المهندس المعماري مسعـود إسماعيـل لونيـسي:

إنشاء مجلس علمـي وورشــة كـبرى مفتوحـة علـى الكفـاءات

نضيرة نسيب

بنـــاءات قديمـة بـدون قاعدة بيانـات تصّنف عمليـات التّرميم

 يرجع المهندس المعماري المعتمد، مسعود إسماعيل لونيسي، أسباب تأخّر التكفل بالبنايات القديمة المعرّضة لخطر الانهيارات، المتواجدة في المدن الكبرى، إلى خلفية معقّدة متكوّنة من عدة عوامل يستوجب تفكيكها وفهم كل معطياتها بالنظر لفقدانها لقواعد تنظيمية متينة تعالج الثغرات المتزايدة مع مرور الزمن في العقار المبني وغير المبني، بالإضافة لانعدام قاعدة قانونية تنظّمها وأخرى تقنية تخصّ البيانات التي تصنّفها حتى تسهل عمل كل المتدخّلين في عمليات الترميم، بما فيهم أهل الاختصاص من بينهم المهندسين المعماريين والمهندسين المدنيين وغيرهم.
 في حديثه لـ «الشعب ويكاند»، ركّز المهندس المعماري  لونيسي، على أهمية إعادة تنظيم قطاع السكن، ولكي يتحقق هذا المشروع الكبير بصفة فعلية يتوجب النهوض بقطاع البناء على كل المستويات.
واقترح المهندس إنشاء مجلس علمي مفتوح على النخبة وعلى كل المتدخلين من أهل الاختصاص، معتبرا هذا «أمرا مستعجلا» ليتحوّل بذلك قطاع السكن والبناء إلى ورشة كبرى مفتوحة على كل التطورات الحالية، وعندها فقط يمكن حسبه «التحدث عن إمكانية تحقيق طفرة إصلاحية عميقة تخص هذا المجال، وتعود بالفائدة على عدة أطراف أوّلها المواطن، الذي لا زال يعيش ويتخبط في وضعيات عدم الاستقرار التي  يوازيها بالمقابل اختلال في توفر سكنات نوعية وبأقل كلفة ممكنة ليبقى في حالة محاولة فرار من السجن الذي وُضع فيه، والمتمثل في دفع أقساط كراء يسلبه كل أمواله ومدّخراته حتى ولو كان إطارا مستقرا في وظيفته، ليتحوّل بهذا إلى مواطن يعاني من ضعف القدرة الشرائية».

أحياء دون بطاقية وغير مصنّفة تقنيا

 يصف المهندس لونيسي، الوضعية التي تخصّ البناءات الهشة الآيلة للسّقوط بأنها «خطيرة» بالنظر لتأثر هياكلها المتآكلة عبر الزمن بمجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية، مثل التعرض للرطوبة الزائدة أو الاستعمال المفرط للمياه خاصة في الأجزاء المتعلقة بدورات المياه، حيث يتآكل الحديد، ممّا يؤدّي إلى تساقط الأسقف، وهذا ما يُضعف من عوامل شدّ البنايات مع الوقت، ويجعلها غير مقاومة للعوامل الطبيعية لاسيما الاهتزازات جراء الزلازل وتسرب السيول الكبيرة للأمطار، خلال الفيضانات.
ومن الأسباب التي أتت على تدهور هذه البنايات أيضا، يضيف المهندس، ترميمها بطريقة عشوائية، كما سبق وأن حدث مع بعضها، لأنّه في الواقع لا يوجد هيكل تنظيمي يصنّفها ويسمح للمختص التدخل في ترميمها، موضحا أنهم كمختصّين في مجال معين لا يمكنهم التدخل في عمليات الترميم دون وجود تصنيف وقانون يخص تلك البنايات حيث يحدّد لهم شروط التدخل لإعادة تهيئتها وترميمها، وهذا ما يعرف بالبطاقة التقنية التي تحوي معلومات مهمة حول عمر البناية والتعديلات التي جرت عليها، ومواد البناء، وفترة الصلاحية المتمثلة في تاريخ البناء فمثلا بالنسبة للسيارات نجد أنّ لديها مدة صلاحية، إلا أن فيما يخص هذه البنايات القديمة، فلا تتوفر عليها وانعدام بيانات تقنية تخص البنايات المعنية بالترميم يصعب من هذه العملية على كل المستويات، وكذلك الحال بالنسبة للأطراف المعنية على السواء، من مهنيين أو غيرهم من مختصين، وتستثنى من بينها البنايات المصنفة في إطار التراث الثقافي، وهي تابعة في الأصل لوزارة الثقافة التي تشرف على عمليات ترميمها.

