معاناة مع القمع والاعتقال الممنهج
بات الأطفال حول العالم في خطر بسبب الحروب وتصاعد حدة النزاعات في الدول الفقيرة، حروب يصنعها دائما الكبار ويقع ضحيتها الصغار، ويزداد الوضع المأساوي الذي يعيشه الطفل حدة سنة بعد سنة، لاسيما ما يحدث بفلسطين والصحراء الغربية من أوضاع متردية ومرعبة تهدّد مستقبلهم مما تجعل الطفولة تحت النار، وإزاء هذه الأوضاع أما حان الوقت للعالم أن يعي ما يلحق بالأطفال؟ ألن تثير القضية قلق العالم؟.
من هذا المنطلق «الشعب» تسلط الضوء على ظاهرة مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة من خلال حوار خصته مع أستاذ العلوم السياسية أبركان فؤاد المهتم بشؤون العالم العربي والتحولات الديمقراطية في العالم، والذي بدوره، يوضح وجه المأساة في إقحام الأطفال في النزاعات الأهلية المسلحة، وما يعيشه الطفل في الوطن العربي خاصة في إطار ما سمي بالربيع العربي، معتبرا إياه بشتاء عاصف.
وأشار الأستاذ إلى أن استغلال الأطفال تزايد مع تنامي وظهور عدة تنظيمات إرهابية عالمية عن طريق غسل دماغهم والإغراءات المالية، ليخلص إلى أن القوانين الدولية غير كافية لمواجهة هذه الإشكالية على أرض الواقع، كما دعا المجتمع المدني لضرورة بذل مجهودات أكبر بكشف الانتهاكات والتكفل بالأطفال وإعداد التقارير عنهم لمحاربة ظاهرة تجنيدهم واستغلالهم. التفاصيل في هذا الحوار.
نحن نقترب من اليوم العالمي للطفولة، ما تقييمكم لوضع الأطفال في العالم، خاصة أولائك الذين يعيشون في بلدان التوتر والفقر؟
في الحقيقة الحالة التي يعيشها الأطفال في العالم تبعث على القلق، رغم ثراء المنظومة التعاهدية الدولية الخاصة بحقوق الطفل ومجهودات الأمم المتحدة لاسيما منظمة اليونيسيف في تحسين أوضاع هذه الشريحة، وتزداد معاناة الطفولة في الدول المتخلفة، حيث تعيش الفقر والأمراض الفتاكة وانعدام الرعاية الصحية وتفشي لظواهر الأمية والزواج المبكر للفتيات وإقحام الأطفال في النزاعات الأهلية المسلحة، خاصة في مناطق التوتر الكبرى في الشرق الأوسط (العراق سوريا اليمن افغاتستان) وليبيا والسودان والصومال وغيرها.
مشاهد مثيرة للألم تلك التي تنقلها شاشات العالم للأطفال اللاجئين مع رحلة التشرد والمعاناة فما قولكم؟
تعيش المنطقة العربية منذ أكثر من 5 سنوات حالة من التوتر وعدم الاستقرار في إطار ما سمي بالربيع العربي الذي تحول شيئا فشيئا إلى شتاء عاصف، حروب أهلية طاحنة استثمرت فيها القوى الإقليمية والدولية بما يتوافق مع مصالحها الحيوية في المنطقة، وبطبيعة الحال الضحية الأكبر في هذه الحروب هم المدنيون والأطفال بالدرجة الأولى، في سوريا مثلا يمثل الأطفال ثلث عدد ضحايا الحرب البالغين ربع مليون قتيل خلال خمس سنوات حسب منظمة أطباء بلا حدود، وقد أفرزت هذه الحروب موجات نزوح داخلية ولجوء في دول الجوار امتدت حتى الدول الأوروبية، تحملهم قوارب الموت إلى المستقبل المجهول بحثا عن مكان آمن يبعدهم عن أصوات المدافع ومشاهد الجثث والدماء وأزيز الطائرات الحربية، وبحثا عن لقمة العيش، وطبعا هذه الوضعية المأساوية تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية المجتمع الدولي بتوفير الدعم الكافي للاجئين من جهة وتقديم الدعم اللوجستي والمالي للدول المستضيفة من جهة أخرى على أن لا يأخذ الموضوع بعدا سياسيا ويبقى في طابعه الإنساني.
