نسترجع في الذكرى الثالثة للحراك، صور هبة شعبية عنوانها هو إخراج الجزائر من الهوان والضعف لتستعيد دورها الاستراتيجي إقليميا ودوليا. ومن رحم الجزائر خرج حراك أراده أعداؤها سكاكين تمزق وحدتها، لكن وفي ظاهرة اعتبرها المحللون جديدة، التفّ الشعب حول جيشه في لحمة قوية لم يكن لأحد تصورها من قبل، عزز تلاحم الشعب بجيشه سلمية الحراك. وظهر جليا، حسب المحلل السياسي عبد القادر سوفي، أن الجيش الوطني الشعبي هو امتداد طبيعي للشعب الجزائري فمنه يبدأ وإليه ينتهي.
مع بداية الحراك الشعبي في 22 فيفري 2019، عاشت البلاتوهات عبر مختلف قنوات العالم حالة استنفار، اجتمع فيها المختصون والمحللون لوضع سيناريوهات نهاية تلك الهبّة الشعبية غير المتوقعة والتلقائية، كان أغلبها يغذي سيناريو يتحول فيه الحراك السلمي إلى حراك عنيف، غايتهم ضرب وحدة الجزائر.
انتظروا أسابيع ثم أشهرا ثم سنة، لكن لم تهدر قطرة دم واحدة، بالرغم من المناوشات والإشاعات والأكاذيب التي جهرت بها نشرات أخبار دولية، فتيقنوا حينها أنهم أمام حالة إنسانية فريدة لم يعرفوها من قبل، جعلتهم يفشلون في معرفة طبيعة العلاقة بين الشعب الجزائري وجيشه، فكانت بالنسبة لهم معادلة بدون حل، سقطت أمامها كل الأقنعة وكل الألاعيب السياسية، في صورة أجندات أجنبية تحاك تفاصيلها في الخارج وتنفذها أدوات في الداخل.
فشلت العبقرية البشرية الغربية في التكهن بسيناريو نهاية الحراك الشعبي المغايرة لكل التوقعات، لخصته الجماهير الجزائرية في شعار بسيط هو «جيش شعب خاوة خاوة»؛ رمزية كبيرة حملتها تلك الكلمات البسيطة التي هزت شوارع مختلف مدن الجزائر، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، تعالت فيها أصوات الجزائريين على اختلاف ألوانهم ولهجاتهم ومستواهم المعيشي «جيش شعب خاوة خاوة»، فأبانت عن لحمة قوية لم ولن يكون كسرها أو إضعافها بالمهمة السهلة، بل هي المهمة المستحيلة التي كسّرت في كل مرة شوكة كل من تسول له نفسه اللعب على خيط الثقة بين الشعب وجيشه.
لم يكن ممكنا للبلاتوهات العالمية تجاوز تلك الصورة التي جمعت شعارات حملها السائرون في الحراك تنادي بوحدة الشعب بجيشه، بل أكثر من ذلك أرغمتهم على ترشيح الحراك لجائزة نوبل للسلام، فكان واضحا وجليا أن الحشد الإعلامي لن يجدي ولن يكون فعالا في توجيه الجزائر إلى طريق الدم والضياع.
أفشلت لحمة الشعب بجيشه خطة بنيت تفاصيلها الدقيقة على إذكاء نار «الفتنة»، ما استدعى تغييرها بأخرى، انتهت بمخططات لإشعال نار التهمت الأخضر واليابس في ولاية تيزي وزو، الصائفة الماضية، لكن بالرغم من ألسنتها المستعرّة كانت «بردا وسلاما» على وحدة الوطن، بل كانت سببا في فضح خيوط مؤامرة، على أجندتها محاولات يائسة كسر الجزائر شعبا، جيشا وسيادة.
