إعادة النظر في تنظيمها وفق المعايير الدولية

المُجمّعات الصناعية.. مفتاح الإقلاع الاقتصادي

فتيحة كلواز

يعوّل عليها لتكون قاطرة الاقتصاد الوطني ومحرك عجلته في قفزة نوعية تحقق نجاعة اقتصادية مستدامة، المجمعات الصناعية العمومية ورقة رابحة للنهوض بقطاع الصناعة لبلوغ الهدف المنشود والمساهمة بـ 15 بالمائة من الناتج الخام المحلي، ثورة صناعية ينتظر تحقيقها في سنة اقتصادية بامتياز، من خلال حرص الدولة على إعادة النظر في تنظيم عملها حتى يتماشى مع المعايير العالمية والتنافسية.

قال الخبير الاقتصادي هادف في اتصال مع “الشعب”، إنّ ملف المجمعات الصناعية العمومية أسال الكثير من الحبر، فكثيرا ما توصف بغير المفيدة للاقتصاد الوطني لعدم مواكبتها التغيّرات والتطورات التي يعرفها الاقتصاد محليا وعالميا، لذلك وصلت إلى مرحلة تستوجب إعادة النظر في تنظيم وعمل هذه المجمعات لحاجة الجزائر إليها لتجسيد مخطط الإنعاش الاقتصادي، ولتعويل الحكومة عليها لما لها من خبرة ودور في الاقتصاد الرسمي، وهو سبب حرصها على أن تعمل هذه المجمعات بمعايير عالمية وتنافسية.

قاطرة الاقتصاد الوطني
أوضح هادف أنّ الحديث عن بعض القطاعات التي أصبحت من بين القطاعات التي تساهم في جر الاقتصاد الوطني وتحريك عجلته، كقطاع الصناعات الغذائية، الميكانيكية، والكهربائية والصناعة الصيدلانية، يستدعي التوقف عند حاجتها إلى إعادة تنظيم وبعث بالإضافة إلى دمج جديد في حوكمتها الرشيدة، فمن بين أهم نقاط الضعف فيها المتفق عليها نجد غياب نظام الحوكمة الرشيدة والتسيير في هذه المجمعات، التي لا تتماشى مع معايير التسيير في ميدان “المناجمنت”، لذلك نحن مطالبين بإعادة النظر في هذه النقطة بالذات.
في ذات السياق، كشف المحلل الاقتصادي أنّ نفس الشيء يمكن قوله عن الاستثمارات في هذه المجمعات الصناعية، فالسؤال المطروح، اليوم، هو ماهي الأهداف المنتظرة منها في شقيها الاقتصادي والاجتماعي؟ فعندما نرى مجمعات مثل “أونيام” أو “أوني” أو “سيدار” للحديد والصلب نجدها تضم يدا عاملة كبيرة، لذلك تحتاج هذه المجمعات إلى مخططات استثمار تتلاءم مع الأهداف المرجوّة.
وذكر في سياق حديثه إلى “الشعب” بأنّ رئيس الجمهورية وضع هدف تحقيق قطاع الصناعة 15 بالمائة من الناتج الخام المحلي، معتبرا أنّه هدف كبير وطموح، لكن بالنظر إلى مساهمة قطاع الصناعة بـ 5 إلى 6 بالمائة من الناتج الخام المحلي، يجب أن يكون هذا الهدف الكبير في صلب المخططات التنموية للمجمعات الصناعية، من خلال إحداث ثورة صناعية حقيقية لرفع مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد الوطني.
في نفس الوقت، أكد هادف أنّ هذه الخطوة ستجعلها القاطرة المحركة لعجلة الاقتصاد الوطني بالنظر إلى الثقل الكبير للصناعة الجزائرية فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، كما هي مطالبة كذلك بإحداث قفزة نوعية فيما يخص عصرنتها وإدخال النظم الجديدة في تسييرها يعتبر الابتكار والإبداع أهمها، فكل المجمعات عبر العالم، اليوم، يتم تنظيمها حول نقطة الابتكار والتطوير.
وعن قطاع الصناعات الميكانيكية، فيجب أن نعلم -حسب المتحدث- أنّ صناعة السيارات أصبحت تسيل الكثير من الحبر، لذلك نحن مطالبون بمواكبة تطوراتها وتغييراتها عبر العالم فكل المؤشرات تدل على تحول جوهري في صناعة السيارات، لأنّنا نتحدث عن السيارة الكهربائية والسيارة الذكية، بل حتى الهدف من استعمال السيارة أو المبدأ الذي تبنى عليه هذه الصناعة سيتغيّر بشكل جذري.
وكشف أنّه كان من بين الذين دعوا من قبل إلى الانطلاق بما هو أولى والمتميّز بأهمية كبيرة في هذا القطاع، فقبل الاتجاه نحو إنجاز مصانع السيارات علينا البدء بصناعة البطاريات من الجيل الجديد، والأنظمة المحملة داخل السيارات وهي عبارة عن كومبيوتر تسير كل المنظومة داخل السيارة.
وعليه تعتبر صناعة البطاريات وصناعة الأنظمة المحمولة في السيارات من بين الصناعات التي ستعطي قيمة مضافة كبيرة لهذا القطاع، مؤكدا في نفس الوقت قدرة الجزائر على خوض هذا المعترك لامتلاكها كفاءات كبيرة وخبرة في هذا المجال من بينها الجالية الجزائرية التي تعمل في كبريات الشركات العالمية.
وعن شق الموارد البشرية والحوكمة الرشيدة، قال هادف إنّ هذه المجمعات مطالبة بجلب خيرة الكفاءات والمسيرين في مختلف المستويات كالتسيير أو النظم الإنتاجية، واللوجستيك، مؤكدا أنّ سلسلة القيم لها دور كبير في حياة المؤسسة أو المجمع الصناعي وهو ما يستدعي أن تكون مدروسة وأخذها بصورة جدية.
أما فيما يتعلق بالجانب المالي، أشار الخبير الاقتصادي إلى استفادة هذه المجمعات الصناعية من أموال كبيرة من الخزينة العمومية، لذلك حان الوقت للتفكير في وضع تركيبات جديدة لتمويل هذه المجمعات الصناعية، بضرورة تسيير جدي لرأسمال هذه المجمعات والذهاب إلى السوق المالية خاصة البورصة للبحث عن موارد مالية ثابتة للتمويلات الآتية من الخزينة الوطنية.