ظاهرة رهيبة تعكس الجرائم النكراء التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية كداعش وبوكوحرام، حيث تخطف الأطفال وتجندهم وتحولهم إلى انتحاريين أو إلى ذباحين دمويين ما رأيكم؟
شاهدنا في السنوات الأخيرة استغلال غير مسبوق للأطفال في النزاعات المسلحة خاصة مع تنامي ظاهرة الإرهاب وظهور عدة تنظيمات إرهابية عالمية مثل بوكوحرام وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش في الشرق الأوسط، جبهة النصرة في سوريا وغيرها من التنظيمات التي تتبنى فكرا تكفيريا وتسعى إلى إقامة ما يسمونه «دولة الخلافة»، ولا ترى هذه التنظيمات حرجا في استقدام الأطفال وتجنيدهم في صفوفهم عن طريق عمليات غسل الدماغ والإغراءات المالية وإلزامهم على حمل السلاح إن اقتضى الأمر ذلك، ويعود ذلك إلى النزيف الذي تعرفه هذه التنظيمات في صفوف أفرادها، بسبب ضراوة الحرب والتحالفات الدولية التي تشكلت لمحاربتها مثل التحالف الذي تقوده أمريكا في سوريا أو التحالف الذي تقوده روسيا أو التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، هذا من جهة ومن جهة أخرى طموح هذه التنظيمات إلى الامتداد إلى مناطق جغرافية أخرى، هذا الأمر يقتضي مجندين من الأطفال على ساحة المعارك وجواسيس ودروع بشرية أو انغماسيين أو انتحاريين، دون أدنى احترام لطفولتهم، مما يترك أثارا نفسية واجتماعية عليهم يصعب علاجها. ويجب الإشارة كذلك إلى أن استخدام الأطفال في الحروب لا يقتصر فقط على التنظيمات غير النظامية وإنما يمتد أيضا إلى كيانات حكومية تابعة لدول.
مازالت مسألة تجنيد الأطفال في الحروب، برغم الحملات الدولية لمواجهتها فما تعليقكم؟
الحملات الدولية في رأيي غير كافية لوضع حدّ لتجنيد الأطفال ما دام أسباب التجنيد باقية، الإرهاب والفكر والمتطرف والفقر وضعف الالتحاق بالتعليم، خاصة وأن العديد من الدول التي تدعي مكافحة الإرهاب تدعمه بطريقة أو بأخرى ما دام أنه يتلاءم ومصالحها، أما إقحام الأطفال في النزاعات المسلحة فلا قيمة لها من الناحية العملية في نظرها.
هناك قوانين دولية عديدة لحماية الأطفال لكن التطبيق يظل غائبا في كثير من المناطق، فما السبيل لتفعيل هذه القوانين وما دور المجتمع المدني في ذلك؟
^^ لقد نصّ القانون الدولي بصورة واضحة على ضرورة تفادي الأطراف المتنازعة تجنيد الأطفال القصر في النزاعات المسلحة، وكرس هذا التوجه بروتوكولي جنيف لسنة 1977، والبروتوكول الملحق باتفاقية حقوق الطفل لسنة 2000، الذي رفع سن تجنيد الأطفال إلى 18 سنة وحثّ على اتخاذ تدابير لمنع تجنيد الأطفال، لكن رغم وجود نقاط مهمة في القانون إلا أن آليات تطبيق بنوده على أرض الواقع تبقى صعبة جدا خاصة إذا تعلق الأمر بالنزاعات الداخلية أو الحروب الأهلية التي تستعصي فيه مسألة مراقبة الانتهاكات في ميدان الحرب، أما عن دور المجتمع المدني فتبقى كشف الانتهاكات وتوثيقها وإعداد تقارير مفصلة عن وضع الأطفال في الحروب، وبذل مجهود في سبيل التكفل بالأطفال ضحايا النزاعات المسلحة خاصة الجانب النفسي.
بالمناسبة أشدد على وضع أطفال فلسطين فالكثير منهم يعتقلون ويسجنون وحتى يقتلون دون أن تتحرك شعرة من أحد، فلما هذه اللامبالاة من طرف العالم؟
أطفال فلسطين المحتلة يعيشون يوميا الحصار الاقتصادي المفروض عليهم في قطاع غزة والإعدامات الميدانية في حقهم في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي أراضي 1948، كما يتعرضون لاعتقالات وسجن وقنص وتعذيب من سلطات الاحتلال، ويمكن تفسير هذا التمادي الإسرائيلي إلى حالة الدول العربية التي تتخبط في مشاكلها الداخلية وأزماتها، والانقسام داخل البيت الفلسطيني، والضوء الأخضر من الغرب على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بحجة الدفاع عن النفس.
وماذا عن أطفال تحت الاحتلال كأطفال الصحراء الغربية ؟
** أطفال الصحراء الغربية هم كذلك يعيشون أوضاع صعبة سواء داخل الأراضي المحتلة في الصحراء الغربية أو بعيدين عن وطنهم في مخيمات اللجوء، رغم المجهودات التي تبذلها الجزائر في سبيل مساعدة الشعب الصحراوي، كما يعانون من القمع والاعتقال الممنهج الذي تمارسه السلطات المغربية، لا لشيء سوى لأنهم أرادوا الحرية لوطنهم.
كلمة أخيرة ؟
في الأخير نتمنى أن يحمل العام المقبل السلام والاستقرار للأقطار العربية والإسلامية، وأن تنتهي مآسي الحرب واللجوء والتهجير والانتهاكات على أطفال أصبحوا كبارا قبل أن يكونوا كبارا.