ما تزال قرارات مؤتمر الصومام تثير الكثير من الجدل بين رموز في الثورة ومؤرخين، ولحد الساعة لم يتم الفصل في هذا الجدل الذي يتطلب دراسات أكاديمية جادة وموضوعية.
تطرّق محمد جغابة، وزير المجاهدين الأسبق، في كتابه «بيان أول نوفمبر دعوة إلى الحرب، رسالة للسّلام»، إلى المحاور الكبرى لأرضية الصومام، وأشار إلى أنه كي تتمتّع الثورة بالديمومة من الحيوية على مفجّريها، ووفاء للوعد الذي ضربوه واستجابة لتحولات كبرى عرفتها الساحة الوطنية، أن تقيم وتفحص الوضع العام خاصة بعد انتفاضة 20 أوت 1955 من جهة، واستعراض المواقف المختلفة من فعاليات العمل الثوري، وذلك برسم خريطة تنظيمية تمكّن إبراز مؤسسات يوكل إليها دور المحرك والمولد للثورة، وتعيين القيادة الوطنية وتحديد المسؤوليات وتقسيم التراب الوطني إلى ولايات ورسم الخطوط العريضة للعملين العسكري والسياسي.
يوضّح جغابة أنّ لقاء الصومام ضُرب له موعد مبدئيا قبل انطلاق الرصاصة الأولى في الفاتح نوفمبر، حتى وإن لم يُحدّد المكان والزمان، والمسار التاريخي هو الذي جعل المؤتمر ينعقد في هذا المكان والزمان بالذات.
وتأسّف جغابة لوجود أطراف تريد مناقضة أو مفاوضة أو حتى تضارُب بين بيان أول نوفمبر وأرضية الصومام. وبحسبه، الواقع التاريخي يثبت أن الأرضية هي ترجمة هيكلية وتنظيمية للبيان النوفمبري، وما تخلل الثورة التحريرية من تجربة ومعطيات جديدة بعدما يقارب سنتين من الكفاح، مؤكّدا أن وثيقة الفاتح نوفمبر تبقى هي مرجعية الثورة الأساسية.
ومن هنا - يقول المؤلف - كان الإجماع لبلورة خطة تشكل الأرضية العسكرية والسياسية على إنطلاق جديد للعمل الثوري وتتلخص أساسا في المبادئ التالية: أولوية السياسي على العسكري، أولوية الداخل على الخارج، نبذ السلطة الفردية، مبدأ التسيير الجماعي، وضوح الهدف، الإستقلال الوطني، وحدة الشعب بدون تمييز، الحركة الوطنية، صنع الجميع، القضاء النهائي على حب الشخصية والزعامة، مكافحة المناوئين للإستقلال ومكافحة الشعارات الإنحرافية، ضرورة الإستراتيجية وتكريس كل الطاقات لجبهة الكفاح المسلح، الثورة منظمة وليس تمرّدا أو عصيانا أو انتفاضة فوضوية، إفلاس الأحزاب السياسية، الكفاح الوطني لتحطيم النظام الإستعماري وليست حربا دينية أو عرقية، انبعاث دولة جزائرية في شكل جمهورية ديمقراطية إجتماعية، تطابق العمل الثوري مع القانون الدولي، تجنيد منظم لكل الطاقات الوطنية والأجنبية المحبة للسلام والمعارضة للفكر الإستعماري والإمبريالي.
وأبرز جغابة أنّ السمة الأساسية لأرضية الصومام أنها ملازمة لمكتسبات السنوات الأولى للثورة بمعنى إخضاع كل شيء للقدرة الوطنية التي تعرف بالجهد الدؤوب والتعبئة المستمرة والفاعلة، مشيرا إلى أنه يلاحظ أن انبعاث دولة جزائرية، كما أشار إليها بيان أول نوفمبر في شكل جمهورية ديمقراطية وشعبية متبلورة من العبارة «في إطار المبادئ الإسلامية».
ويرى الوزير الأسبق أن عدم الإشارة لهذه العبارة يرجع أساسا إلى أن الإسلام ليس بحاجة إلى تكراره، ما دام الإيمان الديني والأخلاق الإسلامية مرتبطان ارتباطا وثيقا بالتفكير الشخصي باعتباره حق كل إنسان، وليس قائما على الإتباع والخضوع إلى فئة معينة تقليدية متحجرة. وأضاف أن أرضية الصومام تؤكّد على مبدأين أساسيين الأول يعطي ويقر أولوية السياسي على العسكري، وتعني تقديم تسييس العمل الثوري على كافة البنية الهرمية داخليا وخارجيا، وهذا المبدأ مطابق للواقع والوضعية في خوض المعركة، وهذا ما امتاز به البيان النوفمبري الذي جعل من اندلاع الثورة مطلبا سياسيا في الأصل والمبدأ والهدف، ويكرّس المبدأ الثاني أولوية الداخل على الخارج، ويفهم من هذه الأولوية جعل مكان الهياكل الداخلية مصدر كل قرار مصيري، بحيث تصبح هذه الهياكل ممثلة للإرادة الشعبية وتستعد منها شرعيتها.
في هذا السياق، يوضّح المؤلف أن الثورة وضعت من خلال البيان النوفمبري وأرضية الصومام آليات إحترام الحريات الأساسية وضمان العدالة الاجتماعية، بهياكل قاعدية إدارية وشبه إدارية تسير شؤون الشعب على أساس المساواة والتضامن، وفي صفوف
جيش التحرير الوطني سادت نفس الفلسفة، وما الرتب التي أسّست في الصومام إلا آليات تنظيمية رمزية، قائلا: «لا نبالغ إذ نقول أن الثورة رسالة جاءت بأفكار جديدة من أهمها تحرير الإنسان الجزائري من الاستعباد واسترجاع كرامته وعزّته».
من جهته، يصف جاك دوشمان، في كتابه الصادر عن منشورات ميموني سنة 2013 بعنوان «تاريخ جبهة التحرير الوطني»، مؤتمر الصومام باللبنة الأساسية لرسم ملامح علاقات الجبهة مع النقابيين في الإتحاد العام للعمال الجزائريين وطلاب الإتحاد العام للطلبة المسلمين، قائلا: «من هذا المنبر تمكّن جيش التحرير من استخلاص الدروس من حرب عمرها عشرين شهرا، ليسطّر آخر الأهداف السياسية للثورة».