تسارع الأحداث العسكرية بحلب

الحل السياسي إلى إشعار آخر

جمال أوكيلي

تسارعت الأحداث العسكرية بحلب بشكل لم يتوقّعه الملاحظون، ودون سابق إنذار، بعد التّعويل أو الرّهان على ما يسمّى بـ «الهدنة» التي لا تتجاوز السّاعات فقط ليعاود القصف الجهنّمي مدمّرا كل ما هو قائم، لا يفلت منه لا البشر ولا الحجر ولا الشّجر، مخلّفا أضرارا لا يتصوّرها عقل الإنسان.
لماذا كل هذه الضّراوة في محو كل ما في الأرض؟ يتّضح من خلال المؤشّرات الواقعية أنّ عدم الإستجابة للنّداءات الرّوسية بمغادرة المسلّحين للمدينة عبر ممرّات خاصة، هو الذي ختم على الآلة الحربية العاملة في سوريا إلى اعتماد استراتيجية «السّحق» من خلال مهاجمة كل الأهداف التي تتراءى بأنّها وكر للمسلّحين.
وكم من مرّة سعت روسيا إلى مطالبة المسلّحين بالانسحاب من حلب والذهاب إلى أماكن أخرى، لكن هؤلاء رفضوا رفضا قاطعا نظرا لغياب عامل الثّقة، وخوفا من وقوعهم أسرى أو شيء من هذا القبيل. هكذا نفذ صبر القادة العسكريّين لروسيا، الذين يدركون جيّدا بأنّ «الهدنة» الطّويلة التي تستغرق لأيام لم تعد في رزنامتهم لتحوّل إلى ساعات معدودات، لأنّ ترك كل ذلك الهامش هو بمثابة «استراحة محارب» لإعادة تنظيم الأوضاع الميدانية من جديد. في خضم هذه الحالة فإنّ المهلة الممنوحة أصبحت ضيّقة لا تسمح بأي مناورة للمسلّحين المحيطين بكل أنواع نيران الهجوم الجوي والمدفعية، ناهيك عن الحصار ومنع إدخال أي شيء يذكر، لذلك فإنّ دعوات أخرى ستصدر عن القيادة العسكرية الرّوسية لإجبار المسلّحين على مغادرة تحصيناتهم في شتى نقاط من حلب أو ممارسة المزيد من الضّغط قصد دفع المعارضة بالعودة إلى طاولة المفاوضات. هذا الاحتمال وارد جدّا، على ضوء تحرّك دي ميستورا الذي أراد إعطاء جواب لما يحدث في حلب عندما اقترح «إدارة ذاتية» في هذه المدينة عندما يغادرها المسلّحون، أي لا تسترجع من قبل القوات التي تطوّقها.
هذا الاقتراح نقله المبعوث الأممي إلى المسؤولين السوريّين، لكن هؤلاء رفضوه على لسان وزير الخارجية وليد المعلم، و»الإدارة الذاتية» هو مفهوم أممي يطبّق على المناطق التي تغيب عنها السّلطة، وتشهد الفراغ في التّسيير المتعلّق بأحوالها، وهي تقترب من الحكم أو الإستقلال الذاتي، وهذا ما قد يعقّد الأوضاع أكثر في حالة القبول بها لأنّ الدولة المركزية ما تزال قائمة تؤدّي في مهامها داخليا وخارجيا، وقد أخطأ دي ميستورا في هذا الطّرح.
وتبعا لذلك، فإنّ المبعوث الأممي لا يهمّه ما يحدث في حلب بقدر ما يريد فرض ما يسمّى بالمرحلة الانتقالية دون حضور القيادة الحالية، وهذا بالسّعي لتحديد فترة تتراوح ما بين ٦ و١٨ شهرا لدخول هذا المنحى بإجراء انتخابات تشارك فيها كل الأطراف المتصارعة، وتنتهي بجهاز سياسي جديد. هذا الكلام صدر عن فرنسا وألمانيا مؤخّرا، وحتى بريطانيا، والرّهان كل الرّهان يدور حول هذه الأجندة السياسية، التي لم تجد طريقها إلى التّجسيد.
والمرحلة القادمة ستكون حاسمة عسكريا، وهذا من خلال ظهور بوادر سياسية للبحث عن تصوّرات أخرى، تأتي كتداعيات حتمية لما يجري في الميدان، وهذا عقب تراجع الدور الأمريكي الذي يميل إلى المقاربة السياسية أكثر منها العسكرية، بعد كل هذا الخلط الواقع في الميدان من جيش الحر إلى الفصائل المسلّحة، هنا يكمن التحفّظ الأمريكي في إرسال العتاد العسكري، وتخوّفه من وقوعه في أيدي جماعات لها أهداف أخرى.
وبالرغم من كل هذه النّظرة، فإنّ الأمريكيّين يرفضون وضع فواصل بين المعارضة المعتدلة والمسلّحين وفق ما طلبته روسيا، وهذا في حدّ ذاته ردّ مباشر على القصف، ورسالة صريحة للروس بأنّ الإشكال ما زال قائما ولم يحسم فيه بعد، وهذا ما جعل الروس يكثّفون من غاراتهم لممارسة المزيد من الضّغط قصد الذّهاب إلى طاولة الحوار بأوراق رابحة، والأمريكيون لا يريدون ذلك مفضّلين إبقاء الوضع على حاله، على أساس قاعدة «لا غالب ولا مغلوب».

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024