الدّعم يفتح شهيّة مافيا التّرهيب بالحدود

معــارك يوميـة لحــمايــة «قـوت» الجـزائــريّين

تبسة: سمية عليان

 خبراء: توجيه الدّعم لمستحقّيه يعجّل بتصحيح المعادلة

 تواجه الجزائر مجموعة من التحديات الكبرى، منها التهريب بكل أشكاله وضرورة حماية الممتلكات العامة والخاصة، وتكييف منظومة تشريعية وطنية لجعلها أكثر ملاءمة لطبيعة جريمة التهريب التي تشكّل منذ عقود تهديدا للاقتصاد الوطني، بل تعتبر أكثر الجرائم خطورة لما تخلفه من آثار وخيمة على عدة مستويات اقتصادية، اجتماعية وأمنية.
 بالرغم من تلقي شبكات التهريب والجريمة العابرة للحدود ضربات موجعة من خلال عمليات الحجز، إلاّ أنّها رفعت خلال سنوات 2019 إلى 2021 مؤشر نشاطها غير القانوني، مستغلة انخفاض قيمة الدينار وارتفاع أسعار بعض المواد واسعة الاستهلاك بين الجارتين الجزائر وتونس، لتهريب أطنان من المواد الغذائية بحثا عن الربح السريع.
بحسب الإحصائيات المقدمة من المديرية الجهوية للجمارك تحوز جريدة «الشعب ويكاند» نسخة منها، فإن شبكات التهريب الناشطة على الحدود الشرقية خاصة ببلديات ولاية تبسة العشرة المتاخمة للحدود التونسية تستثمر بقوة في المواد الغذائية، حيث سجلت سنة 2021 حوالي 157 قضية تهريب عند الاستيراد والتصدير بأكثر من 118 ألف كلغ و1190 لتر من مختلف المواد، وتصدّرت قضايا تهريب الوقود القائمة بـ 633 قضية، تم حجز فيها 280 ألف لتر كان معدا للتهريب بقيمة مالية تقدّر بـ 6.6 مليون دج، تمّ تسليم حوالي 672 ألف لتر من المحروقات لمصالح مؤسسة نفطال في السنوات الثلاث الأخيرة.
وبهدف توسيع هذه الشبكات نشاطها في اختراق السوق الجزائرية بتهريب مختلف المواد كالعملة الصعبة بحجز 250 ألف اورو بقيمة مالية تجاوزت 41 مليون دينار إلى المهلوسات والمعادن النفيسة والأسلحة والذخيرة، كما دخلت أجندة المهربين المواد الصيدلانية، الكمامات والقفازات الطبية وحتى الأجهزة الحساسة كطائرات دون طيار والهواتف النقالة الذكية.
النّحاس، الحديد و»الشيفون» في الصّدارة
 حسب ما كشفت عنه أرقام الجمارك بتبسة، فإنّه تمّ حجز 264 ألف قرص مهلوس وأكثر من 82 ألف علبة دواء منها حبوب «فياغرا» والمنتشرة على مستوى الوكالات الصيدلانية بعدة أشكال محلية وأجنبية الصنع، ويطرح عدة علامات استفهام حول مطابقة هذه المواد لمقاييس المخابر الأصلية المعتمدة بالنظر إلى كونه مجهول المصدر لا سيما المهربة منها، وتحدثت معلومات أخرى عن تجديد وتقليد مدة الصلاحية، وهي نفس المؤشّرات التي تنطبق مع عمليات نوعية للجمارك، حيث تمكّنت من حجز 9630 قطعة مواد تجميل مختلفة ذات نوعيات غير مطابقة للشروط الصحية من حيث التعليب والشحن، فيما وسّعت شبكات التهريب نشاطها ليشمل تهريب نفايات النحاس، حيث تمّ حجز كمية 2616 كلغ منها، إضافة إلى كميات من نفايات الحديد والألمنيوم وبطاريات ومحركات المركبات، ناهيك عن قطع الغيار المستعملة.
كما ركّزت شبكات التهريب في السنوات الأخيرة على تهريب الأسلحة والألبسة المستعملة لتبقى أهداف المهرّبين تتمحور حول تسجيل هامش ربح مرتفع بسبب فارق السعر بين تونس والجزائر.
2414 قضية ضد مجهول
 أظهر تقرير حصيلة المديرية الجهوية للجمارك بتبسة على مستوى ثلاث قباضات بئر العاتر وتبسة وأم البواقي، أن قضايا التهريب الموضوعة أمام العدالة لثلاث سنوات بين 2019 و2021 وصلت إلى 3387 قضية، بزيادة 11.63 بالمائة خلال سنة 2021، وقدّرت قيمة البضائع المحجوزة خلال نفس الفترة بأكثر من 389 مليون دينار جزائري، وقد تورّط في هذه القضايا 1818 موقوف فيما قيّدت 2414 قضية تهريب ضد مجهول.
