الحوار يطفئ لهب الحروب

كولومبيا توقّع اتّفاق سلام مع «فارك» يطوي نزاعا استمرّ نصف قرن

فضيلة دفوس

صادقت كولومبيا مساء الأربعاء الماضي على اتفاق السلام الجديد مع متمرّدي «القوات المسلّحة الثورية الكولومبية» (فارك) الذي يطوي صفحة نزاع دام استمر اكثر من نصف قرن، وقد أعيد التفاوض حوله لادراج مقترحات للمعارضة على اثر رفضه في استفتاء اكتوبر. وكانت نسخة اولى من هذا الاتفاق الذي يقع في 300 صفحة، وقعت في 26 سبتمبر ورفضت في استفتاء الثاني من أكتوبر بنسبة امتناع قياسية بلغت 62 بالمئة.

تسبب في مقتل أكثر من ربع مليون شخص وتشريد نحو سبعة ملايين آخرين إضافة إلى اختفاء خمسة وأربعين ألف آخرين..إنّه النزاع المسلح الاطول في العالم بين الحكومة الكولومبية وأقدم تنظيم ماركسي يمارس حرب العصابات في النصف الغربي من الكرة الأرضية (فارك)، الذي طوي فصوله الدموية باتفاق سلام سيدخل البلاد مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار. دخل اتفاق السلام حيز التطبيق في كولومبيا بعد نزاع مسلّح استمر أكثر من خمسين عاما بين جماعة «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» (فارك) والحكومة.
وتمّ الإعلان عن اتفاق سلام بين الجانبين بعد ما يقرب من أربع سنوات من المفاوضات في هافانا، بما في ذلك جلسة ماراطونية استمرت أسبوعا وتمخض عنها الاتفاق النهائي.
  وتفاهمت كل من الحكومة الكولومبية وفارك خلال المفاوضات على إجراء إصلاح زراعي ومشاركة المتمردين بالحياة السياسية، وانتهاج خطط جديدة في الكفاح ضد تجارة المخدرات، وتعويض ضحايا العنف.
ويطبّق الطّرفان منذ نهاية جوان الماضي هدنة مؤقّتة بينهما، حيث خلّف الصراع أكثر من 260 ألف قتيل إضافة إلى 45 ألف مفقود وأجبر الملايين على الفرار من مناطق في البلاد، وتحصي الحكومة أكثر من ٦ . ٧ ملايين كولومبي ضحايا بشكل مباشر أو غير مباشر للصراع، و8 ملايين نازح.
مسار المفاوضات
في عام 1964 أنشأ فلاح اسمه مانويل مارولاندا منظمة «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» التي تعرف اختصارا بـ «فارك»، في حين أسّس كاهن كاثوليكي اسمه كاميلو تورّيس منظمة «جيش التحرير الوطني».
وتموقع المتمردّون في أفقر أصقاع كولومبيا ولكنهم فشلوا في إشعال ثورة شعبية مثلما كانوا يطمحون، وفي نهاية المطاف بدأت عصابات المخدرات تمول الحركة.
في عام 2010 شرع الرئيس خوان مانويل سانتوس في جر منظمة «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» إلى طاولة المفاوضات. وعندما بدأت المحادثات الرسمية في تلك السنة كان الرجل يترشّح لفترة رئاسية ثانية تحت شعار «تحقيق السّلام».
وفي أفريل عام 2014، عقدت مفاوضات سلام بين الحكومة ومنظمة «فارك» في كوبا، حيث استقدم الصليب الأحمر قادة هذه المنظمة من معسكراتهم في الغابات إلى مساكن آمنة في ضواحي العاصمة الكوبية.
في الخامس من أوت 2014، فاز سانتوس بالرئاسة يدعمه في ذلك قسم كبير من اليسار الكولومبي منهم ضحايا الحرب الذين وثقوا في خطته لإنهاء النزاع، ومنح فوزه دفعة قوية لمسار السلام في لحظة حاسمة هي دخول المباحثات أكثر فتراتها حرجا بتطرّقها إلى مصير ضحايا الحرب الأهلية الكولومبية التي دامت خمسين عاما. وطالب متمرّدو «فارك» الحكومة خلال مفاوضاتهم معها بالاعتراف بضحاياهم كذلك، ولكن الحكومة ضغطت لكي يعترفوا هم أولا بما اقترفوه، ويطلبوا العفو قبل أن تبدأ جولة التفاوض. وأتاحت إعادة انتخاب الرئيس الفرصة لمنظمة «جيش التحرير الوطني» للتفكير في وقف القتال في الذكرى الخمسين لإنشائها.
ويقول قائد في التمرد يدعى «اللبناني» إنّهم في جيش التحرير الوطني يقدرون ويحترمون مسار السلام الذي رسمته منظمة «فارك»، وإنّ قائدهم أمر الجبهات ومنها الجبهة الغربية بوقف القتال.
النّزاعات لا تحلّ إلاّ سلميا
رحّبت الأمم المتحدة بالاتفاق، وقالت إنها تنوي نشر بعثة مؤلفة من 450 مراقب عسكري في كولومبيا أغلبيتهم من دول أميركا اللاّتينية.
وسيكلّف هؤلاء التحقق من عملية تسليم 7500 متمرد أسلحتهم ومراقبة وقف إطلاق النار إلى ذلك، هنّأت واشنطن الحكومة الكولومبية بالتوصل إلى الاتفاق، وقالت سوزان رايس، مستشارة الرئيس الأمريكي لشوؤن الأمن القومي: «على الرغم من استمرار التحديات فيما يتفاوض، يمثل اتفاق السلام اليوم تقدما مهما لإنهاء النزاع».
وبذلك تكون كولومبيا قد خطت خطوة كبيرة نحو السلام، وتتيح هذه المرحلة الحاسمة أخيرا، الإنصراف في المدى القريب، إلى إنهاء أقدم نزاع في أمريكا اللاتينية يستمر منذ 52 عاما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024