إكراه «ناعم» لحفظ حياة الناس، مختصون:

اعتماد جواز التلقيح لمنع اتساع رقع العدوى

فتيحة كلواز

 تأخر قرار تطبيقه ساهم في تباطؤ حملة التطعيم  

حالتا الـ «أوميكرون».. الجزء الظاهر من جبل الجليد 

  «دلتا» هو المسيطر على الموجة الرابعة

 

تفاديا لإعادة سيناريو موجة ثالثة تميزت بالشراسة والقوة، فرضت الجزائر الجواز الصحي للتلقيح لتحفيز المواطنين على أخذ جرعتي الحماية على الأقل من أجل بلوغ النسبة المنشودة للمناعة الجماعية.
بين مُثمّن ومن يعتبره إكراها أو إجبارا غير مباشر على التلقيح، يرى المختصون أنها خطوة مهمة ومفصلية في استقرار الوضع الوبائي في الجزائر، خاصة وأن المواطن متردد بخصوص التلقيح بسبب أقاويل وإشاعات قد تكون مع مرور الوقت سببا في الأسوأ، فإن كان يملك حرية التوجه من عدمها إلى مراكز التلقيح، مطالب باحترام الآخر بعدم نقل العدوى إليه، لذلك يعتبر «التلقيح» رمزا للمواطنة الإيجابية.  
اعتمدت كثير من الدول الجواز الصحي للتلقيح كحل ناجع لتطويق فيروس كورونا وسلالاته المتحورة خاصة «دلتا» و»اوميكرون»، فالتلقيح الرقم «الجوكر» في مجابهة الوباء وانتشاره لذلك مارست الدول التي تمكنت من بلوغ المناعة الجماعية المنشودة نوعا من الإكراه الناعم الذي جعل الجواز الصحي للتلقيح شرطا أساسيا لولوج الفضاءات العامة والخاصة.
قد يجد البعض في الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة في بيانها الأخير الخيار الأمثل لتفادي العودة إلى الحجر الصحي الذي عرف تداعيات اقتصادية واجتماعية أثرت على المواطنين، حيث أدت إلى الكثير من الخسائر الاقتصادية والآثار النفسية المدرة على الفرد، الأسرة والمجتمع، الإغلاق الشامل إذا لم يعد مجديا في الفترة الحالية، فقد أثبتت العديد من الدول عبر العالم أن الحل للاستمرار في حياة يتعايش فيها المرء مع الوباء هو التلقيح والجواز الصحي طوق نجاتها.
كرونولوجيا اعتماد الجواز الصحي
في تمديدها الخامس لرفع الحجر الصحي، اتخذت الوزارة الأولى جملة من الإجراءات لتحفيز وحث المواطنين على التلقيح في خطوة مهمة من أجل تسريع وتيرة حملة تكاد تشارف على انتهاء سنتها الأولى، بعد انطلاقها في  30 جانفي الماضي، فكانت القرارات الجديدة تصب في مجملها على تكثيف عمليات تلقيح الموظفين بالهيئات العمومية وأسلاك الإدارات، وأيضا قطاعات الخدمات والتجارة.
الى جانب استحداثها لجواز صحي للتلقيح كشرط أساسي لدخول بعض الفضاءات العامة، ويتعلق الأمر في مرحلة أولى بالملاعب وأماكن إجراء التظاهرات والمنافسات الرياضية، قاعات الرياضة والمنشآت الرياضية والمسابح، الفضاءات والأماكن التي تحتضن لقاءات ومؤتمرات وندوات، قاعات السينما، والمسارح، والمتاحف، وفضاءات وأماكن العروض، وفضاءات وأماكن إجراء الاحتفالات والتظاهرات ذات الطابع الوطني والمحلي، القاعات، والصالونات والمعارض، قاعات الحفلات والحمامات.
