تعتمد الأوساط السياسية والإعلامية في المغربي على خيار الهروب إلى الأمام والقفز في المجهول، وهذا من خلال المحاولات اليائسة الرّامية إلى الانضمام للاتحاد الإفريقي، الذي أقصى نفسه بنفسه منذ منتصف الثّمانينات، واصفا آنذاك اجتماع قادة منظّمة الوحدة الإفريقية بأوصاف لا تليق بمقامهم.
هذا الإطار الجامع للأفارقة تغيّرت طبيعته تغيّرا جذريا، وهذا في غياب المغرب، لم يشارك في صناعة أي قرار في هذا الشّأن بل كان بعيدا عن الواقع، يتفرّج على قارة تحدّد مصير شعوبها سياسيا واقتصاديا «النيباد» من أجل الاندماج في المسارات العالمية، وهذا ما حصل بالفعل عندما اعترفت القوى الكبرى بأنّ إفريقيا شريكا استراتيجيا لابد من التّعامل معه.
اليوم بعد أن استكمل الاتحاد الإفريقي طابعه التّأسيسي، وأصبح مؤسّسة قائمة بذاتها لا يمكن لأي كان أن يطلب بالانضمام خلسة دون المرور على تلك الإجراءات التي تضبط أي رغبة في هذا الشّأن.
هناك انحراف لا يمكن القبول به أبدا، مفاده أنّ المغرب يحمل خلفيات خطيرة تجاه ما ينويه في هذا الإطار:
^أولا: يسعى في عمله هذا محاولة الإستفادة من استحقاقين، الإنضمام وطرد الصّحراويّين، وهذا الأمر مخالف تماما لنصوص الاتحاد الإفريقي، فليس من صلاحياته أو من غيره المطالبة بهذا بل هناك مؤسّسات مخوّل لها مثل هذه المهام.
^ ثانيا: يطرح المغرب هذه المسألة من باب الغموض والمناورة، والتّلاعب مع أطراف معروفة على الصّعيد الإفريقي، وكأنّه يتحايل على القوانين المسيّرة للاتحاد.
^ ثالثا: تسييس الانضمام بإضفاء عليه طابع الضّغط على جهات أخرى التي ترفض رفضا «قاطعا» هذه الطّريقة المتّبعة، فمن أين جاء المغرب بـ ٣٠ دولة تؤيّد انضمامه بعدما صرّح من قبل بـ ٢٨ بلدا، ما هذا العبث؟
^ رابعا: يدّعي المغرب بأنّ طلبه ألقي به في الأدراج منذ شهر من إرساله، حيث لم يجد أذانا صاغية، فماذا كان ينتظر؟ هل يهلّل فورا بدخوله؟ ألا تخضع مراسلته إلى دراسة معمّقة تؤخذ على أساس القانون لا غير، ولا يتدخّل أي طرف منحاز لهذا البلد في العملية؟
^ خامسا: ليكن في علم المغرب بأنّ مؤسّسات الاتحاد الإفريقي الوحيدة المخوّلة قانونا بالفصل في هذا القرار، وليس هناك جهات أخرى تنسّق معها حاليا في هذا الاتجاه، وهذا ما يدعو إلى التّأكيد بأنّ المؤسّسات هي التي تحكم وليس الأشخاص، والذين ناضلوا ومنحوا حياتهم لهذه القارة حريصون كل الحرص على ضمان السّير الحسن للاتحاد وفق القانون الأساسي.
فالاتحاد الإفريقي ليس وليد ظروف معيّنة جاءت لتغيير الإسم من منظّمة إلى اتحاد، وإنما هو نتاج تفكير دقيق أراد منه القادة فرض مبدأ الندية خاصة الجزائر، جنوب إفريقا، نيجيريا وكل البلدان المؤمنة بمستقبل إفريقيا، تبعها في ذلك إرساء آليات عملية منها مبادرة التّجديد الإفريقي، وآلية التّقييم من قبل النّظراء، استطاعت نقل دولة إلى مستوى محترم من الأداء الداخلي السياسي أو الاقتصادي.
لذلك فإنّ السّؤال الكبير والمحيّر في آن واحد لماذا يريد المغرب الإنضمام؟ وما الفائدة من ذلك؟ يجب أن يدرك المغرب بأنّ الفضاء الإفريقي لن يكون له مسار آخر يناور فيه كما اعتاد على ذلك.
وإن أراد الانضمام فما عليه إلاّ الإذعان إلى النّصوص الموجودة والإلتزامات والتّعهّدات بأن يكتفي بمقعده فقط، وألاّ يتدخّل في الأعضاء الآخرين، وإن تجاوز حدوده ويتحوّل إلى «مشوّش سياسي» فستجمّد عضويته إلى إشعار آخر، ولابد أن تكون الأمور واضحة هنا لا التّوقيعات تحت الطّاولة ولا أساليب دنيئة أخرى تسمح بانضمامه، وإنما هناك مؤسّسات تابعة للاتحاد هي التي تفصل في المسألة على أنّ هذا البلد عضو كسائر الأعضاء، ولا يشكّل الاستثناء أبدا كما يعتقد ذلك في الوقت الرّاهن.
فهذه الأوساط السياسية والإعلامية اختلطت عليها الأشياء إلى درجة لا تطاق، فالمقاربة التي نتبعها للانضمام خاطئة من الأساس وغير سليمة في منطقها، فقد اعتمدت على أساليب تجاوزها الزّمن بعيدة عن الشفافية وتزوير التّوقيعات، متناسية بأنّ هناك مؤسّسات للاتحاد قادرة على إرساء آليات اليقظة والمتابعة لأي نقطة تطرح عليها خدمة للصّالح العام وليس لحالات منفردة.