحـدّي في النعامــة

أحزمـة خضــراء لتثبيـت الكثبـان ووقف زحف الرّمال

النعامة: سعيدي محمد أمين

 يعرف الوسط البيئي والغطاء النباتي بولاية النعامة  تدهورا كبيرا بسبب جفاف حاد تشهده المنطقة، وزحف رمال أصبح يهدّد مناطق الشمال بعد اختراق السد الأخضر، وبات يشكّل خطرا كذلك على الطرق البرية وخطوط السكة الحديدية منها الخط الرابط بين وهران وبشار والطرق الوطنية رقم 06 ، 22 و47، كلها عوامل دفع السلطات المحلية ومصالح الغابات منذ مطلع السبعينات إلى وضع عدة برامج لمكافحة التصحر، منها برنامجي دعم النمو الاقتصادي والتنمية الريفية الخاص بمكافحة التصحر وتثبيت الرمال.

الدائرة الغابية بعين الصفراء كانت المنطقة التي استفادت بقوة من البرنامج، كونها الأكثر تضرّرا من زحف الرمال، وشهدت حملات تشجير ضمن برنامج تقوية السد الأخضر، وإنشاء أشرطة غابية ضمن البرنامجين المذكورين من بينها أشرطة خضراء بمنطقة مكاليس على حجم 65 هكتارا نهاية السبعينات وحزام أخضر 23 هكتارا بمدينة عين الصفراء.
أما مع مطلع التسعينات فقد استفادت المنطقة من برنامج تثبيت الكثبان الرملية، انقسم إلى شطرين، الأول بحي الميلح 02 بمساحة 77 هكتارا والثاني بمساحة 1500 هكتار برمال مكثر مع حماية غابات المنطقة كجبال امزي، مير لجبال، الحظيرة الوطنية لجبل عيسى، جبل مرغاد، ومع بداية سنة 2000 تم تسوية 100 هكتار ونزع الأسلاك الشائكة والألغام التي زرعها المستعمر الفرنسي وتسليمها كتوسعة بمنطقة الدزيرة، وهو ما يعرف بتثبيت الكثبان الرملية عن طريق mise en valeur.
أثّرت قساوة المناخ، التصحر وزحف الرمال كثيرا على الطريق الوطني رقم 6 وكذا خط السكة الحديدية، ممّا دفع بمصالح الغابات إلى إقامة أشرطة خضراء لحمايتهما خاصة في سنوات 2003 إلى 2006 حيث تمّ إنشاء أحزمة خضراء وأشرطة غابية بمنطقة بوغلابة، مكاليس والهدف من هذه العملية حسب عبد القادر اوراغ رئيس الدائرة الغابية بالعين الصفراء هو حماية المنشآت.
وبالرغم من الطابع الرعوي للمنطقة وقساوة المناخ وشدة الجفاف، إلا أن نمو الغطاء النباتي المحلي وعودته في نفس الوقت يعتبر إنجازا كبيرا، حيث يلاحظ عودة عدة نباتات كالحلفاء، السناغ، الشيح ، الدرين، الرتم…إلخ وهو ما يثبت التربة.
كما تمّ إنجاز مشاريع أخرى تتمثل في تثبيت الكثبان الرملية، والتي أصبحت عبارة عن أرض غابية خاصة بمنطقة بوعرفة شمال العين الصفرار بحوالي 50 هكتارا ومنطقة سيدي معمر ببلدية الصفيصيفة الحدودية بـ 50 هكتارا، وقرية هواري بومدين ببلدية تيوت وهذه المناطق الثلاث تم انجازها خلال المشاريع المسجلة سنة 2008، حيث لم يتم تسجيل قطع الطريق الوطني رقم 06 أو خط السكة الحديدية من الرمال في هذه النقاط، بل حتى ما يمر بالمنطقة ينفي وجود كثبان رملية سابقا بها.
سمحت مشاريع التنمية الريفية بإنجاز عدة أشرطة غابية بكل من ضاية الكرشة ببلدية جنين بورزق 20 هكتارا، و30 هكتارا بمنطقة الغويبة ببلدية مغرار و20 هكتارا بمنطقة الجعرة ببلدية تيوت، و70 هكتارا ببلدية العين الصفراء، منها 20 هكتارا بمنطقة تيركونت و50 هكتارا بمنطقة بوغلابة، بالإضافة إلى تثبيت الكثبان الرملية حوالي 50 هكتارا بمنطقة سيدي براهيم.