لم يكن التواصل بين الشعب وجيشه منعدما، فكان الحوار الراقي يدل على وعي بتحديات ورهانات مرحلة مفصلية وحساسة، جاءت في ظروف جيواستراتيجية مقلقة على طول حدود الجزائر، شرقية كانت أم غربية أو جنوبية، فكان الشعب يخاطب جيشه كل يوم جمعة مطمئنا «جيش شعب خاوة خاوة»، ليرد الجيش وقيادته في كل مرة، من خلال بيان او افتتاحية مجلة الجيش، بالتأكيد على أن قوة الجزائر في اتحادهما وعدم ترك المجال للأجندات الأجنبية للتلاعب بهما، حيث نشرت مجلة الجيش في إحدى افتتاحياتها «الجيش لا تخيفه هذه الأساليب ولا ترهبه الألاعيب ولا تثنيه المراوغات، طالما أن الشعب يؤمن به ويثق في خطواته».
بينما دعت افتتاحية مجلة الجيش في عددها لشهر يناير 2022، «الشعب الغيور على بلده والمدافع عنه، إلى الالتفاف حول الجزائر وجيشها، من أجل إفشال المناورات المفضوحة التي تحيكها المملكة المغربية الخادمة للمشروع الصهيوني».
أما في عدد المجلة لشهر مارس 2020، فقد أكدت أن «التلاحم بين الشعب وجيشه عزز الشعور بالوطنية لعديد الفئات، التي أيقنت بالدور البارز لحامي الوطن والشعب». وأضافت في نفس العدد، «الجزائر الجديدة ستكون واقعا، خصوصا وأن ما يطبع هذه البداية الموفقة، التوجه نحو تقوية الجبهة الداخلية وترسيخ التلاحم بين صفوف الشعب، فضلا عن الرابطة القوية بين الشعب وجيشه. فبالنظر إلى طابعه الجمهوري وامتداده الشعبي وبعده الوطني، من الطبيعي، والحال هذه، أن يلتف الشعب حول جيشه صادحا بأعلى صوته في وجه كل من تسول له نفسه التشكيك في هذه العلاقة المتينة التي تجمعهما..».
وعن طبيعة هذه العلاقة، كتبت: «هي تعبير عن علاقة وجدانية ربانية ستظل قائمة بل تزداد ترسخا» بعد إعلان يوم 22 فيفري من كل سنة «يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية».
سوفي: امتداد لالتفاف شعب
قال المحلل السياسي الدكتور عبد القادر سوفي، لـ «الشعب»، «إن الحراك الذي قام به الشعب الجزائري تلقائيا، كان ضربة قوية لكل من سولت لهم أنفسهم الاستيلاء بطرق ملتوية وغير شرعية على الحكم في الجزائر وعاثوا فيه فسادا»، لكنه أبان في نفس الوقت عن وعي غير مسبوق للشعب الجزائري، الذي تعامل في تحوله مع الحراك بفطنة مع الجماعات التي حاولت اختراقه، سواء كانت تلك الجماعات الإرهابية أو الأجندات الأجنبية التي حاولت التلاعب به، لتبرز بذلك قوة اللحمة بين الشعب ومؤسسات الدولة.
ولاحظ الدكتور، أن هذه القوة أصبحت الشيء البارز بالنسبة للسوسيولوجيين عبر العالم وحتى الدارسين للمشاكل الأمنية، بل كانت بالنسبة لكل الدراسات الأمنية، الاجتماعية والاقتصادية ظاهرة جديدة، خاصة للغرب الناظر بدونية لشعوب العالم الثالث، حيث كان يرى فيها شعوبا قاصرة غير مثقفة ولا متحضرة وغير واعية. فقد أبان الشعب الجزائري قدرة عالية على التفاعل مع كل محاولات تحويل الحراك عن مساره، وتأكد ذلك لاحقا بعد بداية استكمال بناء مؤسسات الدولة وكذا الحرائق التي طالت بعض مناطق الوطن، خاصة ولاية تيزي وزو، وكل عمليات التشابك التي تدخل في إطار الحروب الحديثة الساعية الى ضرب النسيج الاجتماعي وإضعاف الجبهة الداخلية. لكن ظهر الشعب في لحمة كبيرة وقوية.
