تأخّر المواعيد يرهن الاستجابة للعلاج

ندرة الأدوية تستدعي إطلاق صناعة صيدلانية

استطلاع: فتيحة كلواز

 كان وما زال وسيبقى السرطان داءً ينخر جسد مريضه حتى الموت لكنه أيضا بداية معاناة حقيقية في رحلة علاج زادها انتشار فيروس كورونا مأساوية، بسبب تأخير مواعيد العلاج على مستوى المستشفيات لما يقارب الستة أشهر، بل في بعض الأحيان يموت المريض قبل وصول موعده، دون إغفال التكاليف الباهظة للعلاج، فبالرغم من وجود عيادات خاصة للتكفل بمرضى السرطان، إلا أن الاستلقاء على سريرها لتلقي العلاج أو إجراء الاشعة يبقى حلما يتحقق أحيانا على يد جمعيات هي همزة وصل بين المرضى والمحسنين.

 سألت «الشعب» عددا من مرضى الداء الخبيث، السرطان، لتقرب معاناتهم الى القارئ والمسؤول معا من أجل تضافر الجهود، وتسريع وتيرة تجسيد استراتيجية مكافحة السرطان وفتح مراكز إضافية للتكفل بالمرضى، بالإضافة الى إطلاق صناعة صيدلانية لأدوية السرطان حتى يستطيع المريض التداوي بعيدا عن الخوف من تذبذبات السوق العالمية.
«ضيف أبدي»
 هو واحد ممّن يعانون في صمت يتألّمون بعيدا عن أعين مجتمع سد أذنيه حتى لا يسمع أنينه ليلا بسبب سرطان سكن جسده، «أمين»، 35 سنة وجد نفسه منذ ثلاث سنوات في دوامة مغلقة بعد تأكيد التحاليل الطبية اصابته بسرطان الدم، كان الامر بالنسبة له أشبه بـ «الموت حيا» بالنظر الى ما يسمعه وسمعه عن معاناة مرضى السرطان، خاصة مع انتشار فيروس كورونا، وصف رحلته مع الورم الخبيث لـ «الشعب» قائلا: «لم يكن سهلا تقبل الإصابة بالسرطان، خاصة وأنّك في ريعان شبابك كل تفكيرك منحصر في المستقبل بيت، زوجة وأطفال، لكن «غزو» السرطان لحياتك يقلب نظرتك إليها رأسا على عقب، وعوض التفكير في الحياة يسيطر عليك شعور باقتراب النهاية والموت، ولولا القليل من الايمان الذي نحمله داخلنا لكان الانتحار أحسن حل للخروج من حالة الصدمة التي عشتها منذ ثلاث سنوات بعد إخباري بحلول السرطان «ضيفا» أبديا على جسدي».
لم تكن الإصابة بالسرطان همه الوحيد لأنّ دوّامة العلاج أكبر وأكثر تعقيدا، حيث قال «أمين»: «لم أستيقظ بعد من صدمة الإصابة بهذا المرض الخبيث حتى وجدت نفسي في دوامة معقدة اسمها العلاج الكيميائي، الادوية، ومواعيد العلاج. كان أكبر هم بالنسبة لي توفر الادوية بالنظر الى ثمنها المرتفع، فدواء «ديكابيبتيل» مثلا يباع بـ 50 ألف دينار وغير متوفر، في بعض أحيان تصل قيمة الكشف بالاشعة في العيادات الخاصة الى 100 ألف دينار بسبب انعدامها على مستوى المستشفيات.
سمعت كثيرا عن استراتيجية مكافحة السرطان في الجزائر لكن في الميدان لا يوجد سوى «البقاء للأقوى»، فالخطوات بطيئة والأدوية غير متوفرة، وإن استطعت ايجادها تكون بأثمان مرتفعة، لذلك يتجه أغلب مرضى السرطان الى الجمعيات علَّهم يساعدونهم في طريق العلاج والصمود امام السرطان، لكن في كل مرة أرى فيها هؤلاء المرضى الذين يضطرون الى التنقل من ولايات الجنوب الى الجزائر العاصمة من أجل إجراء العلاج الاشعاعي، أحمد الله فعلى الأقل تتوفر ولاية الجزائر العاصمة على كل الخيارات الممكنة من مستشفيات، عيادات خاصة وجمعيات تؤدي دورا مهما في حياة مرضى السرطان».