أما في إطار برنامج توب هيمو (TUP HIMO) أو البرامج ذات المنفعة العامة واليد العاملة المكثفة، فقد استفاد القطاع من عدة ورشات منذ سنة 2002 إلى غاية 2014 للغرس والتشجير كالغرس الطولي للأشجار، وهذا بكل التجمعات السكانية ممّا ساهم في غرس فكرة التشجير لدى الساكنة، حيث لم يستثن أي تجمع سكاني من هذه البرامج ومنها على سبيل المثال حجرات المقيل ببلدية جنين بورزق، قرية تيورطلت والمطلق بتيوت، الرصاف بالعين الصفراء، اولقاق، اوزغت، النسانيس، الفرطاسة ببلدية الصفيصيفة.
كما تمّ من خلال برنامج الصندوق الهضاب العليا لسنة 2007 إنشاء مشتلة بلحنجير التابعة لإدارة الغابات، والتي كان لها كل الفضل في تزويد كل بلديات الولاية بالأشجار الغابية والغطاء الأخضر، وتبقى حصة الأسد للدائرة الغابية بالعين الصفراء باعتبار أنّ هذه المشتلة متواجدة على أراضيها، ويتم تسييرها بيد عاملة بسيطة، وبذور محلية مما جعلها تستفيد من أكبر عدد من الشجيرات، وتزويد أغلب المؤسسات الوطنية وهياكل الدولة إن لم نقل كلها.
كما لا ننسى المجهودات الجبّارة التي يقوم بها الجيش الوطني الشعبي في غراسة الأشجار والاعتناء بها، بالإضافة إلى وحدات الدرك الوطني وحراس الحدود والحماية المدنية التي ساهمت في كل حملات التشجير رفقة السلطات المحلية وعناصر الكشافة الإسلامية وبعض فعاليات المجتمع المدني، بل المبادرات اليوم أصبحت تأتي من هذه الجمعيات، وهو ما يبرز وعي المجتمع بدور الشجرة وأهمية التشجير للحفاظ على بيئة نظيفة سليمة وخضراء.
إنّ الظروف المناخية الصعبة التي يتميز بها جنوب ولاية النعامة دفعت بمصالح الغابات إلى مرافقة الفلاح ماديا ومعنويا ودفعت به إلى الإنتاج، فالسد الأخضر أعطى درسا حقيقيا للعالم في تحدي الظروف المناخية والطابع الرعوي للمنطقة وطبيعة التربة وشساعة المساحة، مما جعل السياسة الغابية تلتفت للإنتاج بدل الحماية.
وفي هذا الصدد، ساهمت إدارة الغابات في دعم الفلاح تقنيا وفنيا وتزويده بكل الوسائل المساعدة على الإنتاج من مصدات الرياح أكثر من 5500 كلم طولي عبر مختلف البلديات التابعة للدائرة الغابية بعين الصفراء وهي: الصفيصيفة، جنين بورزق، مغرار، تيوت وعين الصفراء، وقامت بتوزيع وغرس الأشجار المثمرة بمختلف أصنافها على مساحة أكثر من 600 هكتار، وتوزيع وغرس أشجار الزيتون أكثر من 350 هكتار، كما تم تدعيم هذه البلديات كذلك بوحدات لتربية المواشي، الأبقار، النحل، الديك الرومي، الدجاج، الأرانب...الخ إضافة إلى برامج الطاقة الشمسية أكثر من 300 وحدة.
كما تمّ إطلاق خلال هذين الموسمين في إطار عملية شجرة لكل مواطن، حملة تشجير 120 هكتار و100 هكتار بعين الصفراء و20 هكتار بالصفيصيفة، إضافة إلى توسيع وتأهيل السد الأخضر، والذي يشمل بلديات الصفيصيفة، عين الصفراء، تيوت، جنين بورزق ومغرار.
أما في البرنامج الخماسي 2020 – 2024 في إطار برنامج التنمية الريفية يضيف أوراغ فقد تمّ تسطير برنامج لتثبيت الكثبان الرملية بطول 50 هكتارا بمنطقة بوغلابة ببلدية عين الصفراء، عن طريق إقامة شريط اخضر بنفس المنطقة لحماية الطريق الوطني رقم 06 وخط السكة الحديدية، إلى جانب تدعيم الفلاحين بالأشجار المقاومة بحوالي 12 هكتار لكل بلدية من البلديات الخمس التابعة للدائرة الغابية، وكذا توزيع مصدات الرياح على مساحة 10 كلم لكل بلدية كذلك، وتوزيع الطاقة الشمسية لـ 54 عائلة، بالإضافة إلى تهيئة منبع بوغلابة وهذا من أجل  تكثيف نقاط المياه المستعملة من طرف الموالين والحيوانات البرية والمحاربة الميكانيكية لدودة الصنوبر الجرارة، كما تمّ تزويد الأحياء والجمعيات والمدارس بأكثر من 1000 شجيرة في كل موسم وعلى مستوى كل بلدية.