«الدرون» للإفلات من الرّقابة الأمنية
 عمدت شبكات التّهريب على مرّ السّنوات إلى استغلال الطرق غير المعبدة والمسالك الترابية والغابية هروبا من المراقبة، كما كان استغلال الأعياد والمناسبات الوطنية فرصة مناسبة للكثير من المهربين لتمرير مختلف السلع عبر هذه المسالك، فيلجأ العديد منهم إلى استعمال الحمير التي تصاب بجروح في المسالك الجبلية، وتتعرّض للضرب والتجويع لنقل مختلف البضائع والسلع المهربة. وفي هذا الصدد تمّ تسليم الحمير المحجوزة في إطار مكافحة التهريب إلى حدائق الحيوانات ببن عكنون، القالة، جيجل ومستغانم ووصل عدد الأحمرة المسلّمة إلى 2804 حيوان، منها 1418 سنة 2021.
ولم تكتف مجموعات المهرّبين باستعمال الحمير بل تعدّته إلى وسائل أكثر تطوّرا ونجاعة استغلالا للوقت، ولتهريب أكبر كمية ممكنة من السلع، كالسيارات ذات المحركات القوية (رباعية الدفع)، حيث تمّ في مقابل ذلك حجز 4598 وسيلة نقل محل جريمة منها 1100 مركبة مهيأة خصيصا للتهريب، كما اعتمد المهرّبون على أجهزة الهاتف الذكية المتطورة وفرق مخصّصة لرصد الطريق أمامهم واستعملوا حتى طائرات بدون طيار.
فيما لجأ بعض التجار إلى الطرق القانونية لنقل مختلف البضائع عبر الشعاع الجمركي بكميات كبيرة، مع عدم تسقيف الكميات وتجميعها في المخازن والمستودعات ليتم تهريبها فيما بعد باستعمال مختلف المركبات عبر مسالك يتم فتحها لهذا الغرض مسبقا.
تطوّر وسائل وآليات مكافحة التّهريب
 أرقام محجوزات معظم المواد كانت خلال السّنوات الأخيرة تسجل أضعاف المؤشّرات الحالية لسنتي 2020 - 2021، ويعود هذا التّراجع لآليات المكافحة من قبل جميع السلطات الجمركية والعسكرية والأمنية تزامنا وتطوّر آليات التهريب، وقد تمّ في هذا الشأن حفر خندق على مستوى الشريط الحدودي، وانتشار وحدات الجيش وتكثيف دوريات المراقبة مع الدعم بأبراج مراقبة، وقد أكّد المدير العام للجمارك نور الدين خالدي خلال زيارته الأخيرة لتبسة ضرورة التواجد اليومي في الميدان، وتضافر جهود جميع السلطات للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي تنخر اقتصاد الوطن، وتعمل على إنعاش التجارة الموازية.
المناطق الحدودية من الهامش إلى المركز
 يقول دكتور فريد راهم مختص في الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة الشيخ العربي التبسي، «إنّ التنمية في المناطق الحدودية حتمية لتطوير الاقتصاد الوطني لما يحمله إهمالها من عواقب وخيمة على كل المستويات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية»، ولا شك أنّ أنماط الحياة والمعيشة نشأت نتيجة لتراكمات مدة زمنية في تلك المناطق البعيدة في أقاصي الجغرافيا، تلك الممارسات المفعمة بالتهميش على المناطق الحدودية التي تغيب فيها برامج التنمية الموجودة في مناطق المركز، الذي يستحوذ على أغلب الصناعات والخدمات.
إنّ تنمية المناطق الحدودية البعيدة جغرافيا عن العاصمة والمدن الكبرى، يعد معضلة تواجه الحكومات المتعاقبة، وفي غياب المقوّمات التنموية المحلية للأطراف وإهمالها أو اعتبارها غير ذات أولوية قد يدفع بعض سكان تلك المناطق إلى اتباع طرائق مختلفة للكسب غير المشروع كتهريب السلع والمخدرات والأسلحة والهجرة غير الشرعية وغيرها.