لم يكن من الممكن تجاوز المعاناة التي يعيشها مرضى السرطان، خاصة في السنتين الأخيرتين بسبب تأخير مواعيد جلساتهم العلاجية على مستوى المستشفيات لتواريخ بعيدة بسبب تخصيص مصالح المستشفيات للتكفل بمرضى كوفيد-19، مأساة حقيقية يعانيها هؤلاء الذين اختارهم السرطان ليكونوا ضحاياه.
«صليحة» اضطرها الورم الخبيث الى التنقل من ولايتها الجنوبية أدرار من أجل العلاج الاشعاعي والكيميائي، تنقلٌ يتطلب منها بذل مجهود كبير بسبب والدها المسن الذي يرافقها في رحلتها العلاجية، خاصة وأنها في بعض الأحيان تجد موعدها أجّل لتاريخ لاحق، ما يرهن تحسن حالتها العلاجية، خاصة وأن التذبذب في توفر ادوية السرطان ساهم في تعقيد حالتها الصحية.
وأوضحت لـ «الشعب» قائلة: «لن تكون الكلمات كافية لشرح معاناة مريض السرطان في الولايات الجنوبية التي تعاني بسبب التهميش وغياب المؤسسات الاستشفائية، ما يضطر المرضى في كثير من الأحيان الى التنقل الى الولايات الكبرى من أجل تلقي العلاج الإشعاعي.
لكن الأَمَرْ هو تلقي العلاج الكيميائي ثم السفر مباشرة الى الولاية الام، فالألم لا يوصف بسبب الآثار الجانبية الكبيرة التي يعانيها المريض كالغثيان، التعب الشديد والوهن، الى جانب دفعك لمبلغ كبير للتنقل الى العاصمة من أجل تلقيه، باعت والدتي جزءا من حليّها لعلاجي، خاصة في المرحلة الأولى بعد اكتشاف المرض، حيث احتجنا الى اجراء العديد من الاشعة كالتصوير الطبقي المحوري «السكانير» والتصوير بالرنين المغناطيسي «اي ار ام»، وتحاليل أخرى، في الحقيقة عرفت المعنى الجوهري للمثل الشعبي «القليل يموت في الليل».
في نفس الوقت أطلقت «صليحة» سلسلة تساؤلات، «كيف يمكن تحويل المريض الى مجرد معادلة تجارية مربحة؟ كيف لطبيب يطلب اشعة من مريض وعندما يحضرها له يطلبها من مركز أشعة معين متحجّجا بأنّها غير واضحة؟ كيف لطبيب أن يقول لمريضه اذهب وعد عندما تجري الاشعة والفحوصات المطلوبة غير آبه بأنها وصفة طبية تعادل قيمتها ما يفوق الـ 80 ألف دينار؟ كيف لمريض أن تبقى حالته الصحية معلقة بما يَجُود به المحسنون عن طريق الجمعيات؟ كيف للبلد القارة الاكتفاء بعدد أقل من عشرة مراكز لمكافحة السرطان كلها في الولايات الكبيرة؟ لماذا تحول مريض السرطان الى عبء ثقيل على الدولة؟ لماذا ندرة الادوية حتى أصبحت حياته مرهونة بتذبذبات السوق العالمية للأدوية؟ ألا يمكن تخفيف معاناته فقد أصبح مجرد استمراره في الحياة حلما؟ لماذا يبخل المجتمع بدمه عن مريض السرطان خاصة الصفائح الدموية، ألا يعلم أفراده انهم قد يصابون به يوما».