مع تمديد إجراء اشتراط جواز التلقيح للدخول والخروج من التراب الوطني، وكذا الإبقاء على إلزامية الارتداء الإجباري للقناع الواقي والتباعد الجسدي اللذان يعتبران أهم الإجراءات الوقائية التي يوصي بها المختصين والخبراء، هي معركة جديدة في حرب الجزائر ضد الوباء عنوانها التلقيح درع الحماية، في انتظار ما سيفرزه الوضع الوبائي من مستجدات ستتخذ الحكومة على أساسها القرارات المناسبة والملائمة لتطور الوضع الصحي.
وفي 30 نوفمبر وعملا بتوصيات رئيس الجمهورية واللجنة العلمية لمتابعة وباء كورونا فرضت الجزائر الجواز الصحي للتلقيح ضد كورونا كشرط لدخول ومغادرة البلاد عبر النقل البحري، ليتم في 9 ديسمبر الجاري اعتماد الجواز الصحي للتلقيح ضد فيروس كورونا، شرطًا لدخول البلاد ومغادرتها أو المشاركة في الاحتفالات العامة، للمرة الأولى منذ انتشار الجائحة، حيث أوصت اللجنة العلمية لمتابعة تطور الجائحة باعتماد الجواز الصحي للتلقيح شرطًا لدخول التراب الوطني ومغادرته، وكذا للولوج إلى التظاهرات الرياضية والثقافية وقاعات الحفلات.
وبموجبه تم فرض الجواز الصحي عبر المنافذ الجوية والبحرية، في انتظار فتح الحدود البرية التي أغلقت في مارس 2020 جراء انتشار الفيروس، ولم يصدر بعد قرار بإعادة فتحها، وأوضح البيان حينها أن شرط الجواز الصحي سيتم توسيعه، ليشمل أماكن ومباني أخرى مخصّصة للاستعمال الجماعي أو التي تستقبل الجمهور.
بعد 15 يوما، اتخذت الجزائر خطوة مهمة في مسعى جديد يهدف إلى تسريع عملية التلقيح التي فشلت في بلوغ النسبة المنشودة حيث تم استحداث جواز صحي للتلقيح وتوسيعه ليصبح بمثابة تذكرة الدخول إلى العديد من الفضاءات والقاعات وحتى التظاهرات والمؤتمرات، حيث استعملت الدولة حقها في الحفاظ على حياة الأفراد مع العمل على إقناع المواطن بضرورة التلقيح لحماية نفسه ومحيطه من خلال حملات التحسيس والتوعية في مختلف الأماكن.
جنوحات: اللقاح هو الحل
اعتبر رئيس المخابر المركزية والجمعية الوطنية لعلم المناعة البروفيسور كمال جنوحات في اتصال مع «الشعب»، اعتماد الجواز الصحي للتلقيح كفيل بتحقيق ما فشلت فيه حملات التحسيس والتوعية، ففرضه في الأماكن المغلقة التي تعد البيئة الملائمة لانتشار الفيروس خاصة ونحن في فصل الشتاء، أين يلجأ المواطن إلى الغلق بسبب برودة الطقس، لذلك سيكون فرض جواز التلقيح نقطة مهمة في الوضع الصحي للبلاد، وسيجبر المشاركين في التظاهرات والمؤتمرات والندوات على التلقيح للحصول عليه لأنه تذكرة ولوجهم إليها، ما اعتبره إجبار على التلقيح بصيغة غير مباشرة أو بطريقة أخرى.
وعما إذا كان الإكراه غير المباشر على التلقيح سيكون سببا في رفض وممانعة المواطنين، قال جنوحات إن خيار الإكراه الناعم أو غير المباشر على التلقيح ليس خاصا بالجزائر فقط بل الكثير من الدول طبقت هذه الصيغة من اجل بلوغ مناعة القطيع، بل اعتبرها خطوة متأخرة مقارنة بتلك المتخذة في العالم، فحتى الدول العربية اعتمدت هذه الصيغة أو الجواز الصحي للتلقيح لتحقيق الأهداف المرجوة من حملات التطعيم.