إسناد عمليات التّدخّل للبلديات أخّر التّرميم

 يضيف المهندس المعماري لونيسي، في سياق حديثه، أنّ البنايات القديمة التابعة للخواص المتواجدة بالبلديات، لا تخضع إطلاقا لتقنين يصنّفها ويحدّد كيفيات التدخل فيها، ومن يسير عمليات ترميمها ويحدّد المسؤوليات بخصوصها، مشيرا إلى أنّ البلديات هي التي تقوم بالترميم لبعض الأحياء دون قاعدة تقنية معينة مسبقة، ومن دون الاستناد إلى بطاقية معمارية وطنية، لأنها بحسبه منعدمة على المستوى الوطني ككل وهي تتم بطريقة عشوائية.
واعتبر إسناد عمليات إنعاش وترميم البنايات الهشة إلى جهات لامركزية ممثلة في البلدية يعتبره من «بين الأخطاء» التي ساهمت في تأخير عمليات الترميم وتعقيدها، ذلك لأنّ البلدية تبقى أولا وقبل كل شيء جهازا سياسيا، ولا تتوفر لديها الخبرة الكافية لتسيير مثل هكذا عمليات من طرف رؤساء البلديات، لأنه لا توجد قوانين تنظمها، وهذا ما كان يدخلهم في قرارات عشوائية لسنوات.
وأكّد أنّ البناء بهذه الطريقة بدون دراسة محكمة يعتبر عند أهل الاختصاص بناءً فوضويا، ونفس الشيء بالنسبة للترميم لأن التدخل هنا أيضا لا يحترم شروط المعمار مثل تحديد نوعية المواد الخاصة بالبناء وكيفية استعمالها، والتي دخلت في الأصل في عملية تشييد البناية، حيث يكون الترميم بمواد غير مناسبة في أغلب الحالات، مما يجعل تلك البنايات تتعرّض مرة أخرى لخطر السقوط.

غياب إطار قانوني لترميم السّكنات

 يؤكّد المهندس المعماري أنّه ينبغي الاهتمام بالهيكل القانوني المؤطّر لعملية البناء بطريقة تكنوقراطية، وليس سياسية أو مالية بحتة، فمن المعلوم أن شهادات التعمير تصدر من ممثل جهاز البلدية الذي يعتبر جهازا سياسيا والصحيح عكس هذا تماما.
وأوضح أنّه يجب إسناد الأمور إلى أهلها، فالهندسة المعمارية والتعمير والتهيئة العمرانية اختصاص كبير جدا ومعقد لا يفقهه أي كان، وعلى الجميع في رأيه تقبل هذه الحقيقة ولو أنه يعتبر نفسه أول من يقولها: «كيف يمكن أن يكون رئيس بلدية مثلا مهنته قبل الترشح في تخصص معين فيصبح بين ليلة وضحاها المشرف على تنظيم صفقات البناء والتنمية، وهو لم يطلع يوما على مادة واحدة من قانون الصفقات، ولا حتى على التخطيط العمراني ولا يفقه في تشريع وتنظيم قطاع البناء، ولا يعرف حتى ما معنى مخطط ؟ ولا يدري كيف هو تهرم وتسلسل النصوص القانونية؟ ويعتبر رئيس البلدية أيضا ضابط شرطة قضائية، ونجد بعضهم لا يتوفر لديه خبرة في الميدان الأمني، الخلل واضح جدا كيف لا نراه؟
كما يرى المختص انطلاقا من موقعه أنّه يجب إعادة هيكلة الصلاحيات والاختصاصات والمهن عامة بالعلم وليس بالسياسة فقط أو حتى «الشعبوية» والمال، معتبرا أنّ الفراغ القانوني جعل تنظيم عمليات التدخل للترميم يتأخر.
واقترح إنشاء مجلس علمي مفتوح على معالجة مشاكل العقار وتنظيمه، حيث يكلّف بدراسة مثل هذه الثغرات التقنية والقانونية في ميدان البناء والسكن، الذي لا يستند حسبه إلى معايير علمية تبين كيفية التعامل مع مثل هذه البنايات، والتي كان بإمكانها أن تجنبها الوضعية الخطيرة التي تتواجد فيها حاليا، فافتقادها لأطر قانونية توضيحية ساهم بصفة عميقة في إحداث تباين وعدم توافق في كيفية التكفل بهذا النوع من البنايات، وجعلها تركة ثقيلة من الصعب حملها لما تحويه من ثغرات تنظيمية تقف حاجزا أمام المتدخلين من أهل الاختصاص.

مبادرة لنخبة الكفاءات الهندسية

 يسند المهندس لونيسي رؤيته إلى المبادرة الوطنية لنخبة الكفاءات الهندسية والتقنية من أجل الجزائر، التي خصصت محورا تعرض فيه مجموعة من الحلول، بعد تشخيص الوضعية الحالية لقطاع السكن والبناء حتى لا يقع في فخ الارتجالية، يقول متحدثنا، «للأسف الشديد إننا سندفع ثمنها بالجملة إن بقي الحال على حاله، لأننا اليوم نسجل سقوط بنايات على رؤوس قاطنيها.
وتضم المبادرة حسب الأستاذ لونيسي حلول تعالج البناء الهش والسكنات القديمة الآيلة للانهيار والطلبية الخاصة ذات الاستعمال السكني، وأيضا في عدة مجالات منها الفلاحة والتجارة والصناعة، وكل أنواع البناء الخاص ويتعدى ذلك إلى العمومي أيضا، كما درست الموضوع من جانبه العمراني والمالي والاجتماعي، وأيضا من عدة جوانب أخرى.
وأوضح أنّ هذه المقترحات سلّمت لرئيس الجمهورية منذ بضعة شهور، يمكن أن تقدّم طفرة في ميدان أصابه اختلالات عديدة تبرز بشدّة أضرارها في السّنوات الأخيرة، كما يمكنها تحريك القطاع اقتصاديا، وتفادي أزمات أخرى ينبّه إلى خطورتها المختص في الهندسة المعمارية، والتي لن تطيقها الحكومة ولا المواطن مستقبلا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024