أما «يمينة»، إطار في شركة متعددة الجنسيات، التي تعاني من سرطان الغدة الدرقية الذي تم تشخيصه منذ ما يقارب السنة، وصفت ما تعيشه منذ شهور بالمأساة، خاصة وانها فقدت فيها أمها ووالدها بعد سنين طويلة من اصابتهما بنفس الداء، قائلة «بعد تشخيص حالتي بسرطان الغدة الدرقية أصبت بصدمة كبيرة، فبعد وفاة والداي بنفس المرض أصبح الامر جليا بالنسبة لي أنه يعني الموت، خاصة وأنني أم لأربعة أطفال سيكون عليهم الاستعداد للأسوأ لأنه ورم خبيث يتسلل خفية الى الجسد حتى يتمكن منه، لكن أكبر معاناة هي رحلة العلاج، ولولا إحدى صديقاتي التي تعمل طبيبة مختصة في جراحة العظام بمستشفى بالعاصمة لكان عليّ الانتظار الى 29 مارس الجاري لإجراء العملية التي طلب الأطباء إجراؤها قبل ستة اشهر، والحمد لله أجريتها منذ أسبوعين فقط لان صديقتي تدخلت وتوسّطت لي لدى البروفيسور على اعتبار أنني قريبة لها».ولاحظت «يمينة» قائلة «الآن عليّ الخضوع لعلاج اليود المشع الضروري بعد استئصال الغدرة الدرقية، لذلك أنا مضطرة للذهاب الى عيادة خاصة متخصصة لإجرائه بسبب تأخر موعد المستشفى، ولولا أنّني أشتغل أنا وزوجي في شركة متعددة الجنسيات لكانت بالنسبة لي مهمة صعبة لأنها جلسات علاجية تكلف 440 ألف دينار، في كثير من الأحيان استصعب التذمر أمام ما يعانيه مرضى السرطان ممن لا يملكون المال الكافي لسد رمق العيش، السرطان أكبر وطأة عليهم من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأنّه ورم لا يصيب عضوا في الجسد فقط بل تمس «تداعياته» كل تفاصيل الحياة اليومية للمريض، وستكون كارثية في غياب المال والعلاقات».   
دوّامة لا متناهية
 لن تكون معاناة السرطان مقتصرة فقط على الكبار لأنّ الأطفال لهم أيضا نصيب فيها خاصة الذين ينتمون الى عائلات متوسطة أو فقيرة. «صبرينة»، أمّ، يعاني ابنها ذو 11 سنة من الداء، تصف معاناتها بالجحيم بسبب تكاليف العلاج حيث قالت: «منذ ما يزيد عن السنة وأنا أعيش في دوامة حقيقية بعد إصابة ابني بسرطان الدم، كان الأمر بالنسبة لي ولوالده فاجعة حقيقية بالنظر الى التكفل الموجود بمرضى السرطان في الجزائر، خاصة مع انتشار فيروس كورونا، لذلك اتجهت مباشرة الى الجمعيات لمساعدتنا، حيث يساعدنا المحسنون في دفع ثمن الأدوية، خاصة تلك التي تباع بطريقة ما يعرف بـ «الكابة»، ففي إحدى المرات وصل ثمن وصفة الدواء 84500 دينار، فحقنة «Somatuline LP 90 mg» مثلا لا يقل سعرها عن 10الاف دينار، دون حساب الاشعة وتكاليفها الباهظة».
وأضافت «صبرينة»: «هناك بعض الأدوية غير موجودة في الصيدليات، لذلك يتكفّل ذوو البر بإرسالها من الخارج، وإلا لما استطاع أمثالي علاج أبنائهم أو ذويهم، خاصة وأنني وزوجي عاطلان عن العمل، ولا نستفيد من نظام الضمان الاجتماعي، لذلك نستعين بما يقدمه المحسنون على جحيم رحلة البحث عن الدواء، وعليه من الضروري إطلاق صناعة حقيقية لأدوية السرطان في الجزائر حتى لا يبقى المريض رهين تذبذبات السوق العالمية أو السوق السوداء أز أن يكون لقمة سائغة بين فكي المتربحين من سوق الادوية».
في ذات السياق، نصحت «صبرينة» الاولياء الاعتناء بالنمط الغذائي لأطفالهم لأنه أهم أسباب تزايد حالات الإصابة بالسرطان عند الأطفال، فالنمط غير الصحي لعادات الصغار في الاكل خاصة المملحات والمواد الحافظة كالـ «شيبس» والعصائر الصناعية غالبا ما تكون واحدة من الأسباب التي يمكن تفاديها بتربية الطفل على الأكل الصحي، الذي يحتوي على الخضار والفواكه الى جانب الرياضة والابتعاد عن كل ما من شأنه تعزيز فرص الإصابة بالأورام الخبيثة على اختلاف أنواعها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024