في رحلة العلاج من مرض السرطان، يمثل العلاج الكيماوي أكثر من ضرورة، لأنّه يقضي على الخلايا السرطانية ويمنع تكاثرها، وفي بعض الحالات لا يكفي لوحده، بل يتطلب العلاج الإشعاعي « راديوتيرابي «، لكنّ الحصول على كلا العلاجين في المستشفيات أصبح أكثر من صعب مع ارتفاع المصابين بهذا الداء، حسبما تؤكده إحصائيات وزارة الصحة.
يعدّ مستشفى مصطفى باشا من أكثر المستشفيات التي تعرف طلبا متزايدا على هذا العلاج، حيث تستقبل مصلحة «بيير ماري كوري « العشرات من المرضى يوميا لتلقي العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، لكن لم تعد قادرة على استيعاب الوافدين إليها من مختلف جهات الوطن، ما جعلها تعطي مواعيد تمتد لأشهر وقد تصل لسنة، علما أنّ تطوّر المرض لا يتوقف إلا بهذا العلاج الذي تخصّص له الدولة أموالا كبيرة وهو من أغلى العلاجات.
وأمام ما يعرفه مستشفى مصطفى باشا ومستشفى الرويبة بالعاصمة من اكتظاظ، أنشأت الدولة مصالح للعلاج الكيماوي في كل ربوع الوطن بما في ذلك الجنوب الكبير، غير أنّ بعد المسافة يشكل عقبة أمام مرضى منطقة الشمال للتداوي بهذه المناطق لبعد المسافة، ويأملون فتح مراكز أخرى في المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة.
100 مليون سنتيم للعلاج بالمراكز الخاصة
الألم والمعاناة لا يترك خيارا آخر للمريض سوى البحث عن العلاج لدى المراكز الخاصة، في العاصمة مثلا يوجد مركزان للعلاج الكيماوي والإشعاعي أحدهما بالمدينة الجديدة سيدي عبد الله غرب العاصمة، يقع ما بين المعالمة وسيدي بنور.
ويمكن للمرضى الوافدين لمركز العلاج من السرطان بسيدي عبد الله الحصول على جرعات العلاج الكيماوي والإشعاعي في الموعد الذي يريد المريض، لكن فاتورة هذه الخدمات الطبية باهظة جدّا « لمن استطاع إليها سبيلا «، وكان لـ « الشعب « زيارة لهذا المركز الكبير المجهز بأحدث وسائل العلاج بنوعيه.
فاتورة العلاج الكيماوي هنا تبدأ من 30 ألف دينار للحصة الواحدة، وتزداد ارتفاعا حسب كمية ونوعية العلاج ومدته، علما أنّ المريض أقل ما يحتاج إليه 4 حصص، والأمر لا يختلف بالنسبة لفاتورة العلاج الإشعاعي، إذ تتجاوز 25 ألف دج للحصة، لكن المريض قد يحتاج ما بين 15 إلى 50 حصة علاجية، مع الإشارة أنّ هناك مرضى يتلقون العلاجين في نفس الوقت لتصل الكلفة إلى 100 مليون سنتيم، ومن أين للمريض ذي الدخل البسيط أو حتى المتوسط أن يوفر هذا المبلغ ؟
سألت «الشعب» بالمركز عن كيفية دفع المبلغ، فقالت الموظفة القابضة أنّه بإمكان المريض أن يسدّد المبلغ على دفعتين، لكن بالرغم من ذلك يبقى مرتفعا.
واستنادا إلى توضيحاتها، للمركز اتفاقيات مع بعض القطاعات والمؤسسات فقط، وهي تلك التي يعد عمالها بالألاف، على غرار التربية، الأمن الوطني .. لأنه كلما كان العدد مرتفعا كلما كانت مداخيل المركز أحسن، فالاتفاقيات التي لا تحمل قيمة مالية كبيرة ليست مهمة لهم.
وأمام المشهد المثير للانشغال يطرح السؤال، لماذا لا يعوّض صندوق الضمان الإجتماعي فاتورة العلاج للمؤمنين اجتماعيا، كما هو الحال بالنسبة لبعض العيادات الخاصة، على غرار عيادة « شهرزاد» بالشراقة التي تربطها بـ» كناص « اتفاقيات لإجراء العمليات الجراحية ذات التكلفة الباهظة.
أما بالنسبة لعدم وجود اتفاقيات بين هذا المركز و» اكناص « قالت المتحدثة إنّ الإشكال موجود لدى هذا الأخير، بدون أن تقدم أيّ توضيح، مضيفة أنّ مثل هذه الاتفاقيات تهمّهم، لأنّها تساهم في التكفل بالمرضى بدون أن يدفعوا دينارا، لأنّ الصندوق سيتولى ذلك.
وفي انتظار أن تكون هذه الاتفاقيات قائمة بين مراكز علاج السرطان الخاصة وصندوق الضمان الاجتماعي، تبقى رحلة البحث عن العلاج شاقة تضاعف من شدّة المرض نفسه، وكثيرا ما يفارق المريض الحياة وهو ينتظر حلول موعد تلقي جرعة العلاج الكيماوي.