آلية لحماية المال العام وتحسين أداء الهيئات
الرقابة البرلمانية والإدارية لا تقوم بدورها كاملا
تقاطع مختصون في تأكيد أهمية المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية ودورها المحوري في معرفة الاختلالات الموجودة على المستويين المحلي والولائي وتجاوزها، بغية تحقيق نجاعة اقتصادية تسمح بالمضي في الأهداف المرجوة لهذه السنة الاقتصادية، حيث اعتبروها أداة للرقابة والتقييم وكذا الفعالية في التسيير العمومي.
تعمل المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية على مراقبة تنفيذ السياسات العمومية وتقييمها، ومراقبة شروط إنجاز المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية، بالإضافة إلى وضعها قيد التنفيذ والاستغلال، نصّبها رئيس الجمهورية وصوبها نحو الأمور والقضايا التي تكتسي أهمية لدى السلطة والمواطن على حد سواء.
هارون: تحقيق النجاعة الاقتصادية
عن مدى أهمية المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة، لاحظ الخبير الاقتصادي الدكتور عمر هارون، أن المرحلة التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عرفت تسيّبا كبيرا على مستوى الإدارة، ما انعكس بشكل واضح على أداء الإدارة الجزائرية التي حولت البيروقراطية من أداة لتنظيم الإدارة الى أداة لعرقلة كل المشاريع التي يمكن أن تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، سواء كان على المستوى المحلي أو الوزاري أو حتى الوطني.
من هذا المنطلق، اختار رئيس الجمهورية أن تكون لديه أداة على مستوى رئاسة الجمهورية تضاف إلى الأدوات الرقابية المتعارف عليها سواء برلمانية أو التقليدية المتعارف عليها على مستوى الوزارات أو حتى الأمنية. وقال هارون إن هذه الأدوات ستكون رهن إشارة رئيس الجمهورية المباشرة، تقوم بتقديم التقارير الدقيقة والواضحة حول مختلف المشاريع، بالإضافة الى إعطائه المعلومة الدقيقة عن الوضعية الموجودة في مختلف مناطق الوطن.
في ذات السياق، أشار الخبير الاقتصادي في حديثه، إلى أن الرؤية الموجودة الآن تنحصر في كيفية الحصول على المعلومات الدقيقة. وبحكم أن رئيس الجمهورية هو القاضي الأعلى في البلاد، وعلى اعتبار ما يمنحه وتخوله له السلطة سيكون قادرا على إنصاف من تشوَّهت صورتهم بطريقة غير صحيحة، بالإضافة إلى إمكانية اتخاذه قرارات ردعية تجاه المتسببين في تعطيل المشاريع الوطنية.
لذلك، ومن هذا المنطلق، يعد هذا النوع من الأدوات أداةً مهمة، خاصة وأن الجزائر في صدد إعادة بناء المؤسسات التي أتممت بناءها، مؤكدا وجود فرق بين إعادة البناء وتحسين سير هذه المؤسسات.
وقال إن الرقابة البرلمانية أو الإدارية لا تقوم بوظيفتها بصفة كاملة، بل هي في حدود 80٪، لذلك تأتي المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية لسد الثغرة الموجودة بغية تحقيق أداء كاملا. لكن في المقابل يكون تخوف لبعض المسؤولين تجاه المفتشية، ما يجعلنا نعرف المسؤول الحقيقي الذي يؤدي عمله بشكل دقيق، من المقصِّر والمتقاعس في أداء مهامه. كما بإمكان هذه الأداة تقديم مجموعة من الموظفين والمسئولين على المستوى المحلي، يمكن ترقيتهم في حالة أداء جيد لمهامهم.
لذلك فعندما تضع المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية يدها على الجرح تجاه المشاريع المتوقفة والمسؤولين المقصرين، يمكن لها أن تفرز لنا مجموعة من المسؤولين يؤدون وظيفتهم على أكمل وجه، وتوكل لهم مجموعة من المهام الوطنية الحساسة، ما يسمح باستحداث نخبة جديدة من الإداريين القادرين على تحمل مسؤولياتهم في المرحلة القادمة.
وتوقف عند تراجع النجاعة الاقتصادية للمشاريع، وذكر في السياق بأنه عندما قدم مجلس المحاسبة تقريره في 2020، تفاجأ رئيس الجمهورية بحجم تعطل المشاريع على المستويين الولائي البلدي، وصلت في بعض البلديات والولايات إلى 80 و90٪ وفي بعض الولايات إلى 60 و50٪.
في الوقت نفسه، أكد أن سبب تعطل المشاريع مرتبط بغياب الفعالية على المستوى المحلي، لكن بإمكان المفتشية أن تعرف أين سبب العطل الحقيقي، هل هو على المستوى المحلي أم بسبب عدم منح تراخيص على مستوى الوزارات، أو بسبب وجود مشكلة على مستوى وزارة المالية، فالمفتشية تستطيع تتبع مختلف المشاكل الموجودة والوصول إلى الحقائق التي ربما تغيب عن البعض من غير المختصين.
وتوقع هارون أن تضم المفتشية مختصين لهم باع طويل ي العمل الإداري وفي الرقابة، ما سيمنحهم فعالية كبيرة. مؤكدا عدم وجود أي تداخل مع مهام وسيط الجمهورية، على اعتبار أن المهام الموكلة للأخير واضحة، متعلقة بتسهيل الاستثمار، خاصة المشاريع الراكدة، تستقبل مصالحه على مستوى الولايات المواطنين من أجل إيصال تساؤلاتهم وشكاويهم إلى أعلى سلطة في البلاد بشكل مباشر. أما المفتشية فتتعلق مهامها بالإدارة، لتعرف إن كانت كل المشاريع تسير كما هو مخطط لها ولمعرفة أيضا الاختلالات الموجودة على مستواها.
بريش: أداة للتقييم والتقويم
اعتبر عضو لجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش، في اتصال مع “الشعب”، تنصيب المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية من طرف رئيس الجمهورية، خطوة إيجابية في اتجاه تكريس آليات الحكامة العامة لإدارة الدولة، حيث ستسمح بتعزيز المساءلة على أعمال الهيئات العمومية ومختلف الإدارات، بما فيها الجماعات المحلية. وتعمل أيضا على تقويم أداء هذه الهيئات، مما يدفع نحو الرفع من الأداء والالتزام بتطبيق توصيات وتوجيهات رئيس الجمهورية، خاصة تلك التي تصدر عن اجتماعات مجلس الوزراء والتقليل من الفجوة بين الرغبة والإرادة السياسية وتنفيذ القرارات على أرض الواقع.
في ذات السياق، أكد بريش أن تنصيب هذه المفتشية العامة على مستوى رئاسة الجمهورية، سيكون عاملا ضاغطا على المسؤولين في مختلف مراكز المسؤولية واتخاذ القرار من أجل الفعالية والحرص أكثر على تحقيق النتائج المرجوة، كما تكون هذه المفتشية أداة لتقييم وتقويم عمل المسؤولين.