وكشف البروفيسور، أن التلقيح بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية كالتباعد الاجتماعي وارتداء القناع الواقي هو السبيل الأكثر نجاعة لكسر سلسلة العدوى، أما الممانعة والإبقاء على حالة التراخي فيستوجب العودة إلى الحجر الصحي، مؤكدا تأثيره السلبي على الحياة الاجتماعية والنفسية للمواطن إلى جانب تداعياته السلبية على الاقتصاد الوطني، لذلك لا يمكن اعتباره الحل الأمثل لتسيير الوضع الوبائي خاصة وان الدول الآن تضع التعايش مع الوباء كأولوية الأولويات مع وجود اللقاح، متسائلا في الوقت نفسه عمن يريد أن يعيش تفاصيل الحجر الصحي مرة أخرى في الجزائر، فوجود بديل (اللقاح) له نتائج إيجابية على صحة المواطن ومحيطه يجعل من خيار الحجر الصحي غير مطروح في الأساس.
عن مساهمة الجواز الصحي في بلوغ نسبة المناعة المرجوة، أوضح البروفيسور انه حتى إذا لم يبلغ المجتمع نسبة 70 أو 75 بالمائة من الملقحين إلا انه يضمن على الأقل الحماية الفردية للملقح، فعندما يدخل الشخص الملقح مكانا مغلقا سيكون محميا ضد الأشخاص غير الملقحين خاصة وانهم من ساهموا في نقل عدوى «دلتا» واتساع رقعة انتشار المتحور الهندي في الموجة الثالثة.
ولخص الوضع الوبائي الذي تعيشه الجزائر في نقطتين مهمتين تميز الوضع الوبائي الأولى أن المتحور الهندي «دلتا» هو المسيطر على الموجة الرابعة يتميز بكونه يخلف عدد وفيات أكبر من السلالات المتحورة الأخرى، كاشفا في ذات السياق أن المصالح الاستشفائية تعرف تزايدا في عدد الوافدين عليها لكنها لم تصل بعد إلى حالة التشبع، في المقابل أكد البروفيسور ألا أحد يستطيع التكهن بما ستكون عليه الوضعية الوبائية في الأيام القادمة، هل ستقف عند عتبة 300 إلى 400 إصابة أم أنها ستتخطى هذا العدد لتتجاوز  1000 إصابة.
أما النقطة الثانية فتتمثل في انه مع تنازل عدد الإصابات في الموجة الرابعة ستبدأ الموجة الخامسة التي سيسطر عليها المتحوّر الجديد «أوميكرون»، واصفا الأسابيع القادمة بالعسيرة سيكون الإقبال على التلقيح وارتداء القناع الواقي خطوة مهمة لتفادي خطورتها.
عيساني: «أوميكرون» يتميّز بسرعة انتشار كبيرة جدا
أكد الطبيب المختص في تشخيص الأمراض محمد الطاهر عيساني في اتصال مع «الشعب»، ان استحداث جواز صحي للتلقيح لولوج الفضاءات العامة والتظاهرات والندوات وكذا للدخول والخروج من البلاد جاء متأخرا نوعا ما، لأن المجتمع الجزائري في جانب التحسيس والقابلية للاستجابة للرسالة الإعلامية أو التربوية الصحية، يتميز بممانعة كبيرة بسبب عدم اعتماده على المعلومة الصحيحة بل يعتمد على القلقلة وما يشاع، في الوقت نفسه، قال المتحدث إن إدراج الجواز الصحي للتلقيح كان من المفروض استحداثه مع انطلاق حملة التلقيح، بداية العام الجاري، مثلما فعلت كثير من الدول من أجل بلوغ المناعة الجماعية أو مناعة القطيع في أقصر وقت ممكن.
