فيروز مزياني الباحثة في الدراسات الاستراتيجية لـ«الشعب»:

«المركّب الصناعي العسكري وراء العديد من الأزمات »

حاروها: أسامة إفراح

العامل العسكري وسيلة تلجأ إليها الدول في ظلّ فوضى النظام العالمي
مفهوم الأمن توسع بفعل عوامل الاقتصاد والتكنولوجيا

تحدثنا الأستاذة فيروز مزياني، الباحثة في الدراسات الاستراتيجية بجامعة باتنة 1، عن العلاقة بين المجالين السياسي والعسكري، مع الاستشهاد بأمثلة من الواقع، ومقاربات نظرية وعلمية. وتعتبر أن المركب الصناعي العسكري الأمريكي خير دليل على هذا التداخل، وأن الصراع في الشرق الأوسط عاد بالفائدة المالية على هذا المركب، الذي استطاع دمج الأجندات السياسية، الاقتصادية، والعسكرية في أجندة واحدة. وتؤكد محدثتنا على أن الأمن الوطني له أبعاد أخرى إلى جانب البعد العسكري، وهنا تظهر أهمية الهوية، الاقتصاد وحتى البيئة في حماية الأمن الوطني للدولة.
الشعب: غالبا ما يتمّ التفريق بين مجال السياسة ومجال الحرب.. هل يوجد بالفعل تباين كبير بينهما؟
  فيروز مزياني: السياسة هي نفي مطلق للحرب، وهي فن الحكم، وإدارة الدولة وتحديد أشكال نشاطها، وطريقة تسييرها. أما الحرب فهي نقيض السلم، وتعبّر عن فشل السياسة والدبلوماسية.
الحرب هي صراع مسلح بين دولتين أو أكثر ويكون الهدف من هذا الصراع هو الدفاع عن المصالح الوطنية، والحرب هي ذروة النزاعات بين الدول.
من الناحية العلمية هناك فرق بين السياسة والحرب، ولكن هناك تداخل كبير بينهما في الممارسة، فمكيافيلي يرى أن «السياسة ما هي إلا معركة، بل هي معركة مستمرة تتمثل في الصراع على القوة».
وتصبح السياسة أحيانا هي الصراع على الحكم، ويمكن القول إن الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى، والسياسة هي الحرب بوسائل أخرى.
خلاصة القول، هي أن هناك تداخلا بين السياسة والحرب وهذا ما يمكن أن نلاحظه في الأزمة السورية الحالية مثلا.
هل يمكن اعتبار ما يعرف بالمركب الصناعي العسكري دليلا على هذا التداخل؟
 نعم هذا الأمر صحيح، وأفضل مثال على ذلك الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان من بين أهم أسبابها تجارة الأسلحة، فالصراع في الشرق الأوسط عاد بالفائدة على المركب العسكري الأمريكي، إذ دفع بدول المنطقة إلى اقتناء كمّيات كبيرة من الأسلحة.  
ويعد ما يعرف بـ(المركب العسكرى الصناعى الأمريكي) مفتاح فهم تلك العلاقة المتداخلة بين السياسة والحرب، عبر شبكة العلاقات السياسية والمالية بين السياسيين والجيش الأمريكي والقاعدة الصناعية العسكرية. ويمكن شرح ذلك من خلال (علاقة الباب الدوار) و(علاقة التأثير والمنفعة الدائرية).
فالضباط المتقاعدون يلتحقون بالعمل كمستشارين لشركات السلاح المرتبطة بعقود مع وزارة الدفاع الأمريكية، ومنها يتم تعيينهم في مناصب مدنية هامة، وبالتالي يتم توغّلهم داخل جهاز صنع القرار الأمريكي.
ويعتبر «ديك تشيني» مثالا على ذلك، حيث كان يعمل في البيت الأبيض وانتخب عدة مرات في مجلس النواب، واختاره «بوش الأب» وزيرا للدفاع عام 1989، كما عمل «تشيني» بين عامي 1995 و2000 رئيسا لشركة «هالي بيرتون» للبترول والطاقة والتي لها علاقات وثيقة بالمركب العسكري.
كما أن زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي ينتج عنه كثرة العقود الخاصة مع شركات ومُورّدي السلاح ومن ثم زيادة الأرباح الخاصة بتلك الشركات، ثم تقوم هذه الشركات بتكوين جماعات ضغط أو اختراق جماعات ضغط موجودة وتتدخل في الحياة السياسية وفي دعم مرشحي الكونغرس والرئاسة مثلما حصل مع (جورج بوش الابن).
تجارة الأسلحة في الصدارة
كيف أسهم ما يعرف بـ»المركب الصناعي العسكري» في اشتعال فتيل الأزمات في العالم؟
 لقد أسهم «المركب الصناعي العسكري» بالفعل في اشتعال فتيل العديد من الأزمات في العالم: وهذا ما أثاره «ميلز» عام 1957، فهذا الجانب رغم أنه يمثل قطاع الأعمال والذي يبدو بعيد عن مجال الحرب إلا أن التخصص في إنتاج الأسلحة يستفيد من ظروف التوتر والنزاع الدولي.
تجارة الأسلحة هي التجارة الأقوى عالميا، حيث تعتبر الولايات المتحدة، وروسيا والصين من بين أكبر مصدري الأسلحة عالميا، بينما تحتل الهند المركز الأول عالميا في استيراد الترسانة العسكرية.