ويمثّل التّهريب استنزافا للاقتصاد الوطني، ومصدرا لعدم الاستقرار وغيابا لتلك السلع المدعمة، قد يسأل أحدهم....نعم أنت تبيع وتشتري، لكن ماذا تبيع ولمن..؟ في العادة يتم بيع سلع مدعمة خارج الحدود الوطنية الشرقية مثلا نحو تونس هذه السلع المدعمة موجهة للاستهلاك الوطني فقط لأنّها مدعّمة من الخزينة الوطنية، فيحقّق المهرب أرباحا على حساب المواطن الذي غابت عنه تلك السلع بفعل التهريب، فيتغير سلوكه الاستهلاكي نحو سلوك بقائي (مفعم بالعنف والتسابق والضغط) نتيجة لندرة تلك السلع. كل هذا بعيدا عن القانون ومحاولة لتغييبه، فيزيد الطين بلة وتجد تلك السلوكيات بيئة حاضنة فتتطرّف أكثر تلك السلوكيات ليتهوّر المجتمع بعد ذلك مجاراة لتلك الممارسات التي تتحول إلى ثقافة سائدة، ثقافة عنف وسيطرة مركزها المادة والأرباح غير الشرعية (التهريب)....وهكذا تنزاح القيم الأصيلة نحو القيم الجديدة، فتتكوّن منظومة انهيار قيمي قد تسود حتى التلاميذ في المدرسة.
انخفاض أسعار الصرف
 يؤثّر انخفاض أسعار صرف الدينار على تنمية المناطق الحدودية من عدة مداخل، فمن مدخل التهريب يرفع من مستوى تهريب المواد المدعمة، فإذا كانت قارورة زيت تهرب بـ 20 دينارا تونسيا بسعر صرف 1 دينار تونسي يساوي 60 دينارا جزائريا، يصبح سعرها بالدينار الجزائري 1200 دج، وبعد انخفاض أسعار الصرف مثلا 1 دينار تونسي يساوي 70 دينارا جزائريا يصبح سعر القارورة بالدينار الجزائري 1400 دج، أي أن المهرب يحقق ربحا إضافيا يقدر بـ 200 دينار جزائري، طبعا هذا مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة، ونقصد هنا الأسعار في السوق الدولية لتلك المواد المدعمة، وهي في الحقيقة مرتفعة لعدة عوامل أهمها تعطّل سلاسل التوريد.
الآثار الاجتماعية على البلديات الحدودية
 يترتّب على استفحال آفة التهريب آثارا وخيمة لاسيما على الجانب الاجتماعي للوطن بصفة عامة وللبلديات التي تقبع على الشريط الحدودي بصفة خاصة، فولاية تبسة بـ 10 بلديات حدودية تربطها مع الجمهورية التونسية عبر شريط حدودي طوله 300 كلم طولي، وتتوفر على 4 مراكز عبور حدودية وهي بوشبكة، رأس العيون، المريج وبتيتة ببلدية بئر العاتر تقطن هذه البلديات العشر ثلث سكان الولاية الذي تجاوز 800 ألف نسمة.
فتأثير عملية تهريب مختلف السلع لهذه الكثافة السكانية المعتبرة يكون أولا على صحة المستهلك من خلال دخول بضائع مهربة ومغشوشة وفاسدة، وبصفة عامة غير مطابقة مع المقاييس والمواصفات المعتمدة لحماية المستهلك، ما يهدد صحة المواطن بصفة عامة، وقد تم في هذا الصدد إتلاف عدة بضائع محجوزة غير مطابقة للمواصفات بين سنتي 2019 و2021، حيث قامت مصالح الجمارك بـ 19 عملية إتلاف مست مواد تبغية، مواد تجميلية، أدوية ومشروبات كحولية ومواد غذائية معظمها منتهية الصلاحية أو مخزنة بطريقة غير صحية.
ومن جهة أخرى، يجد الشباب خاصة البطال في عمليات التهريب مصدر رزق وهامش ربح مضمون يلجأون إليه مع انعدام مشاريع وفرص العمل، متناسين الأخطار المحدقة بحياتهم جراء استعمال السرعة المفرطة والرهيبة خلال الهروب من دوريات الدرك والجمارك، وقد فقد في السنوات الأخيرة الكثير منهم حياتهم بسبب السياقة المتهورة بسيارات لا تحمل ترقيم لإيصال سلع مهربة من وإلى الجارة تونس.
ويبقى اختلال الأسعار في مختلف السلع والبضائع  بين الجارتين الجزائر وتونس، عاملا يقف وراء ارتفاع وتيرة عمليات التهريب عبر الشريط الحدودي الشرقي، خاصة مع غلق الحدود بسبب جائحة كورونا، إلا أن جهود الجيش الشعبي الوطني ومختلف الأسلاك الأمنية من مصالح الأمن والجمارك والدرك تبقى مستمرة من أجل مكافحة هذه الظاهرة والحد منها، ويتّضح ذلك من خلال مؤشرات السلع المحجوزة سنويا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025
العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025
العدد 19798

العدد 19798

الإثنين 16 جوان 2025
العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025