ولاحظ عيساني في الوقت نفسه عدم تجاوز نسبة التلقيح حدود 30 بالمائة وبالتالي يجب اتخاذ إجراءات صارمة بغية تحفيز المواطنين على التوجه إلى مراكز التلقيح، ما اعتبره نوعا من إلزام المجتمع بالانضباط على مستوى الوظيف العمومي، الإدارات، المصالح المختلفة، النقل، والمحيط العام، لكن في المقابل يجب أن يرافق هذا التحفيز وضع أرضية رقمية للتلقيح من أجل رقمنة بطاقة التلقيح الجرعة الأولى، الثانية والثالثة تكون مضبوطة بالرمز (QR)، وهو ما أسماه بالتحدي الرقمنة الواجب تحقيقه من طرف الجهات المعنية.
أما ما يتعلق بالعودة إلى الحجر الصحي، كشف الدكتور أن المؤشرات والمعطيات الموجودة تؤكد ان الوباء مستمر والجزائر في بداية موجة رابعة مع تسجيل حالتين للمتحور «أوميكرون»، وهما بحسبه يمثلان الجزء الظاهر من جبل الجليد، حيث اعتبره نفس ما عشناه في بداية الوباء، شهر مارس 2020 أين سجلت حالة إصابة بالفيروس كورونا في البليدة كنا نعتقد أنها حالات معدودة.
 لكن بعد فترة وجيزة حدث انفلات في الوضع الوبائي ما استدعى تطبيق الغلق الشامل على الولاية لكسر سلسلة العدوى، لذلك تميز «أوميكرون» بسرعة انتشار كبيرة جدا بحسب بعض الدراسات المنشورة في العالم يتطلب احترام مسافة الأمان وارتداء القناع الواقي والانضباط والتلقيح الذي تظهر فعاليته مع بلوغ نسبة 75 أو 80 بالمائة أي مناعة القطيع لتقليص رقعة انتشار العدوى.
وأكد ضرورة العودة إلى بعض تدابير الحجر الصحي كغلق قاعات الحفلات والأسواق العمومية ومنع التجمعات كالأعراس والجنائز، مع الصرامة في تطبيق الإجراءات الوقائية كاحترام مسافة الأمان أو التباعد الاجتماعي وارتداء القناع الواقي، كما يجب أيضا ان يكون التحقيق في العدوى الفيروسية شاملا على مستوى مختلف جهات الوطن من خلال مسه عدد كبير من الأشخاص لتتبع الطفرة الجديدة للمتحور «أوميكرون».
في تشريحه للوضع الوبائي في الجزائر، أكد عيساني انه متنامي في بداية الموجة الرابعة، موضحا ان تقييم الوضع الصحي مع تنامي فيروس كورونا وسلالاته المتحورة وكذا دخول «أوميكرون» الذي اعتبره الخطر داهم، يظهر ان المنظومة الصحية مجهدة ومنهكة ومتعبة بعد سنتين من بداية حربها ضد الوباء، لذلك يجب اتخاذ قرارات سياسية تكون في مستوى الخطر، وشاملة واستباقية لأن انتظار بلوغ 1000 إصابة بتقييم احصائي ليس بالدقة التامة يبدو انه رهان خطير.
وفسّر الدكتور عدم الاستقرار في منحنى الإصابات الجديدة بين صعود ونزول في كون المنظومة الصحية تعتمد على شبكة إعلامية مرتبطة بحالات الاستشفاء، أي أن التسجيل يمس المرضى الذين مروا على المستشفيات، وبالتالي يمكن تقدير وجود فارق كبير بين معطيات الوباء الرسمية بالمقارنة مع العدد الحقيقي للمصابين، قد يمثل عدد الإصابات المعلن عنها عشر الإصابات الحقيقية، فالتسعة من عشرة الباقية تفضل التطبيب الذاتي وتناول الأدوية بعيدا عن المستشفيا

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024