السلاح يصنع ليستخدم فكلما زادت الحروب زاد الربح وزادت صناعة الأسلحة، كما أن السلاح الذي يتمّ صنعه لا بد أن تتم تجربته، لضمان الاستمرار في تصنيعه، مثلما حصل أثناء الحرب العالمية الثانية عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة النووية على كل من هيروشيما وناكازاكي، كذلك ما حصل في رواندا، وما يحصل حاليا في سوريا وكذلك الأسلحة التي يمتلكها تنظيم «داعش» الإرهابي.
 بالمقابل، هل يرتبط الأمن القومي بالجانب العسكري فقط، أم أن له أبعادا أخرى؟
 الأمن القومي لا يرتبط فقط بالجانب العسكري، بل يتعدى ذلك إلى الأبعاد الأخرى، فهناك عوامل أساسية تضاف إلى المقاربة التقليدية (الواقعية) التي تحصر الأمن في المجال العسكري، ولقد برزت هنالك دراسات تبنت مفهوم شامل للأمن القومي تشمل الجوانب العسكرية وغير العسكرية، فاليوم نحن أمام توسّع شمولي لمفهوم الأمن، والأمن له عدة أبعاد، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وبيئية إضافة إلى البعد العسكري، فالأمن القومي تجاوز الأمن الصلب إلى مفهوم الأمن الليّن.
وبعد نهاية الحرب الباردة تعمّم التصور الشمولي للأمن، وقد ذكر «باري بوزان» خمسة أبعاد أساسية للأمن، الأمن العسكري الذي يعنى بالهجوم والدفاع ومدركات الدول لنوايا بعضها تجاه البعض الآخر، الأمن السياسي ويخص الاستقرار التنظيمي للدول والنظم والأيديولوجيات التي تستمد منها الحكومات شرعيتها، الأمن الإقتصادي ويخص الحفاظ الدائم على مستويات مقبولة من الرفاه وقوة الدولة، ويعنى أيضا بالوصول إلى الأسواق والموارد، الأمن الاجتماعي يخص اللغة والثقافة والهوية الوطنية والدينية والعادات والتقاليد، من خلال قدرة المجتمعات على إعادة إنتاج أنماط خصوصيتها، كما يعنى الأمن الاجتماعي كذلك بالتهديدات التي تؤثر في أنماط ثقافة المجتمعات وهويتها، أما البعد الخامس للأمن فهو الأمن البيئي الذي تتوقف عليه كل الأنشطة الإنسانية فيرتبط بالمجال الحيوي المحلي والكوني، وهذه القطاعات الخمسة للأمن مرتبطة ببعضها البعض ولا تعمل بمعزل عن بعضها البعض.
ميزانيات للتسلح والأمن العسكري الهاجس المسيطر
 تُخصّص دول ميزانيات ضخمة للتسلّح، فيما تعمد أخرى إلى تقليص نفقاتها العسكرية وفي بعض الأحيان إلى إلغاء جيوشها.. ما الذي يحكم هذه السياسة أو تلك برأيك؟
 رغم التوسّع في مفهوم الأمن إلّا أن الأمن العسكري لا يزال الهاجس المسيطر على كل الدول دون استثناء، ويتجلى هذا الاهتمام من خلال ميزانيات التسلّح، لتحقيق الوظائف المرتبطة بعمل القوة العسكرية، والتي تؤمن القدرات العسكرية للدولة وهي إحدى أهم مكونات قوة الدولة التي تعمل على المحافظة على النظام داخل المجتمع.
 كما أن للمعضلة الأمنية سواء الداخلية أو الخارجية دور كبير في زيادة ميزانيات التسلح، وتنتج المعضلة الأمنية عن عدم وجود ثقة بين الدول، فالدول عادة ما تنظر إلى استعدادات الدول الأخرى على أنها تهديد مما يؤدي بها إلى زيادة وتطوير إمكانياتها العسكرية الأمر الذي تفهمه الدول الأخرى على أنه تهديد أيضا وهذا ما يؤدي إلى سباق التسلح.
كذلك تلجأ الدول التي تعاني من اضطرابات داخلية إلى زيادة نفقاتها العسكرية من أجل التحكم في الأوضاع، فقوة الجيش الوطني لها دور حاسم في الاضطرابات الداخلية، مثلما حصل في مصر أين دخل الجيش المصري العملية السياسية، بينما خرجت الأقاليم المتمردة عن السيطرة في مالي، وأعلنت حركة الأزواد في 2012 الاستقلال عن الدولة نتيجة لحدوث انقلاب في العاصمة وانهيار سيطرة الجيش على الإقليم حينذاك.
كما أن التكلفة الباهظة للجيش قد تؤدي إلى تقليص نفقات التسلح أو إلغاء الجيش مثلما حصل في إمارة «ليختنشتاين» التي ألغت جيشها عام 1868، لأنه كان يعتبر مكلفا للغاية ويوجد بها أمن داخلى فقط.
ولكن، حتى المدن أو الجزر التي لا تمتلك جيشا فهي تحت حماية الدول الأخرى مثل «الفاتيكان» وجزيرة «ناريو» و»جزر سليمان».
 هل من كلمة أخيرة؟
 في مجال العلوم السياسية عامة والعلاقات الدولية بشكل خاص، فإنه لا يوجد هناك فصل تام بين المفاهيم كما لا يوجد هناك تعميم، فالممارسة تثبت أن هناك تداخل بين المفاهيم وهذا باختلاف مستويات التحليل وباختلاف الحالات المدروسة.
ومن بين أهم تحولات المشهد الأمني العالمي توسع مفهوم الأمن، إضافة إلى تحولات القوة التي تجاوزت العامل العسكري إلى عوامل أخرى مثل التعليم، التكنولوجيا، الاعتماد المتبادل، النمو الاقتصادي... ولكن في ظلّ نظام عالمي فوضوي يفتقر إلى سلطة عليا يبقى العامل العسكري الوسيلة النهائية التي تلجأ إليها الدول.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024