تغيرت مقاربات كيفية تسوية الأزمات الدولية الشائكة، بانتقال الملفات المراد حلها من مجلس الأمن إلى عواصم عالمية، اعتادت احتضان الأحداث الكبرى عندما يتعذر التوصل إلى تصور واحد بشأنها، أملا في إيجاد المخرج الذي طالما انتظره الجميع لإنهاء مأساة بعض شعوب المعمورة.
وما يستشفّ من هذه المقاربات المطروحة في العلاقات الدولية، هو أننا بصدد الوقوف على المنفذ القائم على «حالة بحالة»، أي السعي للتخلص من قضايا حاسمة تراها القوى الكبرى بأنها تحتاج إلى أولوية في الوقت الراهن. وهذا ما ينطبق اليوم على سوريا، كونها أصبحت نزاعا بأبعاده الإقليمية تورطت فيه كل الأطراف وفق مصالحها الاستراتيجية.
في حين أن ملفات أخرى زُحزحت إلى مراتب خلفية كالقضية الفلسطينية وصراعات افريقيا، والإرهاب… هذا ما يسجل اليوم في منهجية السياسة الدولية المبنية على منطق جديد لا يراعي حدة المشكلة، بقدر ما يعمل على فرض نظرة ضيقة تخرج عن حسابات معينة فرضتها كل هذه التحولات العنيفة التي بدأت باسم “الربيع العربي” لإسقاط الأنظمة المتجذرة، لينقلب إلى «الربيع الإرهابي» الذي قضى على الاستقرار ودمر الاقتصاد وهلك البلاد والعباد إلى درجة لا توصف، والأمثلة موجودة أمامنا اليوم. وقد يخطئ من يعتقد بأن الحل سيكون غدا، لأن الأوضاع وصلت إلى حد لا يطاق من التدمير الذاتي، حتى وإن وافق البعض على اقتراحات معينة فإن صوت الرصاص لن يسكت أبدا، لأن الكل يرفض قاعدة «لا غالب ولا مغلوب».
كنا نأمل أن يولي الأمريكيون والروس اهتماما أكبر للقضية الفلسطينية، وهذا بالجلوس إلى طاولة واحدة مع الأطراف المعنية بها. لكن هيهات… للأسف كل شيء متوقف.. وهذا عندما انفردت إدارة أوباما بالملف وأخرجته من إطاره الأممي إلى إجراء المفاوضات في فلسطين المحتلة. والأدهى والأمرّ، هو هذا الموقف الإسرائيلي المتغطرس الذي صبّ جمّ غضبه على اتفاقية - الإطار لـ«كيري» والجميع تناسى أنه لا يمكن التقدم بأيّ تفاهمات دون ضمان أمن إسرائيل، هذا هو جوهر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ولا ينتظر منها أن تصل إلى سقف معيّن في توجهاتها.
ويجب أن نقر هنا، بأن الأولوية، كل الأولوية، للملف الفلسطيني الذي يعاني شعبه الممارسات اللاإنسانية الصهيونية. وحاليا هناك تعتيم إعلامي على ما يتعرض له الفلسطينيون، لأن الأنظار موجهة إلى «جنيف ٢» وما ستتوج به تلك المفاوضات حتى وإن كان التكهن صعبا ومعقدا. ولسنا هنا بصدد إحداث المقارنة بين الملفين، لكن نثير مؤشرات ملموسة عن أن إرادة الحل ورغبة التسوية لم تعد مسألة سهلة في العلاقات الدولية، وهذا نظرا لتغير أشياء كثيرة، منها بخاصة عدم قدرة أي طرف على التحكم في سيرورة الأحداث، ودخول عناصر جديدة في النزاعات، كالميليشيات المسلحة، في حين غابت قوة الدول في القضاء عليها. هذا ما جعل المفاوضات تنقل، في كثير من الأحيان، إلى بلدان أخرى لجمع شمل المتخاصمين. وهذا في حد ذاته أضعف قدرة الأمم المتحدة في الحسم في قضايا عديدة.. وفي كثير من الأحيان يحل محلها الأمريكان أو الروس لضبط مسار النزاعات بشكل محكم.
تسوية النزاعات الدولية
مقاربة “دراسة حالة بحالة” تفرض نفسها
جمال أوكيلي
شوهد:1238 مرة