مرسوم تنفيذي جديد
على عكس المجمعات الصناعية العمومية ذكر المختص المجمعات الصناعية الخاصة حديثة النشأة بدأت نشاطها منذ سنوات التسعينات وما بعد، معتبرا أنّ أهم إشكال تعانيه هو أنّ عددها غير كاف في اقتصاد لبلد مثل الجزائر، لذلك هي بحاجة إلى استحداث الكثير من المؤسسات في القطاع الصناعي.
ويرى هادف أنّ المجمعات الخاصة لها مميزاتها في التسيير والتطوير وأداة الإنتاج، أما من الجانب توزيعها الجغرافي نجدها موجودة في بعض المناطق فقط بسبب عدم اعتمادها التوجه الاجتماعي الذي نحتاجه اليوم، لأنّ منظومة الجزائر مبنية على الدعم الاجتماعي، لذلك يجب أن تؤدي هذه المجمعات الصناعية الخاصة دورها في هذا الجانب من خلال تواجدها في مناطق كالجنوب الكبير، الهضاب العليا والمناطق الداخلية.
في سياق ذي صلة، أكد الخبير الاقتصادي أنّ للمجمّعات الصناعية الخاصة دور كبير في تسيير المؤسسات في إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة، لذلك هي مطالبة اليوم بتطوير هذا الجانب، ونفس الشيء بالنسبة لاستغلال الأموال التي ربحتها من قبل، فلدى المؤسسات الخاصة أريحية مالية هي مطالبة بتوظيفها في قطاعات تحتاجها الجزائر، كقطاع الطاقة لتجسيد الانتقال الطاقوي، وكذا قطاع السياحة.
 ومن أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي في إقلاع اقتصادي مستدام صانع للثروة، يجب وضع إطار قانوني للشراكة بين القطاع العمومي والخاص، حيث سيصدر مرسوم تنفيذي جديد يضبط هذا النوع من العلاقة، معتبرا هذه الخطوة نقطة مهمة تمكننا من وضع طريقة جديدة لتسيير المجمعات الصناعية من أجل تحقيق نجاعة اقتصادية.

أحد ركائز التنمية المستدامة
 يذكر أنّ وزير الصناعة أحمد زغدار أكد، في وقت سابق، شروع وزارته في إنجاز تدقيق شامل لكل المجمعات التابعة، معلنا في الوقت نفسه رفع تقرير أعدته وزارتي الصناعة والمالية للوزارة الأولى يتضمن الاختلالات المسجلة على مستوى أداء المسيرين والحلول المقترحة للنهوض بالمجمعات الصناعية المتعثرة.
وتأتي هذه الخطوات في إطار توصيات رئيس الجمهورية الذي قال نهاية السنة الماضية إنّ “ الوضع الراهن الذي آلت إليه الصناعة في بلادنا ليس قدرا محتوما، وإنّما يمكن تصويب بعض جوانبه عاجلا من خلال تدابير عاجلة للقضاء التدريجي على أسباب انتكاساته وتطهيره من مخلفات الفساد وهدر المال العام”، حيث أعلن الشروع في إصلاحات جديدة تخصّ قطاع الصناعة، الذي يعوّل عليه كأحد ركائز التنمية المستدامة ودافع أساسي للنهضة الحقيقية.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024