جنين بورزق تنافس الولايات السّاحلية

 استطاعت بلدية جنين بورزق الحدودية التي تقع في أقصى جنوب ولاية النعامة والفاصلة مع حدود ولاية بشار أن تنافس ولايات ساحلية في مسابقة البلدية الخضراء بالرغم من أنها بلدية فقيرة ومتواجدة في ارض صحراوية قاحلة.
تحقق هذا الانجاز بفضل تحدي رفعه مسئولها الأول السابق، وهو ما أهّلها لاحتلال إحدى المراتب الأولى وللمرة الثانية على التوالي في هذه المسابقة، بفضل السياسة الحكيمة والممنهجة من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي السابق لبلدية جنين بورزق بن طالب بوسماحة الذي تحدى الطبيعة، وقام بمجهودات جبارة حول بها أرض صحراوية قاحلة ذات تربة رملية كلسية غير صالحة للزراعة تماما ومناخ جاف قاس متميز ببرودة شتائه وحرارة صيفه إلى منطقة خضراء من خلال تجسيد مشاريع TIP HIMO التابع لقطاع الغابات.
كما خصّص جزء من ميزانية البلدية، وجنّد سواعد عمالها لتوسيع مساحات الغرس بعد نجاح بعض الأنواع من الأشجار وعمل على تزيين المدينة بالورود بمختلف أنواعها والتي تم غرسها خاصة بمنطقة أم المناطق ومقبرة الشهداء المتواجدتين بالمدخل الشمالي للبلدية، حيث أعطى دفعا قويا للمدينة وهو تحدي كبير جدا، بالإضافة إلى رفضه التام لقطع أي شجرة مهما كان نوعها بل أمر بزيادة الغرس، وهو ما أهّله ليحتل المرتبة الرابعة وطنيا في المسابقة المنظمة مؤخرا حول المدن الخضراء.

جمعية الأرض الخضراء

 من بين الجمعيات المحلية والتي أنشئت من أجل الحفاظ على البيئة، والمساهمة في الغراسة بكل أنواعها نجد جمعية الأرض الخضراء بالعين الصفراء، فهي جمعية بيئية أنشئت حسب قانون الجمعيات 12/06 سنة 2018 كان أول مشروع بيئي لها حول المساهمة في إعادة الاعتبار للأنظمة بيئية هشة بإعادة غراسة شجرة البطم أو ما يسمى الفستق الأطلسي المهدد بالانقراض والمحمي بموجب مرسوم رئاسي سنة 2012، حيث كان هذا المشروع بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وبتمويل مشترك تم من خلاله إنتاج 2500 شجيرة بطم حسب رئيس الجمعية سعيد بوعرفة، وتوزيعها على الفلاحين وإدارة الغابات، كما تم توزيعها على الولايات المجاورة كبشار، البيض والأغواط، وتم تمويل أكثر من ستين 60) فلاحا وطلبة حول بروتوكول إنبات البطم من البذرة، وعدة أنشطة أخرى آخرها ملتقى وطني حول الفستق الأطلسي، أما المشروع الثاني يضيف بوعرفة فيتمثل في جلب ألف (1000) شجرة ميبوريوم، وهي شجرة دائمة الاخضرار تم توزيعها على المؤسسات خاصة التربوية.
وباعتبار أنّ هذه الجمعية بيئية تهتم بالبيئة خاصة في أوساط الأجيال الناشئة، وضعت ضمن أهدافها تشييد حدائق مدرسية لرفع معنويات التلاميذ والأساتذة باعتبار أن التلميذ ابن بيئته، وإشراكه في العناية بالحديقة المدرسية ليحس بالمسؤولية البيئة ويتعلم أساليب البستنة والغرس والسقي، أما الهدف الثاني فهو التربية البيئية من خلال تنشيط النادي البيئي، وتقديم أنشطة مختلفة ولتحقيق هذه الأهداف كان المشروع الثالث يضيف سعيد بوعرفة، هو إنشاء حدائق مدرسية بالمؤسسات التربوية، أهمها مدرسة الإخوة ديدة وإكمالية احمد عفون بالعين الصفراء تم من خلاله تشييد حدائق مدرسية مع تنشيط النادي البيئي، وغرس أكثر من 259 شجرة وورود بهاتين المؤسستين، حيث أصبحت مدرسة الإخوة ديدة من بين المدارس النموذجية على مستوى الولاية إن لم نقل على المستوى الوطني.
كما أن هناك مشروع آخر يتمثل في غراسة شجرة الخروب الحلو، حيث تم اقتناء 600 شجرة خروب الهدف منها هو المساهمة في توفير العلف للمواشي في السنوات القادمة باعتبار أن المنطقة تعيش جفافا حادا وارتفاع أسعار الأعلاف من جهة، ومن جهة أخرى أن هذه الشجرة (الخروب الحلو) معمرة ودائمة الاخضرار، ومناسبة لمناخ المنطقة وثمارها تصلح كعلف للمواشي، وهي تعتبر ثمرة طبية وغذائية للإنسان كذالك، ومهمة جدا للمرأة المرضعة، كما أنّ بودرة الخروب تستعمل في الصناعة الغذائية منها الشكولاطة والجزائر مؤخرا تصدر كمية قليلة من هذه البودرة، ويبقى المشروع الأخير لهذه الجمعية حسب رئيسها هو إحياء واحة من واحات الولاية. وبهذه المناسبة يوجّه كلمة لكل من يريد أن يغرس شجرة أن لا تغرسها قبل أن يضمن لها السقي المستمر، كما أنّ نجاح جمعيته كان بتشاور كل الجمعيات المتخصّصة، وكذا إدارة الغابات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024