أثيرت لأول مرة وبشكل صريح، في مسودة مشروع تعديل الدستور، إمكانية إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج، ومشاركته في عمليات حفظ السلام، ولا يمكن تناول القضية بمعزل عن الظروف الأمنية في العمق الاستراتيجي للأمن والقومي الجزائري ومجموعة من المبادئ.
ارسال الجيوش إلى الخارج، في مهمات قتالية، دائما ما كان خيارا استراتيجيا للدول التي تتبنى عقيدة عسكرية «هجومية»، تحت ذريعة حماية أوتحصيل مصالح حيوية بشكل أحادي أوفي إطار تحالفات عسكرية على غرار دول «الناتو».
ولحد الآن، غالبية الدول الغربية الكبرى التي تملك قواعد عسكرية في مختلف مناطق العالم الثالث، لم تستطع تقديم إجابات مقنعة عن مدى اقتناعها بمبادئ السيادة والشؤون الداخلية للدول الأخرى، فهي تقدم على الخطوة بناء على أمرين: حماية أمنها القومي والاستجابة لطلبات المساعدة التي تنشدها بعض الدول ذات القدرات الدفاعية المتدنية.
منطقة الساحل الإفريقي، باتت من أكثر مناطق العالم استقطابا للتواجد العسكري الأجنبي، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الدولي العابر للأوطان، وذلك منذ سقوط جزء كبير من شمال مالي تحت سيطرة جماعات إرهابية.
وبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، يعتبر الساحل الإفريقي، الجدار الأول لأمنه القومي، بكونه مصدر تهديد عال لتنفيذ هجمات إرهابية أولإغراق أوروبا بأمواج المهاجرين والمخدرات.
فرنسا التي استطاعت سنة 2013، أن تضمن موطئ قدم لها في شمال مالي بعملية «سيرفال»، ثم منطقة الساحل ككل بعملية» برخان»، حاولت اقناع الدول الأوروبية في أكتوبر من العام الماضي بتشكيل جيش أوروبي مصغر من القوات الخاصة وارساله إلى جبهات القتال هناك، ولقيت استجابة متباينة من قبل نظرائها داخل المجموعة الأوروبية.
الطلب الفرنسي جاء، تحت مبرر « العلاقة المباشرة» التي تربط أوروبا بما يجري في دول مالي، النيجر، بوركينافاسوونيجيريا.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى تملك منذ عدة سنوات قاعدة عسكرية في النيجر، صرفت من أجل بنائها حوالي 100 مليون دولار، ومخصصة للعلميات الاستخباراتية عن طريق الطائرات بدون طيار.
إيطاليا هي الأخرى، التحقت بالركب وارسلت، سنة 2017، قوة مشكلة من 470 عسكريا الى النيجر، وقالت أنها «استجابة لطلب المساعدة التي تقدمت به الحكومة النيجرية».
والأسبوع الماضي، عززت ألمانيا، تواجدها العسكري في مالي وضخّت عناصر إضافية في بعثتها العسكرية لتصبح حوالي 450 فردا يتولون مهمة تدريبية واستخباراتية (غير قتالية).
كندا هي الأخرى ورغم بعد المسافة، تملك قوة عسكرية للدعم اللوجيستي في منطقة الساحل قوامها 450 عسكريا و8 طائرات للنقل العسكري وضعتها تحت تصرف البعثة الأممية المدمجة في مالي.
هذه الدول والأوروبية منها بالأخص، وجدت في ارسال قوات عسكرية إلى المنطقة الوسيلة الوحيدة لمتابعة التطورات الميدانية وتحركات الجماعات الإرهابية عن قرب رغم أن البيئة الجغرافية الصحراوية الوعرة، مختلفة تماما عن بيئة نشأة وتطور جيوشها، بمعنى آخر، أن تعطي لنفسها فرصة تدريب واختبار لقدراتها الحربية في مناطق مختلفة من العالم.
المفارقة، أن هذا التواجد العسكري الأجنبي في الساحل الإفريقي، ورغم كونه مبنيا على اتفاقيات ثنائية مع سلطات دول المنطقة، إلا أنه صار يلقى رفضا شعبيا كبيرا من قبل سكان النيجر ومالي على سبيل المثال.
ومبرر الرفض أن هذه الدول التي أرسلت قواتها للمساعدة، لا تستطيع حماية المدنيين والجيوش المحلية من الهجمات الإرهابية المستمرة والعنيفة، مما يثير استفهامات لا تنتهي حول النوايا الحقيقية وأولوية المصالح، بين هذه الدول والبلدان التي هي بحاجة للمساعدة.
ولتحظى قوة عسكرية أجنبية بالقبول التام في دولة معينة، لا بد أن تتحقق شروط احترام السيادة والحفاظ على الحياد في الشؤون الداخلية، وان تلقى هذه القوة قبولا شعبيا من الدولة المستضيفة التي لا بد أن تكون بحاجة حقيقية للمساعدة.
الإستراتيجية الدفاعية
وبالنسبة لدولتين مثل الجزائر وتونس، اللتين تحملان عبئا أمنيا ثقيلا جراء التهديدات الأمنية الخطيرة في دول الجوار وبالأخص ليبيا التي تغيب فيها منذ سنوات مؤسسات الدولة الشرعية، تؤكد ضرورة الحرص على الاستراتيجية الدفاعية .
وبتوفير مبادئ خدمة القضايا العادلة، ومساعد الشعوب، واستباق الخطر الداهم القادم من مناطق خارجية تعرف انهيارا تاما لرموز الدولة، يمكن تبني خطط للتصدي الاستباقي للمخاطر. فمثلا هل تستطيع ليبيا تأمين حدودها بالشكل الذي يجعل دول جوارها مطمئنة؟
ولا يمكن ان تظل منطقة حيوية كالساحل الافريقي حديقة خلفية لدول أوروبية، فالأمن القومي في منطقة مفتوحة وشاسعة كالساحل يحتاج الى استراتيجية متكاملة لا تكفي فيها الأدوات الدبلوماسية لتحقيق النتائج المرجوة، لأنه سيكون الآليات الأمنية والإنسانية المبنية على أسس نبيلة حقيقية.