في ذات السياق، كشف سوفي أن آخر تلك المحاولات العمل الدنيء الذي قامت به قناة «ار.تي»، من خلال الشريط الوثائقي الذي حاول ضرب مصداقية الدولة والشعب الجزائري بإعادة شعار «من يقتل من؟»، حيث اعتبره عملا وهميا، تفطن له الشعب الجزائري وكان له بالمرصاد عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي. ويدخل هذا، بحسبه، في إطار القوة التي أصبحت تستلهمها السلطة السياسية في الجزائر، من خلال هذه اللحمة بين مؤسسات الدولة والشعب، في إطار استراتيجية بناء قرارات مشتركة. ولاحظ انه حتى قرارات رئيس الجمهورية والتزاماته 54 نابعة من سلطة وتطلعات الشعب، ومن طبيعة العقد الاجتماعي الذي تم بين مؤسسات الدولة والشعب.
وهو ما سمح بعودة الجزائر إلى الساحة الدولية بقوة، فحتى خطابات رئيس الجمهورية منبعها السيادة التامة على مؤسسات الدولة وصناعة القرار. فنحن نعلم ان الدول ناقصة السيادة، سواء في بعدها الاقتصادي أو الاجتماعي والبنية المؤسساتية، تؤدي دائما الى ضعف القرار، عكس ما ظهر عليه القرار الجزائري.
وأوضح المتحدث، أن المحاولة الأخيرة تزامنت مع أربع ذكريات كبيرة وعزيزة على المواطن الجزائري، فيها الكثير من الرمزية، أولا 13 فبراير التي تتزامن مع ذكرى أول تفجيرات نووية «اليربوع الأزرق» التي قام بها المستعمر الفرنسي في الجزائر.
الثانية، مرتبطة باليوم الوطني للشهيد 18 فبراير. أما الثالثة فذكرى الحراك المبارك في 22 فبراير وأخيرا 24 فبراير ذكرى تأميم المحروقات في 1971.
وإذا جمعنا هذه التواريخ في هذه المرحلة بالذات، سنجمع بين رمزية كبيرة في الدولة الجزائرية. أولا، أن لا ننسى شناعة وقذارة الاستعمار في الجزائر والإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية من خلال التفجيرات النووية. ثانيا، التضحيات الكبرى للشعب الجزائري في جهاده ضد المستعمر. ثالثا، اللحمة الكبيرة بين الشعب الجزائري حول مؤسساته وانفراده بخيارات بناء دولته بنفسه في 22 فيفري 2019، أيضا سيادة الجزائر على كل خيراتها ومؤسساتها وأنها في مخرجاتها هي دولة سيدة. كل هذه التواريخ أراد الله لها ان تكون أربع رمزيات قوية تتزامن مع ذكرى الحراك.
وفي الوقت نفسه صرح المحلل السياسي، أن الجيش الوطني الشعبي هو المؤسسة العسكرية الوحيدة في العالم التي لم تؤسس بقرارات، بل هي امتداد لالتفاف شعبي حول حركة الجهاد والاستقلال في 1954، أين لبّى الشعب الجزائري نداء الثورة وبيان أول نوفمبر دستور الدساتير، الذي حشد الشعب الجزائري لتلبية نداء الوطن، فأنشئ تلقائيا جيش التحرير الوطني الذي تحول لاحقا الى الجيش الوطني الشعبي، وفي كلتا الحالتين، سواء كان جيش التحرير أو سليله الجيش الوطني هو نابع من الشعب.
اليـوم الوطنـي للأخوّة بـين الشعـب وجيشـه
«جيــش شعـب خـاوة خـاوة».. عنــوان لجزائر منتصـرة
فتيحة كلواز
شوهد:378 مرة